قراءة في مسرحية حمام العيالات/ قاسم العجلاوي
في إطار فعاليات الدورة الخامسة عشر للمهرجان الدولي للمسرح والثقافات المنظم من طرف مؤسسة الفنون الحية، وفي اليوم وفي اليوم السادس للمهرجان قدمت مسرحية “حمام العيالات” للمخرجة الاستاذة المبدعة لطيفة أحرار بمسرح محمد السادس من تشخيص كل من: الرائعة السعدية لديب التي منحت لدور العاملة والناطقة بلهجة امازيغية بعدا إبداعيا متميزا و تناميا دراميا ممتعا للعرض، برفقة ممثلات أخريات /خلود بطيوي/فاطمة بوجو /نورا قريشي/سكينة الفضايلي /ماجدة زبيطة.
عمل مسرحي يمكن إدراجه في سياق الكوميديا الحزينة التي تجمع بين الفرجة الامتاعية، والحكي والكشف عن معاناة في المعيش اليومي.
مجموعة نساء يكدحن من أجل كسب لقمة عيش داخل حمام عصري في خدمة نساء أخريات يرفلن في رغد العيش، نوع من الكشف عن جدلية العلاقة بين السيد والعبد بلغة الفيلسوف هيجل حين يكتشف العبد انه سيد على سيده بعمله ويكتشف السيد انه عبد لعبده بدونه سيفقد السيد وجوده وهويته.
الحمام او بصورة ادق صالون التجميل حسب مجريات الأحداث فضاء البحث عن الذات التائهة المستلبة في حضرة اناس ٱخرين يعرفون كيف يعيدون للذات المسلوبة وجودها وكينونتها، في حمام العيالات نساء هن عيالات الحمام او خبيرات التجميل يمتلكون اسرار إجبار الجسد المنهك على البوح بحقيقته، وبتعبير نيتشه التخلص من زيف الواقع وكذب اللغة نحو الكشف والمصارحة عن لوعة الحب واللذة والإستمتاع بالرقص والغناء وصولا إلى البوح بالقبل واللمس ونتشاء برعشة الجسد .
الجميل في هذا العمل المسرحي انه يحتفى بالمرأة متلمسا أحاسيسها الداخلية الدفينة التي تجبر على إخفاءها ارضاء لثقافة المجتمع وايضا في شغلها وعملها المستلب الذي تفقد فيه هويتها، من امرأة كانسان دو كرامة الى وسيلة او ٱلة مجبرة في عملها الكادح على إزالة الاوساخ وتدليك الاقدام وحمل الحقائب وارضاء الخواطر وفعل كل شيء من أجل لاشيء.
انها معادلة صعبة استطاعت المخرجة لطيفة أحرار بذكائها الابداعي ان تجد لها حلا من خلال المزج بين الغناء والرقص والحوار الهادف والرصين دون إسفاف اوسقوط في المحظور، ورصد عوالم عمل النساء المضني والمؤلم، ولعل عنوان المسرحية المثير كان عنصر جر وجذب للجمهور الكثير الذي حج لمتابعة العرض وانا منهم، اعتقدنا ان الركح المسرحي سيمكننا نحن جمهور التلقي من اقتحام عالم خاص بالنساء، غير مباح في الواقع ، ومع ذلك حقق لنا العرض فسحة الإستمتاع بما يدخل في باب الامتناع، و عشنا لحظات من متعة الاداء التشخيصي لشخصيات نسائية شبيهة بأمهاتنا وأخواتنا وبناتنا في البوح والمكاشفة والمصارحة بمكنونات النفس ورغبات الجسد المكبوحة.
“حمام العيالات” عمل مسرحي ركب صهوة البسيط في كل عناصره الإبداعية برؤية إخراجية خاطبت عقل المتفرج باقحامه في صلب المشكل النسائي كما حركت وجدانه بمكبوثات لا شعورية تسكن عقله الباطن وتتفجر في تجليات وسلوكيات يومية. والجميل في العمل انه قارب بعدين متنافرين :
بعد الحجرالصحي بفعل جائحة كورونا التي ألزمت الذات الإنسانية بالانعزال والتفرد والعودة إلى تقوقع داخل الأنا المؤلم أحيانا بحكم تكسير المعتاد والمالوف ، ولكن ذكاء المخرجة وأداء الممثلات مكن من اقحام جمل لغوية ومواقف حينت النص واعطته بعدا راهنيا مقبولا.
والبعد الثاني الاستحمام النسائي كفضاء روحي جسماني جد خاص وحميمي تختلي فيه النساء الى ذواتهن بمطلق التحرر من كل شيء واحيانا حتى لباسهن الداخلي دون حواجز او موانع اصبح فوق الركح فضاء مباحا للمشاهدة والفرجة المسرحية ، وتكمن المفارقة في الجمع بين ،إلاجتماعي المشترك بين الذوات المحجورة الباحثة عن منفذ للخلاص ولو في حمام او صالون تجميل ،و النفسي في البوح بمكنونات الروح ولوعة الجسد الصارخ الباحث عن إرواء الظمأ الطبيعي بين الجنسين الغائبين الحاضرين في العمل المسرحي.
العمل المسرحي تميز بابعاد سينوغرافية بسيطة في خلفيات ومقاعد بيضاء ومعطف رجالي اسود تحضنه وتبحت فيه النساء عن دفء مفتقد، نساء حالمات ثائرات على واقع غير سليم واضواء ذات ارضية صفراء لإبراز لحظات من المتعة والحلم الجميل بالغناء والرقص والبوح الحزين والجميل معا واللون الاحمر الحالك و الابيض الكاشف عن الحقيقة ،وازياء الاستحمام والإستمتاع بالجسد وايضا حرقة الجسد والروح في تنورة العمل كرمز للكدح من أجل لقمة العيش،
ورغم ان النص يحكي عن زمن كورونا الذي أصبح في حكم الماضي غير المأسوف على انصرامه الى ان حنكة الرؤية الإخراجية والاداء التشخيصي الرائع خصوصا من طرف المبدعة السعدية لديب وباقي الممثلات الاخريات أعطى للعمل بعدا راهنيا للكشف عن تباين طبقي في التشكيل الاجتماعي المغربي وتلك خاصية المبدعين الكبار من قبيل الرائعة لطيفة أحرار في إدارة هذا العمل المحتفي بالثراث الأمازيغي ، الى جانب لمسة المبدع السينوغراف طارق الربح وباقي اعضاء الفريق التقني في تاثيث فضاء حمام العيالات اولبوس عيالات الحمام باعتبارهن عاملات تطهير للاجساد في انتظار تطهير العقول والنفوس كما تقول المسرحية في نفسها الاخير.