الهيئة العربية للمسرح مهرجانات وملتقيات ولجان تحكيم..حيادية في الاختيار أم قصدية في التعاطي مع المحتوى الفكري؟ (ج4)/د. عواطف نعيم
مما لاشك فيه أن البلدان العربية التي تسعى للمشاركة والتواجد في فعاليات الهيئة العربية للمسرح لا يضع أغلب العاملين فيها شروطا مسبقة أو متصورة حين التقديم لغرض المشاركة داخل المسابقة الرسمية أو العروض الموازية لها بل هم يعتمدون ما عملوا عليه وتناغموا معه من طرق وأساليب وأفكار غذوا بها عروضهم المسرحية التي أشتغلوا عليها وتمثلت رؤاهم وتصوراتهم كما حملت تمردهم واحتجاجاتهم بوصف تلك العروض جاءت تعبيرا عن واقع معاش وحياة إنسانية متفاعلة مع ما يدور حولها من ارادات وتوجهات وطموحات. ولا يمكن أن يخلو عرض مسرحي من رسالة وهدف يتجلى ويتموضع داخل مفاصل العرض وتحولاته،
لذا تعمد الهيئة للركون في تلك الاختيارات الى تكليف لجان متخصصة لتقييم تلك العروض المسرحية المطروحة للمشاركة تجنبا لأي إحراج وتحسبا لأي تجاوز لا يتلاءم وتوجهات الهيئة العربية للمسرح في الاهداف والمبادئ التي أنطلقت من أجل تكريسها في الحراك المسرحي العربي الذي تسعى من أجله وتهدف الى تثبيته، لذا تأتي العروض المشاركة في أغلب المهرجانات متقاربة أن لم تكن متشابهة في طروحاتها فهي تسير قرب الساحل وبعيدا عن عواصف التمرد أو الاحتجاج كي لا يكون لوجودها ردة فعل لا تتناسب وما تسعى اليه الهيئة في وجود عروض مقبولة يغلب فيها الشكل المألوف على الشكل والمضمون الحداثوي والمغاير والذي يصل أحيانا حد الاحتجاج الصاخب مع أن اغلب العروض المسرحية العربية تأتي من بلدان تكون فيها المتغيرات الانسانية والتقلبات السياسية خطيرة وحارقة ولابد وأن ينعكس ذلك على حياة المسرحي المكتوي بنار المتغيرات. فيتمثله في ما يقدم من أفكار ويشتغل عليه من رؤى !
وللهيئة كتاب ومتابعين ومنحازين ولها أيضا مواقعها التي تبث من خلالها أخبار نجاحاتها وانتشار وتشعب علاقاتها مع بلدان عربية محددة يكثر فيها وجود الهيئة دون غيرها من بلدان عربية التي لا تعيرها الهيئة ذات الاهتمام أو الرعاية التي تمنحها للبلدان صاحبة الحظوة لديها. وكذلك لاسماء مسرحية بعينها دون غيرها ولمن يسأل من أولئك فعليه أن يراجع اصدارات مهرجانات الهيئة وملتقياتها ، والهيئة تنتقي بعض الاسماء اللامعة لتكون لها صوتا وقلما مبشرا بها وبإنجازاتها وهم يشكلون الجيش الالكتروني الذي تعتمده وتنميه وبعضهم أسماء معروفة تعمل خارج هيكلية الهيئة مع أن للهيئة وفي كوادرها التي أنضمت اليها أسماء لها مكانتها ولها مصداقيتها حين التعامل معها مثل الاعلامي والناقد المغربي عبد الجبار خمران والذي أنضم اليها في العام 2019 بصفة مسؤل للاعلام والتواصل وقد عرفناه وتابعنا نتاجاته المهنية والجادة قبل أن ينتمي للهيئة، ولكنها أي الهيئة تحتاج الى أصوات وأقلام أخرى قادرة على تقديم ما يطرب وما يلّمع وما يعملق فعلها وصورتها،
وللهيئة أن تقيم مهرجانها السنوي في بلد عربي محدد وتدعو للمشاركة بهذا المهرجان الراغبين والمهتمين بالمشاركة والحضور بعد أن تكون قد مرت بفترة من اللقاءات وعقد البروتوكولات مع وزارات البلدان التي وقع عليها الاختيار،إذ لابد من أن تكون هناك أتفاقات تعقد ما بين إدارة الهيئة ووزارة الثقافة في ذلك البلد لوضع أسس للتعاون والعمل تتيح للمهرجان المقام الحرية في التنظيم والاستقبال والترتيب للوفود المشاركة وكذلك للجهات التي يتم التعاقد معها لتوفير الدعم اللوجستي والصحي والامني الذي يضمن نجاح التجربة الفنية والثقافية التي يسعى المهرجان الى تكريسها، طبعا هذا يسري على البلدان العربية التي تعتبرها الهيئة قادرة ومكتملة لاحتواء مهرجاناتها وملتقياتها أما البلدان التي تعدها الهيئة وحسب لوائحها وبنودها فقيرة ومبتدئة وتكاد تخلو مرافقها من وجود مسارح فيهان فإنها تعمل على توفير الدعم لها لأقامة مهرجانات مسرحية محلية تعريفا لمجتمعها بالمسرح وتعزيزا لوجوده فيها ،
طيلة فترة وجود الهيئة العربيىة للمسرح لم تسعى ضمن خططها وملتقياتها الى عمل استبيان تتعرف من خلاله على ما حققته من خطوات إيجابية على أرض الواقع العربي وليس على أرض الكتابة الاستعراضية والمتملقة والمزيفة على وفق المنافع والمصالح، لم تعمد الهيئة الى أقامة مهرجانات تعنى بالطفل العربي أو توفد عددا من المسرحيين الشباب الذين تثق في مواهبهم وتزجهم في ورش ودورات تدريبية خارج بلدانهم من خلال أستقدام خبراء ومختصين يشرفون على تلك الورش والدورات، لم تدعم الهيئة مشاريع فنية في بلدان عربية ولفنانين مزكاة مواهبهم وتعمل على استضافة تلك المشاريع في أحد المهرجانات التي تقيمها وهذه التوجهات هي جزء من مهمات الهيئة وأهدافها،
الهيئة وخلال فترة بقائها وعملها ثابتة دونما تغيير ظلت تدور داخل حلقاتها المعتادة وقد كان الاجدى أن يكون هناك تغيير في هيكلها الاداري بعد مرور العشر سنوات الاولى من وجودها أن لم يكن التغيير مطلوبا بعد الثماني سنوات الاولى، فحتى الهيئة العالمية للمسرح كانت تجري تغييرا في كوادرها العاملة كي تضفي دما جديدا وأفكارا مبتكرة على عملها لأن الثبات يقود الى القناعة والرضا بما ينتج وبالتالي يقود الى الرتابة والأعتياد وأيضا كي لا تتحول الهيئة الى استثمار خاص يمنح القائمين عليها سلطة مطلقة ليس في فرض الشروط المتعلقة بالمهرجان الخاص بالهيئة بل بفرض الشروط حتى على المهرجانات العربية الاخرى التي تتلقى الدعم من الهيئة !
الكتابة عن الهيئة مسؤولية كل مسرحي عربي يأمل أن يحظى مشروعه بالحياة المعافاة ويطمح أن يكون المسرح العربي ولودا ومتجددا مبتكرا ومواجها وليس تابعا أو مستنسخا عليه أن يسأل عن جدوى ما قدمته الهيئة وعن أفاق عملها المستقبلي والمطلوب منها ما دامت تسير على ذات الخطوات المتوقعة والمكررة في دوائر مغلقة ، لأن الهيئة باتت تقضم بقصد أو بغفلة أغلب ما جاء في كتيب مطبوعها المتضمن أهدافها وبنودها وشروطها ، صعب جدا أن يرتبط الكيان الثقافي والفني بالشخصي فيطغى الشخصي ويضيع الكيان ، هي دعوة للقائمين على أمور الهيئة لإعادة النظر والتمحيص فيما أنجز والتحرك لتلافي ما فات وما أغفل وما تعثر من مشاريع وخطط و مقترحات وتوصيات ، يبقى المسرح عالم من السحر والبحث والاكتشاف لا يخضع ولا يقمع لأنه ينضج ويرتوي ويزهر بالفكر الحر والرؤى الانسانية الخلاقة …
** د. عواطف نعيم / كاتبة ومخرجة مسرحية