مسرحية “باراشوك Parachock ” سبق في الطرح ومجازفة في العرض/ احمد الزائر السالمي
قدم المخرج محمد الكشو العرض الأول لمسرحيته ” باراشوك Parachock يوم 26 غشت 2022 على ركح فضاء كارمن الثقافي، هذا العمل مدعوم من وزارة الشؤون الثقافية ومن انتاج شركة ايدير برود IdirProd للمنتجة السيدة كوثر الضاوي، تمثيل كل من الممثلين سارة الحلاوي ، عزوز عزالدين بشير واسامة الحنايني. انطلق العرض المسرحي في حدود الثامنة مساء معلنا مضامين خطابه ومقاصده الفنية والجمالية. ففيما تتمثل رسائل هذا العرض؟
من هذه المنطلقات حاولت مجموعة العمل كشف مسارات حياتها وماضيها للمتلقي تمثلا لخيوط الميتوس Mythos وضمانا لتسلسلها تبليغا لخطاب العرض المثقل بقضايا الفكر والمثقفين في علاقتهم بالواقع الاجتماعي، فكان النقد والانتقاد، وحضر التشخيص والتقمص واللعب والتلاعب، وانتفت حدود الكائن. حضر الجسد والقناع وتم ولوج عوالم الممكن بوقائع تثور الواقع على الخيال. ان هذا الطرح الفني يضع العرض وجمالياته على المحك، فكيف ذلك؟ وما مبررات هذا الاعتقاد؟
الخرافة Synoposis
ينخرط الممثلون في لعب خرافة مفادها ان “ثلاثة شخوص من عالمنا الاجتماعي الراهن (سوسن وامين وكريم) يلتقون في لحظة ما، لسرد فواصل حياتهم الضائعة هنا وهناك، فسحة من امل جديد تمنح لهم ليعبروا عما لم يستطيعوا فعله، يجتمعون في عوالم يخلقونها بمساعدة المخرج لينيروا جميعا طريق احياء اخرين”.
شخصية سوسن وهي باحثة حاصلة على درجة الدكتوراه، مستقلة عن عائلتها تسعى جاهدة للمطالبة بحقها في التشغيل عبر الاحتجاج. وفي خضم ذلك تلتقي شخصية منير، هي تعشقه وتحبه، هو يماطل ويتملص من مسؤوليات الارتباط الرسمي، هي تتمسك بالجنين فيكون الانفصال والمعارضة والكارثة باستئصال الرحم، ومن ثمة بداية الانغلاق والانعزال والتفكير في النهاية. شخصية كريم: شخصية نموذجية وقياسية، ضحية اجتماعية بامتياز، ليس لها خيارات قبل أن تولد أصلا فهو من أطفال الملاجئ يعاني من التنمر، يهرب للبحث عن أسرته الحقيقية إلى أن تغلق عليه أبواب الهرب. تبتر ساقه ويتشوه. يهرب من الملجأ ليعود إلى الميتم، شخصية تحمل لعنة ملازمة ونحسا كبيرا يدفعه إلى الانزواء والعنف والقسوة على الذات، تنتهي حياته بصراع فكارثة. شخصية أمين: شخصية حالمة ومثالية غنية بفكر “فان غوغ” مهمشة مفقرة اجتماعيا، فبعد معاناة مرحلة الدراسة الجامعية وعشق ضائع ينتهي يوم التخرج من رحاب الفن والفنانين، تقرر الهجرة الحالمة “الحرقة” إلى بلاد الأنوار، تجرب عقوبة سجنية. وبسبب ذلك وأشياء أخرى يعود إلى الأسرة الرافضة لحبه للفن، فتنشأ الشفقة والخوف وينتهي الزمن الفني فاسحا المجال لزمن قياسي هو صدمة الحقيقة والسير نحو وضع اللمسات الأخيرة للنهاية الحتمية.
ينخرط الممثلون في لعب خرافة مفادها ان ” ثلاثة شخوص من عالمنا الاجتماعي الراهن (سوسن وامين وكريم) يلتقون في لحظة ما، لسرد فواصل حياتهم الضائعة هنا وهناك، فسحة من امل جديد تمنح لهم ليعبروا عما لم يستطيعوا فعله، يجتمعون في عوالم يخلقونها بمساعدة المخرج لينيروا جميعا طريق احياء اخرين”.
من هذه المنطلقات حاولت مجموعة العمل كشف مسارات حياتها وماضيها للمتلقي تمثلا لخيوط الميتوس Mythos وضمانا لتسلسلها تبليغا لخطاب العرض المثقل بقضايا الفكر والمثقفين في علاقتهم بالواقع الاجتماعي، فكان النقد والانتقاد، وحضر التشخيص والتقمص واللعب والتلاعب، وانتفت حدود الكائن. حضر الجسد والقناع وتم ولوج عوالم الممكن بوقائع تثور الواقع على الخيال.ان هذا الطرح الفني يضع العرض وجمالياته على المحك، فكيف ذلك؟ وما مبررات هذا الاعتقاد؟
يرى “كالديرون ديلا باركا” ان الحياة حلم live is a dream هذه الفكرة الاصيلة تحول اهتمامنا كمتلقين نحو عوالم المتخيل المسرحي وامكانيات الاستثمار الجيد للإرث والصنعة المسرحية، مما يدفعنا للتساؤل عن السبق في المعالجة والطرح الدرامي. الذي يعيد للأذهان فكرة التمثيل داخل التمثيل واللعب داخل اللعب انه الميتامسرح بامتياز، الذي خول للمخرج ان يصنع تجويفا/ تقعيرا mise en abyme من خلاله يتم استعادة واحياء صور فئاته الاجتماعية المختارة وهم:
شخصية سوسن وهي باحثة حاصلة على درجة الدكتوراه، مستقلة عن عائلتها تسعى جاهدة للمطالبة بحقها في التشغيل عبر الاحتجاج. وفي خضم ذلك تلتقي شخصية منير، هي تعشقه وتحبه، هو يماطل ويتملص من مسؤوليات الارتباط الرسمي، هي تتمسك بالجنين فيكون الانفصال والمعارضة والكارثة باستئصال الرحم، ومن ثمة بداية الانغلاق والانعزال والتفكير في النهاية. شخصية كريم: شخصية نموذجية وقياسية، ضحية اجتماعية بامتياز، ليس لها خيارات قبل أن تولد أصلا فهو من أطفال الملاجئ يعاني من التنمر، يهرب للبحث عن أسرته الحقيقية إلى أن تغلق عليه أبواب الهرب. تبتر ساقه ويتشوه. يهرب من الملجأ ليعود إلى الميتم، شخصية تحمل لعنة ملازمة ونحسا كبيرا يدفعه إلى الانزواء والعنف والقسوة على الذات، تنتهي حياته بصراع فكارثة. شخصية أمين: شخصية حالمة ومثالية غنية بفكر “فان غوغ” مهمشة مفقرة اجتماعيا، فبعد معاناة مرحلة الدراسة الجامعية وعشق ضائع ينتهي يوم التخرج من رحاب الفن والفنانين، تقرر الهجرة الحالمة “الحرقة” إلى بلاد الأنوار، تجرب عقوبة سجنية. وبسبب ذلك وأشياء أخرى يعود إلى الأسرة الرافضة لحبه للفن، فتنشأ الشفقة والخوف وينتهي الزمن الفني فاسحا المجال لزمن قياسي هو صدمة الحقيقة والسير نحو وضع اللمسات الأخيرة للنهاية الحتمية. كل هذه النماذج اللاعبة يتم مسرحة حياتها لتصبح فئات وطبائع يتفرج الممثلون كما الجمهور عليها بحثا لها عن تمثل او تجسد، اهي تحيا في الواقع ام هي داخل الخيال والحلم. ان ذا الطرح الذي تم التعبير عنه جماليا عبر تقنية المابينغ Mapping يخلق فضاء افتراضيا ثالثا يضعنا كمتلقين لمسار العرض امام فكرة الحلم سيما وان الفضاء يتحول ليحاكي عوالم متخيلة وغامضة وافتراضية، انها فضاءات رقمية محدثة تظهر ذلك التجويف المنطلق وتحيل على خبرة المخرج وتقيده بالأعراف المسرحية فلا نحن نتماهى أرسطيا ولا نحن مغربون نحن نحيا حلم الشخوص والفئات اللاعبة في اطار من التماسف الاختياري ، الواعي والارادي فشخوص محمد الكشو تحيا هناك بعيدا في علم الما ورائي ونحن نحضر احيائية حضورها الركحي عن قناعة اننا لا نحلم بتجريدية معاناتها ونحن وراء ستار عازل يمنع غرور الاكتشاف فينا من ملامستها لنتعرف جلدتها اهي شخوص أم أحداث بشر بعثت من جديد. لذى نشاهد ونتابع الشخصيات تتحرك في فضاءات افتراضية أنشأتها بأجسادها واعطتها حياة واحاسيس وعواطف تليق بعالم “الماورائيات”،لتأسرنا بسحرها بعد مماته، انها فرصة ممكنة تعطى لحياة جديدة بعد الموت، لكنها ليست بعثا او وحيا يوحى، انها محاكاة ورؤية جديدة بلا إيلام ولا ضرر، فيها فعل تام، مزينة بفئات من التزيين، لا تثير الشفقة ولا الخوف بقدر ما تدفع، للشك والحيرة والغموض والتفكير في إمكانية أن يكون المتفرج قد حضر عرضا او حفل تأبين لأموات يتكلمون ويلعبون بالأفعال ولا دخل للسرد في زمنهم وما ان كانوا قد تطهروا ام لا؟ أسئلة ميتافيزيقية تندفع وتدفع للتساؤلالمستمر حول إمكانيات تحول الحياة الى ركح كبير live is a big stage على حد تعبير “ويليام شكسبير”.
ان قيام فكرة المسرحة والتمسرح تجعل الطرح الفني الذي ينتهجه مخرج العمل محمد الكشو منوطا بالمجازفة لإعتبارات كثيرة لعل أهمها الموضوع الفني” الفئوية والعزلة” وميكانيزمات معالحتها دراميا. فالمخرج يختار مسرحة مسارفئات محددة بعد مماتها، أي هناك في عالم المابعد المبهم والمثقل بالدلالات، الغني بالالغاز والابهام.حيث من الممكن ان يفهم الطرح الجمالي على انه خوض في المحرم … سقوط واسفاف في أسئلة الطابوtabous التي تسكن كل كائن حي عن جدلية العلاقة بين الحياة والموت، عن خبايا النفس والروح ، والمقدس والمدنس ، طرح مجازف بماضيه وخصوصياته الجمالية ومسارات اخراجية متشعبة لمسرحة “الانتحار”، او ربما إحياء لموت الأحياء من وراء ستارة العزل والفئوية المقيتة، كشف وطرح يستفز المتلقي ليتعرف كينونته وجوهر وجوده في هذا المسرح الكبير الملخص لرحلة حياة تنتهي بحياة وتبدأ بموت،أوهيا هكذا تتبدى لنا في سياق تلازم جدلي لايخرج عن اطار السبق والمجازفة،حينها ننتهي دائما للتفكير والشك والحيرة المستمرة ونقتاد إقتيادا وإعتباريا نحو قول شكسبيري وجودي ختامي مفاده”نموت .. ننام وما من شيءبعد انقول بهذه النومة ننهي الاف الاوجاع ولوعة القلب الكسير… لذلك نكون او لا نكون ذلك هو السؤال.
ملخص العمل
إن تيمة الانعزال / الانزواء تبدو جلية في مسرحية براشوك فالشخصيات اللاعبة راغبة في التواصل رغم أنها تعاني من متلازمة حضور وغياب الآخر، وهذا حقق مبدأ ثالثا هو المشروعية أو القيد، فالعزلة كموضوع بدت قسرية غير اختيارية يفرضها واقع الشخصيات الحالمة الطامحة بعالم مثالي قادرة فيه على التحقق، ومن ثنائية الحضور والغياب ينكشف لنا الوضع المتلبس الممتزج بكل ما هو نفسي واجتماعي، فتتحقق الصدمة كفعل تطهير يعري حقيقة الآخر باعتباره مكونا تواصليا أساسيا، وغيابه يجعل العودة إلى العزلة حتميا بالنسبة للشخصيات المسرحية. فتلتبس صراعاتها وتشعر بالخطر، لأن غياب الآخر يشعر الباث أنه بلا هوية بلا مشترك، كائن يحيا داخل أطر فكرية ضيقة. تحول المرسل في حد ذاته إلى مؤسس لفئوية جديدة مثقلة بأحكام انطباعية وذاتية عن الآخر والواقع والوجود، وتعطي مجالا لإنبثاق مرحلة العقم والأنانية والبراغماتية، وكأننا في حضرة أشخاص يفعلون ويتفاعلون مع ذواتهم لأن مصالحهم تقتضي اجتماعيا حوار أو مونولوج فردي من خلاله يتم التعبير عن الرغبة والفعل عن الأمل والكارثة عن الحقيقة والخيال بمنظاره هو لا بمنظار الجماعة. وبالعودة إلى الشخصيات المسرحية اللاعبة في عرض مسرحية “براشوك”، يختار المخرج فئات اجتماعية بسيطة، متنوعة وحقيقية مستوحاة من صلب الواقع الاجتماعي التونسي، لها روابطها تحب، تعشق، تكره، تفعل، تبحث وتعاني.
فريق العمل
إدارة وإنتاج: كوثر الضاوي
مساعد مخرج: سارة الحلاوي
تمــثيـــل: أسامة الحنايني، سارة الحلاوي، عزوز عز الدين بشير
نص: هيفاء بولكباش
سينوغرافيا وإخراج : محمد الكشو
توضيب عام : نجوى الهداوي
أقنعة: وليد وسيعي
فيديوغرافيا : نور الجلولي
أنفوغرافيا: فارس النفزي
ملابس وإكسسوار: خديجة بولكباش
توظيب تقني: منير غرس الله، عزالدين بشير، ياسين قم
** احمد الزائر السالمي / ناقد باحث تونسي في الدراسات المسرحية المعاصرة