المسرح حياة / محمد الروبي

ما زال البعض في عالمنا العربي ينظر إلى المسرح باعتباره فعلا تحريضيا على الفوضى وتكدير السلم العام. ما زال البعض يخشى المسرح كخشيته من وباء إن تركه سيستشري ويصيب الناس بالعدوى. ما زال البعض يرى في المسرح فعلا فاضحا وجب منعه أو على الأقل شجبه. وأولئك هم من لم يفهموا طبيعة المسرح ولا دوره، هم فقط يلجؤون إليه وقت الحاجة، باعتباره حلية كرنفالية يزينون بها شعاراتهم الطنانة عن المجتمع والناس. فإن تجاوز المسرح وخرج عن أداء هذا الدور، وقفوا له ووصفوه بما ليس فيه، وحرضوا الناس ضده، ولقنوهم تفسيرات التحريم والتجريم، وتركوه لهم يهدمونه بأياديهم، ليخرجوا بعدها باسمين قائلين ببراءة مدعاة “ما قتلناه.. الناس من فعلوا.. وهل نقف ضد الناس؟”. أولئك يظنون، وكل الظن إثم في هذه الحالة، أنهم بمنعهم المسرح أو مصادرته أو تحجيمه، يحافظون على السلم العام. في حين أن المسرح، وكل فن، هو ابن السلم، بلسم الروح، شفاء الأنفس من كل ضغينة هي بذرة شر وشجيرة إرهاب. فإن قُتل أو مُنع وأظلمت ساحاته،انطفأت الأرواح، وُسكرت العقول، وشاعت أفكار الظلام، وسادت ظلمة الفكر، وما أخصب من تلك بيئة يترعرع فيها الإرهاب؟

الذين يمنعوننا اليوم، هم أنفسهم الذين يسألوننا عن سر ازدهار المسرح، وكل فن، في خمسينات وستينات القرن الماضي. ولماذا كان مجتمع ذلك الماضي يخلو من طائفية ومن إرهاب ومن تحرش؟ وينسون أو يتجاهلون أن ذلك لأن المسرح كان في المدرسة وفي الجامعة وفي المصنع وفي الشارع. فانسدت على ديدان الفتنة كل المنافذ. نعم، هكذا وببساطة لن يفهمها المتشدقون بأن الإرهاب لا يفنيه إلا القتل المباشر، وبأن المسرح، وكل فن، ما هو إلا ترف لا نحتاجه الآن.

إن مواجهة الإرهاب لن تنجح إذا ما تصورناها حرباً بالأسلحة وفقط.
فأنت يمكنك أن تقتل إرهابياً أو تسجن العشرات، لكن هذا لن يعنى أبداً أنك ستقضى على الإرهاب، فالدودة فى أصل الشجرة والشجرة هى الجهل.. فإذا ما أردت الخلاص من الدودة، اقطع الشجرة.. احرقها.. وازرع غيرها مئات الشتلات الجديدة المبرئة واروها بماء المسرح المبني على العلم والمدعوم بالحرية.
أنر مسارحك بالعروض ولا تضيق على العارضين الخناق، فالأمر فى النهاية كلمة لا تواجه إلا بكلمة. ناقشهم، وساجلهم واجه عرضهم بعرض، وأغنيتهم بأغنية، ولوحتهم بلوحة.. وهكذا سيلتف الناس حول الناس، يتقارعون بالحجة، ويرقصون معا فى نهاية كل جولة.
ارفع شعار “أنت حر ما دمت تحترم حرية الآخر، وأنك مدان حين تضيق عليه الخناق”.
ازرع الأشجار فى الشوارع، وحول الخرابات إلى حدائق وساحات للعروض. بعدها انظر حولك، فالمدينة نظيفة، ولا مكان لطيور الظلام. هم يعشقون السواد، فحاربهم بالألوان، حاربهم بالأنوار، حاربهم بالرقص والغناء، سيذوبون ويسحقون.. ويختفون.. وسيبقى الإنسان.. خليفة الرب، معمر الأرض.
المسرح يا سادة ليس ترفا، المسرح حياة. فاتركوه لنا، ونعدكم أن يعود مجتمعنا لسلمه وأمنه ووحدته إن كنتم حقا تريدون.
عن: مجلة “المسرح” عدد:34 / يوليو 2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت