مسرحية “عشرة من عشرة” مرة أخرى…/ صادق مرزوق
الأعم الأغلب من العروض المسرحية تخضع لمرجعيات التلقي وتباين المخزون الثقافي لمجموع الجمهور، الأمر الذي يولد خلافا حادا حول القبول والرفض لهذا العرض أو ذاك ، وهذا ينسحب بالطبع على عروض الطفل.. لكن للمرة الأولى أشاهد جمهور الديوانية لمن حضروا عرض مسرحية عشرة على عشرة وبمختلف الفئات وتباين الثقافات يتفقون على نسبة الإثارة والاقناع لهذا العرض لما يمتلكه المخرج حسين علي صالح من تاريخ عريض وخبرة طويلة في مسرح الطفل. بالرغم من أن الخبرة تكون أحيانا إرثا ثقيلا على حاملها.. فهل يستطيع أي مخرج ومنهم حسين علي صالح القفز على خبرته وأن يتحفنا بمنجز مغاير حتى عن تاريخه المعروف في مجال فن المسرح. ولأني أثق بكلام مولانا شمس التبريزي على لسان جلال الدين الرومي حين يقول (الماضي قيد والمستقبل وهم).. نعم فنحن أبناء اللحظة. وهذا هو سر المسرح يختزل بلافتة ( نحن الآن هنا) فدعونا نكون الآن هنا في ضيافة عرض عشرة على عشرة.
انطلق من النص
حين تمعنت في قراءة النص قلت : “كيف سيتمكن المخرج أن يحرك نصا ساكنا بني بنسق افقي ،وكيف يستنطق عناصر النص ليبث فيه الحياة”، فللنص سمتان أما أن يكون فخا أو مفخخا.. ارى ان نص درندش هو فخ للمخرج .. ونحن نعلم أن نص مسرح الطفل هو الأصعب.
إنطلاقا لابد لنا أن نضع تاريخ حسين على صالح بعيدا ونتعرف عليه الآن وهنا.. وعلينا نحن أيضا أن نتخلى عن سنين العمر لنتقمص ذائقة الطفل .. هل وفق المخرج في هذا العرض؟؟؟ هل استطاع أن يأخذنا نحن الأطفال في رحلة عجيبة ؟؟ ام هل أصابنا الملل ونزعنا ملابس الطفولة لنتحسس مقاعدنا ونتململ من الجلوس داخل القاعة.. نجد أن الخبرة في توظيف الأغنية واللعب المسرحي جعلنا نتجاوز الملل. كذلك هي البداية كانت تتكأ على خبرة المخرج. فكانت بداية ساحرة أخذتنا إلى عالم الفانتازيا وهي أحد مرتكزات مسرح الطفل الذي يعتمد على الخيال لمجرد أننا كنا أمام مقترح سينوغرافي جميل ساهم في بث القبول لفضاء العرض. بالرغم من أن الأغنية في البداية لايتناسب مع حجم الشخصية للمثل الشاب سعد شعبان الذي جسد شخصية الطفل، لكن بمهارة الممثل استطاع أن يقنعنا بادائه الفذ . كذلك هو الحال مع جانب الكوميديا الهادفة .
يحسب لهذا العرض أيضا الإتقان وبنسبة لابأس بها في ضبط اللغة العربية مع الابتعاد على اللفظ الشعبي الذي صار سمة لأغلب العروض من أجل التحايل لكسب تلقي جماهيري عريض، رغم التأكيد من لجان النقد والتقييم بالضد من هذه الظاهرة .. التوظيف الفني للموسيقى أعطى للعرض قبولا في التلقي . وربما أجد أن الإضاءة في هذا العرض حققت غاياتها المعرفية والجمالية . قدرات التمثيل جيدة في أداء شخصيتي الوحش وشطور.. فقد حقق المخرج قدرة كبيرة في صناعة ممثل يحقق الوسطية في القبول بين الكبار والصغار، بين النخب وعموم الجماهير ليجسد الممثل هنا بما لديه من مهارات مكتسبة فعلا جماليا معتمدا على خفة الدم ورشاقة الممثل سعد شعبان الذي قاد المشهد المسرحي إلى فعل الشراكة مع الاطفال.. وكذلك تحول طبقة الصوت لدى الوحش. كانت لمحة ادائية غاية في الروعة والذكاء تحسب لصناعة العرض اخراجا وتمثيلا للفنان حسين علي صالح ممثلا ماهرا ومخرجا ألمعيا . وكذلك الجانب التعليمي في معرفة صوت الحيوان وفي التمارين الرياضية وهي تخاطب إعمار مبكرة لدى الأطفال وكان ينبغي الانتقال إلى معلومات أكثر أهمية لاستثمار استجابة الأطفال لان عموم العرض كان يخاطب أعمار متوسطة بين سن 8 و 12 العرض وغي .. ومايحسب لهذا العرض أيضا ابتعاده عن كلائشيات مسرح الطفل في اعتماد المجاميع والبهرجة في تشكلات السينوغرافيا فقد اعتمد على شخصيتين ملأت المكان وكانهما مجموعة ممثلين ، وكان العرض درسا في التمثيل والاخراج للكبار وليس عرضا للصغار . . . إشارة هنا لطيفة تحسب للمخرج وللسينوغراف، فلقد كنت أتمنى أن اقود حركة لمناهضة جهاز الدخان في مسرح الطفل فأن هذا الجهاز أصبح لازمة لكل العروض واسميه السهل المباح المستباح. حسنا فعل المخرج حسين علي صالح انه تجاوز هذه العقدة .
وأخيرا حقق هذا العرض متعة كبيرة لصادق مرزوق الطفل فقد تفاعلت كما تفاعلت مجاميع الأطفال في الديوانية مع مجريات العرض وخصوصا في النهاية بالرغم من أن هذا العرض انساق لمهارة المخرج وحرفته المعهودة ولم يكسر المتوقع والقفز على مرجعيات المخرج . فلم تكن تحولات العرض تنم عن حفرا شاقوليا بل ظلت رهينة الحرفة . ويشفع لهذا العرض التفاعل مع الآخر. وأنه كان عرض اختزل السرد ليعتمد على تحولات الممثل بالرغم من جمود المنظر المسرحي واعتماده لتحريك الجانب الأيسر من ضفة العرض وإهمال الضفة الأخرى. وكان ختام المسرحية بالمطلع. فمثلما كانت البداية جميلة بالمنظر المسرحي الجميل وانتهت بمشهدية مسرحية تفاعلية غاية في الروعة المتمثلة بجر الأطفال إلى ساحة اللعب المسرحي.