حركة النص بين البنية المغلقة والمفتوحة/ حيدر جبر الاسدي

استكشافات في مستغلقات مسرحية ( شفت ودليت) للكاتب عمار سيف

 

تمثل حركة النص عند الناقد الفرنسي رولان بارت عملية العبور والاختراق، وهذا بالتأكيد يؤدي الى التحول في البحث عن كيفية تكوين النص وشيئيته، كسؤال  مركزي، بمعنى اننا نبحث عن اشتغالات البنية المغلقة من الداخل، باتجاه فهم حركتها المستبطنة بغية تثوير الاشتباكات الدلالية، وبالنتيجة اشعال ضوء الاستكشافات وفض المستغلقات والمجاهيل النصية، للبحث عن ملامح الوشم البارز بوصفها _ اي هذه الحالة_ التقاطات وفق معايير اندلاق العلاقات داخل البنية المغلقة وربطها بالعلامات الكبرى، لفتح الممارسات الفعالة في البنية المفتوحة، لقراءة المدونة النصية، بما يسهم في تأصيل العلامات الانتاجية، الخارجة من عنق كلا البنيتين ( المغلقة / المفتوحة)، على وفق ماتقدم فأننا سنفتح اخاديد نص “شفت ودليت” للكاتب عمار سيف، علنا نفكك حزمة العلامات التي ستاتي ضمن السياقات التي اشرنا لهافي المدخل بغية الغور في عمق الفكرة الرئيسية للنص، كاتب مسرحي يبحث عن نص خالد وهو يعيش لحظاته الاخيرة، ربما هذا هو المفهوم المضمر الذي لم يشر له الكاتب في نسقه العام لمجمل متنه الا انها التقاطة بؤرية اشار  لها المؤلف على لسان شخصية الكاتب، لذا فان  المؤلف هنا  يضعنا في تيه فلسفي حين اسدل البنيات النصية واغلق الابواب كلها الا باب الكاتب بوصفها شخصية حية اصبحت تسرد الاحداث وهي تتجول في مكتبتها في النصف الاخير من الليل  ليصدمنا المؤلف وهو يستثمر اللابتوب بوصفه تقنية تواصلية يمظهر من خلالها الشخصيات التي ستاتي تباعا، ضمن انساق فانتازية مثيرة تحرك الساكن بسكون الزمن وحركة النص في المدخل العام له،.. الكاتب  وهو يحاكي نفسه “سابحث لكم عن مكان فانتازي يحتوي كل هوسكم الذي في راسي……الرجل / يعني ……الكاتب يقاطعه  اششششش ”

من هذه الجملة نستكشف ان الشخصيات في النص هي أصلا متاتية من رأس الكاتب بمعنى انها شخصيات متخيلة حاضرة في راسه وانه يعيش حالة من الهوس لذلك فانها تتمثل، ولكن المؤلف أحسن اللعبة حين سحبها الى منطقة التمثل العيني تارة والغياب تارة أخرى…بمعنى ان علاقة الحضور والغياب كانت متماهية  لإيصال علامات متعددة بناء على طبيعة العلاقات المتشابكة في البنيات النصية بشقيها المغلقة والمفتوحة ،

الكاتب .. “مخيلتي أشباح ظلامية، أفكاري أصبحت جيلا  جليديا لايصلح لشيء سوى التزلج عليه”،  اي  ان ما يدور من أحداث مع حركة النص عبر الشخصيات هي متخيلة  واشباح مصحوبة بظلامية وهو اعتراف ضمني لواقع تفكير الكاتب، وانه لا فائدة او لا جدوى منها بسبب استخداماتها في الترفيه ربما كالتزلج مثلا  ليس الا ، وبتقديري أعتبر ذلك بمثابة الاستسلام للواقع الذي وصل اليه الكاتب وهو يبحث عن خلود النتاج وقوة الابداع الذي يساوره لتحقيق مآربه الخاصة، من زاوية أخرى حاول المؤلف استحضار شخصية الرجل والمرأة بوصفهما شخصيتان مركزيتان كانتا لهما حضورا فاعلا في نصوص المؤلف، وقد أعطى لهما وجودا ماديا ثم متخيلا ليشير الى بعض العلامات من خلال الأبعاد الواضحة للشخصيتين فالرجل كان يمثل ظله وضميره وهوسه وذاته والمرأة كانت تمثل روحه و خلجاته وشغفه الخ. لكنه يغيبهما بتقنية الشفت والدليت ويحاول المؤلف أن يجعل هذه الشخصيات بمثابة بيادق يحركها الكاتب حسبما يشاء وخصوصا حين نكتشف ان المراءة أصلا هي من شخصيات الدمى. كما نعتها، لتدخل في جدل مع الرجل وهذا الجدل أريد له أن يضعنا في الطبيعة العلاقاتية بين  الرجل والمرأة وكيف ينظر بعض الرجال الى المرأة   …تقترب المرأة من الرجل وهي تهمس في أذنه ..”يملىء راسك الاسفنجي هذا بالتفاهات  التي تسمى أدبا “، وهذه من الجمل الاعتراضية المميزة التي توصف ما وصل اليه الكاتب بعد هذا العطاء..  إن ما قدمه هو مجموعة تفاهات ليس إلا، لذلك المؤلف يعطي للأسباب مسوغا لسبب بحث  الكاتب عن نصه الخالد؟ لانه مؤمن بهكذا اعتقادات بان نصوصه لم تقدم شيء سوى الحرب والقتل والموت والجنس وغيرها من مواضيع مستهلكة أصبحت في عداد النسيان لم تقدم شيء للبشرية، ثم يسخر المؤلف من لغته كأنما يوبخ نفسه حين يصف جهازه اللغوي بهذا الوصف…   الكاتب “انا جزار لغوي. يركب الجمل كما يحلو له”، باعتقادي ان المؤلف صور لنا وبشكل رصين المعايير التي يتصف بها الكتاب الفاشلين الذين لم يستطيعوا ان يحققوا ابداعا  شاخصا خالدا،  وان اختلف الابداع كمفهوم عند الفلاسفة، الا انه ينتهي الى حقيقة مفادها كما اشار ايمانويل كانت: “الذي يرى أن الإبداع يأتي من مخيلة الفرد، فهو قادر على استنتاج أفكار جديدة من البيئة المحيطة به،  فالإبداع يعطي الشخص القوة من أجل إنتاج الأفضل فيحصل الفرد على مستقبل زاهر”، لكن الالتفاتة المهمة في تقديري ان المؤلف استحضر شخصية الملك عزرائيل (ملك الموت)، الذي اوهم الكاتب بان العملية هذه المرة ايضا ايهامية او انها جاءت  بسبب التقنية، لكنه يُفاجئ بأنه سيغادر لان عمل هذا الملك لايدخل ضمن الانساق المتخيلة فله وظيفة محددة ينهيها وبهدوء لينتقل الى عمل اخر، وبهذا وضعنا المؤلف كما اشرنا في بداية المقال بان الكاتب في لحظاته الاخير وان هذا الهوس كشف المؤلف من خلاله عن ثيم مهمة وعلامات فتحت بوابات مضيئة للقارئ ليقرا طبيعة هكذا شخصيات خاسرة.. ويمكن لنا اجمال أهم المؤشرات التالية التي ساقها لنا النص على النحو الاتي:

أولا / كشف النص من خلال حركته الداخلية والخارجية عمق الفكرة المضمرة التي غطى عنها المؤلف عبر جدلية الشخصيات كمدخل للنص.

ثانيا / حكايته فانتازية ليمظهر افكارا واقعية حادثة عانت منها الكثير من الشخصيات في حقول الكتابة بانواعها المختلفة ومنها الأدب وكتابة النص المسرحي .

ثالثا/ الشخصيات مستوحاة من مخيال المؤلف التي تعبر عن مخيال الكاتب، حيث جعل الاخير مهيمن على مقدرات الشخصيات بشكل واضح ومسؤولا عن حركتها كيفما يشاء.

رابعا / استثمر الحاسبة ( اللابتوب) بوصفها تقنية تحرك الشخصيات والأحداث معا بضربة واحدة وهكذا هو حال واقعنا بشتى ضروبه وفيه اسقطات معاصرة واضحة.

خامسا / لغته بسيطة لكنها دالة وفيها من الاعتراضات مايجعل الجمل والتراكيب ذات حرية كبيرة لتخلص من ارباكات اللغة واخطاءها ومنعطفاتها وقد وظفها المؤلف بذكاء خاص .

سادسا/ كانت مساحة الزمكانية في النص واسعة لم تستغل استغلالا اكثر لاستبطان العلامات المتوارية والمهمة، واكتفى المؤلف ببعض المؤشرات للحفاظ على نسق حدده مسبقا .

سابعا /  لعبت الفانتازية دور مهم في تغريب الحدث واعطت بعدا فكريا يحتاج الى تأمل لفك بعض الاشتباكات التي نثرها المؤلف بقصدية بين ثنايا التراكيب اللغوية تارة وبين رمزية المشهدية تارة اخرى.

اخيرا فان المؤلف بسياقاته النصية هذه هدفه البحث عن فكرة لإيصالها الى المتلقي ولايعتبر انها  من ذاته او هي  صوته الاوحد وبهذا يشير فوكو بشكل أكبر على ( فكرة أن وظيفة المؤلف، كما تعمل في نص ما، لا تتطابق مع ذات مفردة (شخص) تكون هي مؤلفة النص). أي أن أي نص  فيه ذوات متعددة وليست ذاتا واحدةربما تختلف او تنسجم معه…

 

ملاحظة ؛ حصل نص “شفت ودليتط لعمار سيف على جائزة افضل نص مسرحي في مهرجان ابابيل الدولي

 

* حيدر جبر الاسدي / مخرج.ناقد.مسرحي عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت