سلطة الممثل في المسرح البديل/ طلال هادي
(كوميديا الخوف… انموذجا)
العرض المسرحي الموسوم ” كوميديا الخوف” والتي عرضت في المسرح الوطني/ بغداد 2016 والتي اعتمدنا من خلالها على اعادة انتاج نوع من الخطاب المسرحي العراقي الذي كان سائدا في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي من خلال تجارب الاساتذة ( قاسم محمد، عوني كرومي، عزيز خيون، فاضل خليل، هاني هاني) والذين ابدعوا في نشر الجو الاحتفالي وجعله الركيزة الاساس لتوجيه الرؤى والافكار المراد تقديمها في ليلة العرض ..
ومع اختلاف التوجهات للاساتذة الرواد في استخدام الدوافع الفكرية او النتائج التحليلية في دفع عجلة المفاهيم المختلطة بين الفلسفة والتأثيرات النفسية في ذهن المتلقي ..الا انهم قد اشتركوا في قاعدة واحدة ارتبطوا بها جميعا الا وهي ( تهشيم العنصر الدرامي والحدث التقليدي المتنامي) والانتقال الى بناء مشهدي سرعان ما يتم تهديمه للولوج في مشهد جديد اخر بحيث يكون ارتباط المشاهد من خلال الشكل العام لتوجه العرض…مع الحفاظ على الجوانب الجمالية في بنية كل مشهد…
والجمال هنا ليس في الشكل فحسب بل وحتى في الفكرة او المضمون واعتمدوا في تلك التجارب ايضا على القدرات الابداعية للممثل وهيمنته ساعة العرض وقيادته لدفة الرؤى والافكار والمشاعر ونشرها بانسجام وتوافق في ذهن المتلقي الشغوف لعرض مسرحي يحقق كل طموحاته واماله..بل والامه ايضا استمر هذا النسق من العروض المسرحية وبلغت ذروته في اواسط التسعينات وخاصة عندما دخلت البلاد في مرحلة اقتصادية وسياسية حملت الكثير من الماسي الاجتماعية والاخلاقيه وبدأ دور الرقيب الامني الشرس يهيمن على المنجز الابداعي الفني برمته..
والمسرح بوجه خاص من هنا بدأت مرحلة الترميز والتأويل البعيد الاهداف والتهرب من الوضوح والمكاشفة بالطرح واعتماد بعض الاساليب الفنية القادره على الانفلات من ربقة ( الممنوع_ المراقب)..وهكذا بدأت ملامح الغياب لهذه العروض المسرحية ووسائلها المحرضة لذائقة التلقي وصار الحديث المرمز هو الاداة والوسيلة الناجعه لتوجيه الخطاب وعلى هذا الاساس كان تبني الخطاب البنوي هو الهاجس الذي تحرك في رؤى العرض المسرحي الحديث…رؤى جمالية تحمل افكارا متصاعدة ومتصارعه وليست احداثا متنامية تنتمي (للارسطيه) ..
وهو ما حدث في اغلب عروض الدكتور ( صلاح القصب) والتي اوغلت في التفكيك البنيوي لمتحفية المشهد ..ومتحفية الافكار…فكانت الصورة هي الفعل الاساسي القائم وما تنتجه هو الاساس لحظة العرض ..ولم يعد الزمن التقليدي هو المهم…بل صار ( الزمن الرياضي) هو المرتكز في بناء الفعل… اذا ان الشخصية تموت ثم تبعث شابة من جديد .. وتشيخ..وتعود للصبا تارة اخرى..وهو مغاير للزمن التقليدي…طفولة ثم شباب ثم شيخوخه…..الخ وفي جميع الاحوال كانت سلطة الممثل هي القوة الحاضرة ابدا في توجيه العرض/ الصورة المسرحية ..بل واصبح الحوار المكتوب استثنائي جدا في تشكيل اللوحة الصورية المسرحية..اذ كان المفهوم الحديث السائد في اغلب العروض ( ان الكلمة تموت لحظة خروجها من الفم)!! ومع الانعطافات الكثيرة في حياة المجتمع والاحداث السياسية المتكالبة والقفزة الكبيرة التي جرت على ارض الواقع ودخول مرحلة التكنولوجيا الحديثة والعوالم الرقمية وهيمنه مواقع التواصل الاجتماعي _ سلبا وايجابا_ بدأ التفكير بطرائق اخرى في المسرح بحيث تنسجم وحجم المتغيرات الحاصله…وهكذا بدأت انواع كثير من العروض المسرحية تختفي..بحجة التطور ..والتمرد..والثورة على كل ما هو تقليدي وانطلاقا من مبدأ الحرص على الموروث الابداعي المسرحي العراقي ..بدا التفكير في استعادة ما غاب من تجارب مهمة في الخطاب المسرحي واعادة انتاجه وفق التوجهات والمتغيرات المعاصره….. وهو ما استندت اليه كمخرج ومؤلف لمسرحية “كوميديا الخوف” حيث اعتمدت في تجربتي المسرحية هذه على العناصر الاتية:
1/ الغاء فكرة العرض المسرحي _ التقليدي من خلال تعميم فكرة ( التمرين للعرض المسرحي) اي ان ما يشاهد الان هو.. تمرين وليس عرض مكتمل..تمرين قابل للخطأ..او الاعادة او اعطاء الملاحظة لحظة التقديم.. وهو ما يدخل المشاهد في كسر دائم للجدار الرابع بل ويكون المتلقي جزء من العرض يتفاعل معه ويسهم في تأليفه
2/ التخلص من قيد (الزمان_ المكان) وجعل الحدث يدور في مساحة وزمن يرسمه المتلقي في عقله وضميره…
3/ صياغة مفهوم ( الكل للواحد_الواحد للكل).. حيث يكون البطل هو المجموع ..والمجموع هو البطل ..وعلى هذا الاساس تكون الهيمنة الكامله لفن الممثل ..الذي يتشكل في هيئات مختلفه . هو الجلاد والضحية ..الفرد والمجتمع..الفكرة ونقيضها…المضحك و المبكي..الفعل والقنوط وكل ذلك يحدث في جو من الفرجة المسرحية التي تساهم في صناعة متلقي (ايجابي) يساهم في صياغة الاحداث والافكار ..وليس متلقي سلبي ينفعل ويبكي ويتعاطف وصولا للتطهير
وعلى ما قد سبق ذكره..توالت تجاربنا اللاحقة في ارساء وتدعيم ما نؤمن به دائما…وهو ان التغيير السريع الحاصل في الحياة يجب ان يلقي بتأثيرات مباشرة على العرض المسرحي_ يوميا والانتظار قد يفقدنا سمة المواكبة والاستجابة والتفاعل …كما يحدث الان..في مواقع التواصل الاجتماعي
دمتم ..و دام المسرح
** طلال هادي / مخرج ومؤلف مسرحي العراق