حرّروا الكتابة المسرحية من نصّ العرض / عقيل عبدالله
لا أعرف من جاء بفكرة أن النص المسرحي لا يُقرأ، وإنه نصٌ صُنع ليُنفذ على المسرح فقط. وهي فكرة تجد أنصارًا لها في عالم الكتابة المسرحية اليوم، رغم أن روّاد الكتابة المسرحية في العالم لم يُفكّروا بمثل وجهة النظر هذه، شكسبير، تشيخوف، غوته، توفيق الحكيم… طُبعت أعمالهم ونشرت في كلّ بقاع الأرض، ويقرأها القاصي والداني.
وللأمانة، فإن متخصصين أكاديميين يتبنّون الفكرة، ويُدرّسونها للأجيال الجديدة، وهم رغم حسن نيّتهم في ذلك فإنّهم يضعون عقبةً نفسية -من حيث لا يشعرون- أمام الكتّاب الجُدد، فالكاتب سيظن أن الكتابة للمسرح دون اتفاق على عرضها عبثٌ ومضيعة للوقت، ممّا قد يُضيع فرصًا ثمينة في مجال الكتابة، لأفكار ستبقى حبيسة أدراج أصحابها، منتظرين أن يُنفذها مخرج، والاتفاق مع منتج، ليكتب.
وأظن أن أهم أسباب رواج الفكرة:
1/ إن من يُدرّس التأليف المسرحي هم المسرحيين، لا الأدباء، ولا الكتّاب المسرحيين تحديدًا، وبعضهم اختصاص بالإخراج المسرحي، ويؤثر الاندماج في تخصص المسرح للمسرحيين على فكرة وجوب العرض والتنفيذ على الخشبة، بينما يهتم الأديب والكاتب المسرحي أن يُقدّم نصًا جماليًا حكائيًا، ليقرأه القرّاء، وإن حصل على فرصة العَرض للمسرح فبها، وإلّا فإنه أغنى المكتبة الأدبية بنصّ جديد.
2/ الصنف الآخر من يربط السيناريو (الكتابة الفنية بامتياز) بالكتابة المسرحية، وهو خلطٌ غريب، فالسيناريو يجب أن يظلّ سرّا، لايعرف به أحد حتى يُعرض، لأن نشر السيناريو سيعني إفلاس الشركة المنتجة، وهو أيضًا نصٌ مليء بالإرشادات باعتبار أن السينما لاتُركز على الحوار، والمفضل فيه تقليل الحوار لأقصى حدّ ممكن، والتعبير بوجه الممثل والإشارات الذكية هو المفضل، بينما يتسيّد الكتابة للمسرح الحوار، وتُقّلل الإرشادات لأبعد حدّ ممكن. مما يسهل أن تكون نصّا مقروءً.
3/ الخلط بين نص الكاتب ونص العرض، نصّ الكاتب يهتمّ بالحكاية، ولايشير في النص للمسرح، ولكن للمكان الذي تجري فيه الأحداث (شقة، شارع، مصطبة…) ولايعتني كثيرًا بالإرشادات الفنية، مثل الإضاءة وحركة الممثل، ويختصر الضروري منها للحدث القصصي.
أما نص العرض، فهو نص فنّي، يكتبه المخرج، أو الدراماتورج، على ضوء نصّ الكاتب (يشبه الديكوباج في السينما) يُفصّل فيه حركة الممثلين والأصوات والإضاءة والديكور والأزياء… ويكتب المكان والإرشادات بالتفاصيل (عمق المسرح، يمينه، إضاءة خافتة، موسيقى…)
فكّ الامتزاج هذا، يفتح نوافذ الهواء الطلق للكاتب لينطلق في الحكاية مهتمًا بجماليتها وانسيابيتها، ويهيء المجال واسعًا للمخرج المسرحي الذي سيجد أن المؤلف لم يتعدّ على اختصاصه الفنّي، فيُبدع بطريقة العرض، ويمكن -حينئذٍ- للمشاهد ملاحظة عمليتين إبداعيتين تجريان أمام عينيه، الكتابة والإخراج.
كيف نهيئ المساحة لفكرة نصّ الكاتب
1/ المسرحيين، ويُحلّلونها أمام طلبتهم، وأن يفكّكوا المزج بين عالم الإخراج وعالم الكتابة.
2/ أن ينشروا فكرة إن نصّ الكاتب هي الفكرة الأكثر تخليدًا للكاتب وفنّه، فما يكتبه اليوم قد لايُعرض اليوم، ولكنّه سيُقرأ، وقد يُعرض لو وجد الفرصة مستقبلًا، وهي نصيحة ثمينة تلّقيتها من الكاتب المسرحي الكبير عبدالكريم العامري.
3/ أن ندعو الأدباء ولوج فن الكتابة المسرحية، وأن نكسر حاجزًا أمامهم، بأن الكتابة للمسرح تتطلّب التخصص بالمسرح. وأن مايُكتب يجب أن يُعرض.
سيربح المسرح كثيرًا لو تبنّى هذه الفكرة، خاصةً في مسرح الطفل.
أخيرًا، فإن شكسبير العظيم لازالت عروضه مستمرّة متخطية حاجز المكان والزمان، ولازالت مطبوعاته تُقرأ وتُطبع متخطية حاجز المكان والزمان أيضًا، تخيلوا فقط لو أن شكسبير استولت عليه فكرة أن النص المسرحي لايُقرأ، إنما يُعرض وينفّذ فقط، كم سيخسر المسرح في العالم كلّه!