نص مسرحي : ” جنيات الكتب” / تأليف: عقيل عبدالله

مسرحية للفتيان

 

شكرٌ مستحَق

هذا النص أحد نتاجات ورشة التأليف كاتب لمسرح الطفل التي أشرفت عليها العتبة الحسينية المقدسة خريف 2019، وحاضر فيها أساتذة كرام من أعلام المسرح في العراق، أخص منهم بالذكر: الدكتور حسين علي الهارف، الدكتور حبيب ظاهر، وبعطاءٍ غير مقطوع من الاستاذ محمد الحسناوي المشرف على المشروع، ولا أنسى أصدقائي من طلاب الورشة.

شكرٌ وإمتنانٌ من القلبِ الى القلب لجهودهم الطيبة وعطائهم الثرّ.. /عقيل عبدالله

 

الشخصيات: حسب الظهور

*الراوي : صوتٌ خارجي.

*شديد : فتىً قوي في العشرين من عمره يمتهن الحدادة.

*حسن : فتىً بنفس عمر شديد يعمل خياطًا.

*ضياء الدين : عامل بناء، صديق شديد وحسن، وبنفس عمريهما.

*السيد طبال : طبال الملك، ابلهٌ ومتعجرف، بملابس مبهرجة .

*الجنيات : صوت خارجي لثلاثِ نساءٍ متقدماتٍ في العمر وحكيمات.

*مجموعة فتيان : حاشية الملك، يتبعون الطبال، بملامح منهكة وثياب رثة.

*السياف : ضخم بزي الجلادين.

*الملك : بدين، بأزياء فاخرة، متعجرف.

 

المشهد الأول

(اظلامٌ تام، من المفضل ان يُعرض متزامنًا مع كلام الراوي مقطع فيديو على شاشة المسرح يوضحُ حكاية الراوي)

الراوي: هذه حكايةٌ عن مدينةٍ تحمل إسمين، كان إسمها في السابق، ثغرُ الأنهار، يلتقي بين جنباتها نهرين رقراقين جميلين، على ضفتيهما انتشر اللون الأخضر بكلِّ ما فيه من دفق الحياة، الأطفال فيها بقمة السعادة، والآباء والأمهات بموفور الصحة، والعجائز يروون حكايات عن مستقبلٍ بهيٍ، ولكن، ولكن .. للأسف هذه المدينة اليوم لا تدعى ثغر الانهار، بعد ان استولى عليها ملك بغيض، لا يحب الحياة، ويختطف الأحلام، والأهم، يكره كل شيءٍ يتعلق بالكتب، او الدفاتر، و حتى الأقلام؛ من يملك كتابًا سيتجرأ يومًا ويحاسب الملك، لذا؛ من يظفر به حاشية الملك يقتني كتابًا او يكتب في دفتر او ممسكًا قلمًا، فإنه يحاكم بجريمة الخيانة العظمى، وعقوبته ان يُرسل الى سياف الدولة، او يُنفى الى حيث مغارة الجنيات. هذه قصة المدينة التي تسمى اليوم المدينة الرمادية، مدينة بلا ألوانٍ ولا أحلام.

(تُفتح الإضاءة، في عمق المسرح دكانة الحداد جنبًا إلى جنب مع دكانة الخياط مبنيةٍ بشكل فوضوي بغير هندسة وخلفية المنظر بيوت المدينة المتهالكة تحيط قصر الملك الفخم، مع جبالٍ تحيط بالمدينة. يظهر شديد وحسن منهمكين في عمليهما. شديد، حدادٌ عشريني العمر، يرتدي زي الحدادة منشغل بالطرق على فأس ثلاثية الرأس، و يجلس حسن -خياطٌ عشريني العمر- إلى ماكينة الخياطة منشغل بخياطة ثوب، صوتٌ منغم لضرب الحداد بمطرقته يتخلله صوت ماكينة الخياطة، ألوان الأزياء والأمكنة في المدينة رمادية إشارة إلى انطفاء الألوان)

الحداد: (بإنشادٍ اوبرالي) لا جديد لاجديد لاجديد..كلَّ يوم نفس قطعة الحديد

الخياط: (ينشر الثوب أمام الجمهور ويظهر ان ذيله بثلاثة ألوان، ينشد)هذا الثوب قصصتهُ، والبارحة طولته، وقبلها قصصته، وغدًا اطوله، اوووه مللت مللت مللت…نفسي ان اخيط بذلةً لطفل، حين يقبل العيد.

الحداد: (يطرق بقوة ويصرخ -مستمرًا بالانشاد- حتى يفزَّ الخياط من صوته)لاجديد لاجديد لاجديد

(يترك الخياط ماكينته ويراقب مشهد الحداد القادم دون ان ينتبه الحداد لوجوده)

الحداد: (بحركةٍ عسكرية) تعال ياشديد، رُح ياشديد..لبِّ نداء السياف العنيد (يقعد على كرسيٍ قريب ويقلد السياف بصوت أغن ساخرًا بعد ان يرمي مسكوكة نقدية على الارض) خذ دينارًا لا مباركًا لك فيه، اريدُ حدَّ هذا الفأس يلمع، فغدًا (بغنائية، يقاطعه الحداد – بصوته) لدينا صيدٌ جديد.

(بصوت السياف): اي نعم نعم، لدينا صيدٌ جديد، كلَّ يومٍ صيدٌ جديد.

شديد: (ينحني محاكيًا موقفه امام السياف وينشد) بعد عمر قصير لنا سيدي وعمرك المديد، بعد عمر قصير لنا سيدي وعمر (ويرجع القهقرى حتى يصدم طاولة الخياط التي تحمل إبرة خياطة موضوعة مع أدوات الخياطة بأحجامٍ كبيرة)

الحداد: (صارخًا) آآآي ..

الخياط : هل انتهيت؟

الحداد: اغرب عن وجهي يا وجه الشوم.

الخياط: (يقهقه) إنما اتخيلك بعد ثلاثين سنة ( يتجه نحو دكانته ويستعمل منها قماشًا ابيضًا كلحيةٍ محاكيًا رجلًا عجوزًا وأحدب)

الحداد: من هذا يا احمق؟

الخياط : (مستمرًا بمحاكاة العجوز الاحدب ومغيرًا صوته لصوت رجل عجوز) الم تعرفني؟ يا ناكر العشرة، انكرت الملح والزاد بهذه السرعة؟ انا جارك في الدكانة لثلاثين سنة (يمسك مطرقة الحداد بتثاقل ويضرب الحديد ببطء ويعيد كلام الحداد السابق ولكن ببطء العجائز) تعال يا شديد، رُح يا شديد، لبِّ نداء السياف (يرمي اللحية ويقف) ستكون حينها قضيت عليّ وعلى ابويّ وعلى نصف اهل المدينة.

الحداد: (مصطنعا البكاء) سأبكي عليك ثلاث ساعات حينها، ثلاث ساعات بطوالها.

الخياط: (عابسًا وبلكنةٍ جادة) هذا حالنا لن يتغير، ولو بعد مائة سنة، انت تساعد السياف في جرائمه بحق اهلنا، تُلمع فأسه كل يوم بإنتظار فريسةٍ اخرى، وانا اُرقع الاثواب، اطيل واقصر ولا اصنع لهم جديدا، الامراض تفتك بنا، والجوع، آهٍ من الجوع، وليس فينا من يهمه امرهم، الم يحن الوقت لنغير الحال يا شديد؟

شديد: (صارخا بدهشة) يععععع .. كلام اكبر من رأسك (يعيد كلام الخياط باستهزاء) الم يحن الوقت لنغير الحال يا شديد.

الخياط: عندي لك مفاجأة (ويتجه نحو دكانته مبعثرًا اغراضه باحثًا عن شيء ما بينما الحداد من خلفه يترقب و قطع القماش تتناثر فوق رأسه).

الحداد: لا تقل انك حصلت على فخذ دجاج (يستمر الخياط بالبحث ويستمر الحداد) لحم؟ اي والله لحم. لازال طعم اللحم ليلة عرس الملك في فمي.

الخياط: (لازال منشغلًا بالبحث) كان هذا قبل عشرة سنوات يا شديد.

(يظهر الخياط وقد انتشرت الشرائط الملونة من بقايا قطع القماش على أنحاء جسمه وقد امسك كتابًا ما، حين يراه الحداد يفزع ويصرخ ويجول في المسرح هارباً)

الحداد: ارمه يا حسن، ارمه واستعذ من الشيطان، ارمه يا صديقي، ماذا دهاك اليوم يا صديقي وجاري، ارجع لعقلك.

الخياط: (متجهًا لشديد بينما شديد يفر منه) عقلي، هذا عقلي (ويرفع الكتاب عاليا) هذا عقلي الذي سرقهُ مني الملك.

الحداد: (يصفق بيديه) لا حول بالله، جُن الولد، اصابتك عين يا ولد (يرش ماءًا على وجه حسن كأنه يرقيه) عين الحارة باردة، عين الحارة باردة.

الخياط: (بجد) شديد، يد واحدة لن تصفق، (رافعًا الكتاب بيديه) هنا خلاصنا، هنا خلاصنا.

الحداد: من ملأ رأسك بهذا الهراء؟

الخياط: جدتي، قبل ان تفقد ذاكرتها طبعا.

الحداد: جدتك التي تظنني جدها، يا للمسكينة.

الخياط: جدتي تحكي اشياءً عن تاريخ قديم، كانت فيه المدينة تمتلأ بمكانات تدعى مدارس، واخرى اسمها مكتبات، يتخرج منها اطباء ومهندسين وعلماء رياضيات.

الحداد: اساطير يا ولد، اساطير، وربما اخبرَتك ان هذه المدينة كانت ملونة، والاطفال والناس فيها يحلمون، وبصحة وافرة.

الخياط: نعم، نعم، حتى اتى عهد الملك زلزال.

(صوت خارجي لضربات طبل يهتز بالتناغم معها حسن وشديد)

الحداد: اذكر البوم يأتيك المشؤوم.

(يتذكران الكتاب فيركضان معًا في كل الزوايا يبحثان عن مكانٍ ليخبئان الكتاب ولا يجدان؛ فيقترح الخياط -بلغة الإشارة- ان يلف القماش على رأس الحداد مخبيًا تحته الكتاب ثم يتكئان على جدران دكانيهما ويراقبان الأحداث، يدخل طبال الملك بزيٍ مبهرج يضرب على الطبل مقتادًا فتىً بغطاء على رأسه و مكبلاً بحبل إلى خصر الطبال يتبعهما مجموعة فتيان بملابس رثة)

السيد طبال: (بإنشاد) إعلانٌ إعلان. إعلانٌ و بيان،اسمعوا هذا المقال، من مليكي عظيم ملوك الشرق زلزال

(المجموعة تثرثر حول مشهد الطبال)

الطبال: (صارخًا فيهم) هشششش، سكوووووت (باعتداد وهو يعدل من ياقته) الكل يسكت حين يتكلم الطبال. لكم الحق في ان ترتجفوا، ترتعبوا لكن الكلام محال، والذي يجرؤ، فليتجرأ، سنقتاده الى حضرة السياف في الحال .. فهمتم يا… (مستهزئا) يا خدام سيدي الملك، يا عبيد سيدي الملك. (ويشير الفتيان برؤوسهم علامة الموافقة، يحاول فتى ١ الكلام لكن الباقين يضعون اكفهم على فمه) اشششش ..

(يكرر الفتى محاولة الكلام ويكرر الباقين نفس الفعل لكنه في المحاولة الثالثة يفلت من اكفهم و يظهر انه يريد ان يعطس فيعطس وينثر رذاذ فمه على الطبال المشغول بفض ورقة البيان المنسدلة بطول غير عادي، الطبال يمسح رذاذ العطاس من وجهه)

فتى 2: امطرت يا سيدي الطبال.

( ويشير الطبال – ببلاهة -برأسه علامة الموافقة)

فتى 3 لفتى 2 : تمطر في تموز ؟

الفتى 1: (واضعًا كفه على فم الفتى 3) : اشششش..

الطبال: (يكمل) اعلان اعلان (كأنه يسأل الحاضرين) ممن؟ (يجيب نفسه بتعالٍ) من سيدي السلطان.  يا عبيد سيدي الملك اسمعوا وعوا، لقد تجاوز هذا الفتى كل الحدود (يومئ للفتى المكبل الى خصره ويكرر للتأكيد ) كللللل الحدود، وامسكناه يا سادتي بالجرم المشهود، لقد تجرأ ان يسأل الوزير، اي والله الوزير بشحمه ولحمه، عن اجر عمله وقال اريد اجرتي ثلاثة دنانير ..

المجموعة: (تصدر اصواتًا تدل على دهشتها) هييييي.

الطبال(يتجه للفتى المكبل بالكلام) من علمك العدّ يا ولد، ها؟ طبعًا لا تستطيع الكلام يا ابن الجنية، وهل لك عين (يقرأ من الورقة امامه) انت متهمٌ بالخيانة العظمى، متهمٌ انك تعرف الرياضيات.

المجموعة: (تُصدر اصواتًا تدل على دهشتها) هييييي.

(ينزع الطبال غطاء رأس الفتى فيظهر انهم قد وضعوا لاصقًا على فمه ويهمهم الفتى محاولًا الكلام – الفتى عشريني بملابس العمل – لكن الطبال وجوقته يدورون حوله مرددين)

الطبال والجوقة: انت متهمٌ بالخيانة العظمى، متهمٌ انك تعرف الرياضيات.

 (يبدو الحداد والخياط مندهشين بعد ان تعرفا على الفتى)

الحداد: (جانبًا، محاورًا الخياط) ضياء الدين، انه ضياء الدين.

الخياط: الم اقل لك اننا سنكون القادمَين، اليوم ضياء الدين وغدًا انا، وبعدها انت.

الحداد: الحيلة، ما الحيلة؟ (يصفق بيديه) قلت له الف مرة اترك الحساب وسوالف الحساب..

الخياط: سينفى الى مدينة الجنيات.

الحداد: سيسرقن عيونه واذنيه، سيحولنه الى جني، وسيكون خادمًا لهن طوال حياته، سيسمع ما يردنه ان يسمع، ويرينه ما يردن ان يرى. الحداد: هذا اذا افلت طبعًا من قبضة السياف.

الخياط: (بعزم) نخلصه.

الحداد: (باللهجة الدارجة) رجع لخبالاته، لا حول بالله (ويصفق بيديه)

الخياط: اترك الامر لي، فقط تفرج وساعدني حين احتاج المساعدة.

الخياط: (متوجهًا للطبال) يا طبال، يا طبال (يخرج الحداد من المسرح وينظر اليه الخياط وهو يغادر) ايها الجبان

الطبال: (يظن ان الكلام موجه اليه.. باللهجة الدارجة) شنو منو شنو؟ ماذا قلت تعال هنا؟

الخياط: (بلهجة خطابية) يا بطل الابطال، ونقي المقال، هل قلت لك سابقًا انك اوسمُ من يعزف على طبل، وانك اجمل من لفوا حول خصره حبل..

الطبال: (فرِحًا ولكن بملامح متغطرسه) شكرًا شكرًا، تأكد انك لن تموت قبل سماع هذا الطبل يملأ اذنيك.

الخياط: اما تعبت من جر هذا المجرم الوضيع والدوران به في الحواري والطرقات (ينظر اليه صديقه ضياء الدين بدهشة واستفهام) .

الطبال: (بعجرفة) لا اتعب من تنفيذ اوامر الملك.

الخياط: جعت؟ ها؟ها ؟ جعت؟

الطبال: (بتردد) ها. ها. اي اي جعت .. (ثم بحزم) لكني لا آكل وانا انفذ اوامر سيدي الملك .

الخياط: (مناجيًا نفسه) كيف الحيلة اليك يا كلب الملك الوفي؟

الحداد: (يدخل المسرح سريعًا وهو يدفع عربة مأكولات، ويصرخ في السوق) شواء، شواااااء مجاني، لدينا شواء للجميع، اطلب ما تشتهي نفسك، (بالدارجة) تكه، كباب، كبااااب يا ولد، لحك يا ولد

(مجموعة الفتيان تتردد في البداية ثم تركض باتجاه العربة، الحداد ينفخ في النار والدخان يتصاعد والشواء يقدم للفتيان الذين يتزاحمون على العربة بصورة كوميدية)

الخياط: (جانبًا، يحاور الحداد وهو سعيدٌ بعودته) مبارك مبارك، متى صرت بياع شواء يا ولد؟

الحداد: منذ ان حظي الاسود عرفني بك يا وجه الشوم، لقد اجّرت العربة بعشرين دينارًا، (يتباكى) تحويشة العمر طارت (ثم بجد بينما الطبال ينظر نحو الاكل ويتحسر ويذهب يمينًا ويسارًا) ما بال الطبال لا يتقدم؟ دنيء النفس هذا.

الخياط: يقول انها اوامر الملك. لابد ان ينفذ اوامر الملك.

الحداد: بدل ثوبه مجانًا.

الخياط :(وكأنه لم يفهم) نعم؟

الحداد: امنحه ثوبًا مجانًا، هيا، ماذا تنتظر؟

(وبعد لحظات يركض الخياط نحو دكانته ويبحث في اغراضه ولايجد الا الثوب بالألوان الثلاثة ويرفعه ليراه الحداد والجمهور ويومئ للحداد انه لا يملك الا هذا ويومئ له الحداد بالموافقة)

الخياط : (يركض تجاه الطبال) ثوب جديد لسيدي الطبال، ثوب جديد لا يليق الا ببطل الأبطال.

الطبال: ما بالكم اليوم يا قوم؟! لم اعهدكم كرماء من قبل.

الخياط: نجّا الله صديقي الحداد من كارثة كبرى كان راح فيها، لولا رحمة ربك.انظر لرأسه (رأس الحداد ملفوف بالأبيض وتحته الكتاب)

الطبال: ليس هنالك من دماء على رأسه.

الخياط: دمه ابيض يا سيادة الطبال، كما تعلم، لم نأكل اللحم منذ سنين.

الطبال : (ببلاهة) اها، اها .. المهم اننا في رعاية الملك، اللحم ليس مهمًا.

الخياط: هيا اخلع يا سيادة الطبال.

الطبال: ماذا؟! استحي ياولد.

الخياط: (ينشر الثوب امامه) ثوبٌ جديد، ثوب جديد، لا يفوتك الكباب والثياب، اظفر بواحدة منهما على الأقل..

(يفرد الطبال يديه بينما ينزع الخياط عنه ثوبه القديم بصورة كوميدية، يشم ثوبه القديم وتملأ انفه رائحة النتانة فيشمئز، ويُلبسه الثوب الجديد الذي يكون قصيرًا ومضحكًا عليه)

الطبال: (متفحصًا الثوب) لا لا .. ليس جميلا.

الخياط: ما اليقه بك، اين كنت تخبي عنا هذا الجمال وهذه الأناقه .. ان لم تصدقني اسأل ابناء جيراننا من المدينة المجاورة (ويتوجه للجمهور بالسؤال) اليس جميلًا؟؟ (ينتظر تفاعل الجمهور) ها قد سمعت ..

الطبال :(متوجهًا للجمهور) شكرًا شكرًا، (بالدارجة) يوم الي اطبل عليكم ان شاء الله.

الخياط🙁 وهو يرتب الثوب على الطبال) يحتاج تعديلٌ هنا وتعديلٌ هنا ( وينشغل بفتح الحبل من على خصر الطبال بينما يفرد يديه للأعلى وينجح بفتح الحبل عن خصر الطبال  وبمجرد فتحه تتناثر اوراقٌ من كتب من اعلى المسرح)

الطبال: (صارخًا) هجوم .. هجوم .. بدأت الجنيات بالهجوم، اغلقوا عيونكم .. اغلقو آذانكم .. ستُسرق آذانكم .. وتؤكل عيونكم

(تنطلق صفارات الانذار والاضاءة تومض وتختفي تزامنًا مع صفارات الإنذار، يعم الهرج والمرج ويختفي الحداد والخياط وعامل البناء، وتسدل الستارة).

 

المشهــــد الثانـــي

(إظلامٌ على المسرح) 

الراوي:(صوت خارجي) اصدقائي الأحبة، بدأ المدينة لغطٌ كبير، فقد انتشر خبر اختفاء شديد الحداد وصديقيه الخياط حسن وضياء الدين عامل البناء، واقتيد الطبال والفتيان الى السياف، لينفذ الحكم فيهم بتهمة التقصير في واجباتهم، وتحدّدَ اليوم التالي موعدًا للتنفيذ، لكن الصباح جاء بخبرٍ اشدُ وقعًا على أهل المدينة كلها، لقد فُقدت الفأس الوحيدة في المدينة، السياف لأول مرة منذ عشرين سنة بلا فأسه القاطعةِ الشهيرة، وكان السؤال الوحيد الذي يتردد في ارجاء المدينة

مجموعة أصوات خارجية: (صوت ثرثرة سكان المدينة) اين اختفى فأس السياف، اين اختفى فأس المملكة؟

الراوي: (ببطء) اين إختفى الفأس؟

(موسيقى مناسبة)

(في وسط المسرح تتوجه الاضاءة الى فأس معلقة في الهواء لثوان معدودة – نفس الفأس في مطلع المشهد الأول – ثم تسلط الاضاءة على يدين تقبضان عليه من مقبضه، لثوانٍ يبقى الفأس مرفوعًا – مع مؤثرات صوتية مثيرة – ثم تضرب اليدين بالفأس على الأرض، تثبت الاضاءة على الفأس ثلاثية الحد لفترة مناسبة مع استمرار المؤثرات الصوتية المثيرة وترتفع الإضاءة ببطءٍ شديد لتكشف عن شخص الممسك بالفأس ويظهر انه الحداد ممسكًا المقبض بثبات بينما الى جانبيه يظهر – بعد توجيه الاضاءة على كل منهما بإنفراد – الخياط الى يمينه وضياء الدين الى يساره ثم تفتح الإضاءة تدريجيًا لتضيء منطقة وقوفهم، يسود صمت لثوان ثم يتحرك الفتيان الثلاثة ثلاثة خطوات الى اليمين والامام واليسار بحركة عسكرية – تعبيرًا عن انهم تائهين – متشابكي الايدي متزامنة مع لحن الاغنية القادمة، ينشدون:)

البنّاء: ليلٌ مخيفٌ وأرضٌ غريبة.

الحداد: ارضٌ غريبةٌ وليلٌ مخيف.

الخياط: وحيدون بين الجبال العجيبة.

الحداد: ارضٌ غريبةٌ وليلٌ مخيف.

البنّاء: تهيئوا يا اخوتي لليلة عصيبة

الحداد:جوعان، جوعااااان

الجميع:(بهدوء) ارضٌ غريبةٌ وليلٌ مخيف (يخفت الصوت تدريجيًا) وحيدون بين الجبال العجيبة.

الخياط: (يخرج بعزم من الصف ويقف امام الحداد والبنّاء) على فكرة، اشك اننا وحيدون حقًا؟! الستُ معكم اصدقاء الطفولة ورفاق العمر؟ لو تمنيت ان اكون مع اجمل اصدقائي لم اختر إلا كما، اما الليل الكئيب فجدتي تقول دومًا…..

الحداد: آهٍ ياجدتك، ماذا تقول؟

الخياط : مهما يطول الليل لابد من إشراقه (يكمل بانشاد ملتفتًا لأصدقائه) تذكروا عهدًا قطعناه ان نبقى معًا في اليسر، والعسر، رغم النوائب والمحن

البنّاء: نفرح معًا

الحداد: ونألم معًا

الخياط :وهذا يا سادتي (متوجهًا للجمهور) هو جوهر الصداقة، هذا، اخوتي(ملتفتًا للحداد والخياط) هو جوهر الصداقة

الثلاثة: مهما يطول الليل لابد من اشراقه اصدقاء اقوياء، اقوياء بالصداقة

الحداد: (يبرز عضلاته) فعلًا، اقوياء بالصداقة.

(يرتفع صوت خارجي لذئاب بعيدة)

الحداد: (بصوتٍ مرتجف)، لسنا اقوياء جدًا جدًا يعني.

البنّاء : (بخوف) ظلام وذئاب،ماذا تريد هذه الذئاب؟! لِمَ لاتنام وتهجع .. متى يطلع الفجر؟

الخياط: تعرفون التعويذة التي كنا نتلوها ونحن اطفال، حين نتلفظ بها يذهب خوفنا وتتبدد الظلمة.

البنّاء : نعم، اتذكر جزء منها، علمتناها العجائز في قرية المروج، يا صديقاي دجلة والفرات.

الحداد: و حامياتي سومر وبابل واشور

الخياط : يا حارسات احلامنا، وجنيات الحكايا، اضيؤوا العتمة بنور الحب.

(تشتعل شعلة صغيرة في اقصى المسرح)

الخياط: هل ترون ما ارى يا اصدقاء؟ ام انه من وحي الخيال.

صوت خارجي لامرأة عجوز: (قادم من اتجاه الشعلة) تعالوا، تعالوا من هنا، اتبعوني، تعالوا (يعاد صدى هذا العبارة)

البناء: من انتِ؟

الحداد: (مرتجفًا) الجنيات، جنيات الكتب، لا اشك في ذلك.

الخياط: صوتها ليس غريبًا عليّ، يبدو صوتها أليفًا وحنونًا.

الحداد: هكذا تستدرج الجنيات الناس اليها، (يولول) يا ويلتاه، ضاع عمرك يا شديد. ضاعت عيونك وآذانك.ضاع عمرك ضاع عمرك.

الجنية: (لا تزال في اظلام تام) هيا يا حسن، ادعُ اصدقائك، هيا يا ضياء الدين، ماذا تنتظر يا شديد؟!

الحداد: (مولولا) وتعرف اسمائنا، وتعرف اسمائنا، هنيا لك ياشديد، آخر عمرك ستكون خادمًا للجنيات.. يا فرحة امك فيك.

الخياط: آتون سيدتي، نعم سنأتي، لا اعرف لِمَ انقادُ لهذا الصوت بسهولة؟!

البناء: (ممسكًا يد الخياط الذي يحاول الذهاب تجاه الصوت) حسن، افق يا صديقي، ماذا دهاك؟ (يفلتُ من يديه ويتجه نحو الصوت كأنه منوم مغناطيسيًا، يتزامن مع ذلك صوتٌ خارجي لعواء ذئاب).

الحداد: ذئاب من ورائنا وجنيات من امامنا، توكلنا على الله، خادم لجنيات طول العمر ولا وجبةٌ ببطن ذئاب جائعة تواقة للحم (يتقدم خلف حسن، ولكن يظهر كما لو ان اشجارًا تمنعه من المضي) سأتقدم امامكم، هنالك اغصان شوكية، احذروا (يضرب بالفأس يمنة ويسرة) لأول مرة يكون الفأس نافعًا.

ضياء الدين: (بإخفات وخوف) شديد، انت يا شديد، لاحول الله (عواء ذئب بصوت قوي) انتظروني، انتظروا (يركض ليلتحق بالمجموعة)

العجوز: (لا تزال في اظلام تام، حاملة الشعلة) ستكون هذه الشعلة دليلكم الى مدن التاريخ الذهبية، امشوا تجاه صوتي حتى لا تدوسوا حقول السوسن، واذا ضللتم الطريق اتبعوا مجرى النهرين العظيمين، نادوهما بأسمائهما وسيدلانكم الطريق، صديقيكم فرات ودجلة، دجلة والفرات، على ضفافهما ينتشر اللون الأخضر، وفي نهاية مجراهما، تقع مغارتنا، نحن حارسات مدينة ثغر الانهار.

الخياط: جدتي حدثتني ان مدينتنا كانت تدعى مدينة ثغر الانهار، كانت تقول لي انها كانت مدينة هانئة.

العجوز: (تكمل) مدينة هانئة لا يسمع فيها نعيب غراب وطائر الموت لا يطلق صيحة الموت.

الخياط: (يكمل) العالم فيها فتي، الاسد لا يفترس والذئب لا يمزق الحمل.

العجوز: لا توجد ارملة ولا مرض، لا شيخوخة او نواح*

الخياط: اي نعم نعم، هكذا كانت تحكي لي جدتي عنها الحكايا الجميلة، قالت انها كانت كذلك قبل ان يختطفها الملك زلزال واتباعه، وينزعون منها الألوان والمعرفة ..

الجنية: لازالت جدتك سومر تحب ان تحكي لك الحكايا يا حسن.

الخياط: (بدهشة) تعرفين اسم جدتي؟!

الجنية: تقولُ جدتك أيضًا، (بإنشاد اوبرالي) مهما يطول الليل لابد من اشراقة.

(تفتح الإضاءة عن المسرح لتظهر مغارة واسعة البوابة يظهر من البوابة مدينة خضراء جميلة مع مؤثرات بأصوات البلابل والطيور ونهرين يجريان وسطها تتزامن مع المشهد فيديوهات لمناظر خضراء ومؤثرات صوتية تدعو للتفاؤل والى يمين المسرح ويساره خلفية لمكتبة ضخمة وتنتشر في المغارة – ولكن بترتيب – مجموعة كبيرة من الكتب)

الخياط: جدتي، جدتي العزيزة سومر، انتِ هنا؟ اني اعرف انك هنا.

سومر: (صوت خارجي) انا اسمعكم واراكم، وارعاكم، ولكنا لن نكون بديلًا عنكم، انا سومر، ومعي جداتكم، بابل وآشور ..

الحداد: يا ويلي (ويسقط مغشيًا عليه)

البناء: (يحاول ايقاظ شديد) شديد، شديد انهض يا عزيزي

الحداد: (ينهض ويرى العالم الجميل) هل انا في الجنة؟! كيف وصلت الى هنا يا حسن؟ اكلتنا الذئاب؟

…………………………………………

*من اسطورة سومرية تصف فيها مدينة دلمون التي يُعتقد انها الأهوار.

 

اشور: (صوت خارجي) نعم انتم في جنة الدنيا، وفردوس المعرفة، انتم في مغارة الأحلام، انتم ضيوف مدن التاريخ الذهبية. انا جدتكم آشور .

الحداد :(ويشيرُ الى الكتب) يا ويلي، انها الكائنات المخيفة مرة اخرى، تنتشر في كل مكان.(ويتراجعُ خائفًا)

 البنّاء : اذن كل ما كان يُحكى لنا في طفولتنا لم يكن اسطورة.

الخياط : هذه مغارة الجنيات فعلًا ولسنا نحلم .

سومر : (صوت خارجي) هذه كتبكم، كتب مدينتكم . القى بها الملك بها خارج المدينة ..

بابل :(صوت خارجي) في سابق الاوان كنا معلمات المدينة،وكانت المدارس تضج كل صباح بضحكات الطفولة و ألوان المعرفة.. انا جدتكم بابل، رعيتُ طفولتكم واحلامكم.

اشور :(صوت خارجي) لكن الملك زلزال وابوه قبله، لم يعجبهما ماكان يحدث، لقد كانت المدارس تعد فتيانًا متعلمين يعرفون حقوقهم ويطالبون بها..

سومر : (صوت خارجي) ولم يحب الملك ان يحاسبه الناس، كان يريد ان يحكم بإرادته ويبدد ثروات المدينة على نزواته ..

بابل : (صوت خارجي) وبدأت سياسة جديدة في المملكة، لا كتب، لا مدارس، لا تعليم ..

الخياط : واغلق الملك المدارس اذن، هذه القصة ..

الحداد: اتقصدين ان كل ما يحكى في المدينة عن هذه الكائنات المرعبة كذب؟ (ويشير الى الكتب)

سومر : (صوت خارجي) كان يريد ان ينشئكم جيلا يخاف الكتب، لذا بدأ بإشاعة القصص المرعبة عنا وعن الكتب.

بابل :(صوت خارجي) لقد طاردنا الملك، نحن المعلمات، وامسك بنا ذات ليلة وامر بنا الى السياف ..

اشور :(صوت خارجي) لكننا تغلبنا عليهم بذكائنا وغباء حاشيته وهربنا ..

البنّاء : ولكنّا كنا نسمع عنكم القصص في المدينة، وكنتم تحكون للناس قصصًا جميلة.

سومر : في الخفاء في الخفاء، لم نكن نستطيع ان نجاهر بأننا معلمات.

بابل : هيا لنعرفكم بأصدقائكم الجدد، السيد كتاب، والسيدة قصة.

الحداد: (يقترب من الكتب) وكيف لنا ان نكون اصدقاء هذه الكائنات؟ انها صامتة وليس لها فم تتكلم به.

بابل : فقط افتح كتابًا، هذه الكتب سحرية، هي الآن نائمة نوم الاميرات، ما ان تفتح كتابا ستوقظه ويبدأ بمحادثتك ..

الحداد: (يتناول كتابا – يفضل ان يكون الكتاب اثريًا وكبير الحجم – ويفتحه، ما ان يفتحه يشع منه نور و ينطلق صوت استيقاظ الكتاب من النوم)

الكتاب: (صوت خارجي بعد ان يصدر صوت للاستيقاظ من النوم) اهلا صديقي، لا اظنني التقيتك سابقًا؟

(الحداد خائفًا يلقي بالكتاب)

سومر: لا ترفض صداقته . هيا ستكونون اصدقاءً رائعين ..

الراوي:(صوت خارجي، يتزامن مع حكاية الراوي انشغال الحداد والخياط والبنّاء بالكتب والاضاءة  تسلط على الفتيان الثلاثة وهم يتناولون الكتاب تلو الكتاب) وفعلًا، يا يا احبائي، بدأت قصص الصداقة مع كل كتاب يفتحه الفتيان، و لكم ان تتخيلوا كم صديقًا التقى به الفتيان كل شهر، وكل سنة، ولثلاث سنوات، شعروا خلالها انهم في عالم من السحر والعجائب، قرؤوا في التاريخ عن اجمل مدن علمت الدنيا المعرفة، (اظلام تدريجي ويخرج الفتيان من المسرح)

الراوي: (يكمل) وصادف ان اسم المدن هو نفسه اسماء الجنيات، سومر وبابل واشور، صادقوا ايضًا كتبًا تحدثت في الطب والهندسة والرياضيات، استمتعوا بقصص جميلة، وعرفوا احداثًا مرت بأمم وشعوب، قرؤوها في البرية وعلى حدود مدينتهم، وكانوا يعلمون الناس الذين يلتقون بهم خارج المدينة من رعاة وتجار، كانوا يعلمونهم معنى الحرية، وان الملك ينبغي ان يكون ممن يشعر بآلامهم وآمالهم، وانهم لابد ان يختاروا من يحكمهم، علموهم معنى ان تكون لهم ارادةٌ اقوى من سلطان الملك نفسه، وبعد ثلاثة سنوات ……

(تفتح الاضاءة مجددًا، بينما يدخل حسن وضياء الدين بهيئات جديدة كلٌ من جهة من المسرح وملابس بألوان لطيفة بعد ان كانت ملابسهم رمادية يمسك كل منهم كتابًا وينشغلون بقراءته حتى يصطدمون ببعض وسط المسرح)

البنّاء : ماذا تفعل هنا يا حسن؟

الخياط : ماذا تفعل انت هنا يا ضياء الدين؟

(يدخل الحداد وهو يمسك كتابًا يجول في المسرح ويقرأ بصورة كوميدية ولا يتوقف رغم جهود الخياط والبنّاء لايقافه، ويومئ الخياط للبنّاء انه وجد فكرة لايقافه)

الخياط : كباب، تكه كباب يا ولد..

الحداد: (يتوقف ويضع الكتاب جانبًا) اين اين؟

البنّاء : في السوق في السوق يا ولد (ويضحكون)

الخياط: لقد تمت دعوتي من الجنية سومر الى هنا.

الحداد: وانا دعتني بابل ..

البنّاء : وانا اشور، قالت تعال الى المغارة التي التقيتم بها بالكتب قبل ثلاث سنوات.

سومر: (صوت خارجي) مرحبًا بأصدقائي (يفز الثلاثة خائفين) ها نحن نلتقي مجددًا بعد ثلاثة سنوات بالضبط ..

الحدا : ثلاثة سنوات، هل فعلًا مرت ثلاثة سنوات؟

البنّاء : ما اجملها من ايام قضيناها مع احلى اصدقاء..

الخياط : اسرعُ ثلاث سنوات في حياتي..

بابل : الان قد اصبحتم اصدقاءً لجميع الكتب، وتعلمتم من كل صديق حكاية او حكمة او معرفة..

اشور : وقد دعوناكم ههنا لان الوقت قد حان، حان وقت اتخاذكم القرار ..

الثلاثة : القرار

سومر : هل نسيتم مدينتكم ..

بابل : اهلوكم ..

اشور : انهم بحاجتكم، نعم لقد ظنوا انكم فُقِدتم، وحزن عليكم احبائكم واصدقائكم واهلكم في المدينة..

الحداد : ابي، امي، زوجتي واطفالي..

الخياط : لكنك لست متزوجًا بعد يا شديد ..

الحداد : اقصد اني سأتزوج حين اعود الى المدينة ( ويضحك بخجل)

البنّاء : (يذهب الى يمين المسرح) المدينة الرمادية والكئيبة، لا اظنني اود العودة اليها، سأبقى ههنا..

الحداد : (يتجه الى يسار المسرح) لا اتمنى العودة ايضًا، سأغادر كل المدن وارحل عن المملكة الى اخرى ..

الخياط : واهلكم، احبائكم، ما معنى ان نكون قد تعلمنا ولا ننفع اهلنا بما تعلمناه، كيف نتركهم تحت رحمة الملك، نحن نملك الان الألوان، ومشعل الحرية بأيدينا، ونور المعرفة لنضيء به كل المدينة .

الخياط :(بإنشاد، متوجهًا نحو البنّاء) من يشعل الاضواء في ليل المدينة؟ ويقود في الموج المتلاطم السفينة.

البنّاء : لا يهمني البحر ولن اقود اي سفينة. باقٍههنا..

الخياط: (متوجهًا نحو الحداد، ينشد) من يُبدل الحزن بالأفراح؟ ويداوي بالطيبة الجراح؟

الحداد: انا حداد. ولستُ جراحًا، سأغادر ولن اعود ابدًا..

الخياط : (يسحب ستارة الغرفة ويرتديها محاكيًا عباءة الملك، ويمسك بفأس الحداد، ويأخذ قدرًا من مجموعة ادوات مطبخٍ موجودة على طاولةٍ قريبة ويرتديه في رأسه ويمسك فأس السياف، مبدلًا صوته الى صوت الملك بلهجة آمرة،وتسلط الاضاءة عليه فقط) اذن انا الملك زلزال .. والمتحكم برؤوس الأطفال (اظلام وصوت رعد وبرق) اياكم ان ارى طفلًا يضحك .. ناموا في الظلمات واستيقظوا في الظلمات .. لن ترى مدينتكم نورًا مادمتُ موجودًا .. انا المتحكم بأرواحكم، ليس لكم معنىً في الوجود، لستم الا عبيدًا وخدامًا، المهم رخاء الملك، واياكم اياكم ان ارى احدًا منكم سعيدًا .. السعيدُ الوحيد في المدينة هو السياف فقط .. (يرفع الخياط الفأس وتسلط الاضاءة عليه وينزل به نحو الارض محاكيًا السياف) السياف فقط فقطططط (تفتحُ الاضاءة عن كتابٍ قُطِع نصفين، يمسك احدهما الحداد والآخر بالبنّاء، ويتحاورون جانبًا)

الحداد: هذا الفأس، انا اكثر من يعرف منكم كم يكون قاطعًا ومحرقًا لقلوب الأمهات والآباء ..

البنّاء : ما معنى ان نستمتع نحن بالألوان بينما الاف الاطفال يعيشون في عالمٍ بلا ألوان.

الحداد : لم اكُ يومًا انانيًا هكذا، ما معنى ان اكون سعيدًا بينما الآخرون في حزن وعذاب.

البنّاء : سنعودُ الى المدينة، وننقذ اهلنا من مخالب الملك.

الحداد: سنعودُ الى المدينة (بصوتٍ عال معًا) سنعودُ الى المدينة ..

الثلاثة : ونواجه السلطان الطاغية ..

الحداد: السلطان

البنّاء : نواجه؟ كيف؟

الخياط: عندي خطة فريدة من نوعها، سندخل قصر الملك.

البنّاء و الحداد: (بتعجب) قصر الملك!

البنّاء : اردنا ان ندخل المدينة فقط، اظن خيالك ذهب بك بعيدًا.

الخياط: بل قصر الملك، وسندخل الى الملك من اكثر الأشياء التي يحبها، ماذا تتوقعون ان يكون اكثر شيءٍ يحبه؟

البنّاء : الأكيد انه لن يكون شيئًا يسعد به شعبه..

الخياط :(بتردد) لكن لكن الخطة تحتاج الى …….

الحداد: ماذا تحتاج ؟

الخياط : تحتاجُ حدادًا، وخياطًا، ومساعدًا لهما..

الحداد: (وهو يفكر) حيرة، حداد وخياط .. حدادٌ وخياط

البنّاء : انا سأعمل مساعدًا لهما..

الخياط : وانا الخياط .

الحداد : بقي الحداد فقط، مشكلة، اوه لقد كدت انسى انني حداد (ويضحكون)

البناء : (متوجهًا للخياط) الينا بالخطة.

الخياط: قرأتُ عن الخطة في احد كتب التاريخ، تحتاج شجاعة وعزمًا..

الحداد والبنّاء : (يضربون صدورهم) ونحن لها .

الخياط : ونحتاج السريّة، لابد ان لا يعلم احدٌ بالخطة (يتوجه نحو الجمهور) اذا عرفتم الخطة لا تخبروا احدًا، هذا واجبكم، وستكونون شركاؤنا في تنفيذ الخطة..ها؟

الخياط : اذن هيا على بركة الله .. (ويجتمع الثلاثة على طاولة قريبة للنقاش، اظلام تام، وتبدأ اصوات طرق واصوات ماكينة خياطة)

الراوي: هل جُنّ الفتيان؟ انه قصر الملك، بكل حاشيته وجيشه، هل ظننتم ان الوصول الى القصر سهلًا حقًا، انه مستحيل وسابع المستحيلات، واذا كنتم صدقتم بكلامهم فإسمحوا لي ان اخبركم انكم وثقتم بأشخاصٍ مغرورين، كلي فضول ان ارى القصة التالية وان كنت اعلم ان امرهم لن يطول حتى يقتادوهم الى السياف، هل انتم مستعدون لمشاهدة نهاية الغرور حقًا، تعالوا نشاهد ..

 

المشهــــــد الثالـــــــــث

(إظلامٌ على يسار المسرح، وعلى اليمين خزانةاموال حديدية ضخمة – ببابٍ واجهته الى الجمهور-يحيطها مجموعة فتيان يثرثرون) 

(في الخلفية، يُسمع لغط غير مفهوم من مجموعة فتيان يثرثران)

الراوي: (صوت خارجي) ونعود يا سادتي الى المدينة، فالحياة الرتيبة والمملة فيها لم تتغير، والحزن والكآبة واضحةٌ في وجوه الاطفال والنساء، والرجال متعبون، كل يوم يشبهُ ما قبله، لكن الأمر الوحيد الذي يستدعي البهجة ان آلة الموت توقفت، وتم تأجيل أحكام القتل الى حين العثور على فأس المملكة، الفأس الذي يورّثه الملوك خلفًا لسلف ليعبروا به عن سطوتهم وبطشهم، وقد عرفتم قصته وقصة ضياعه، ولكن مهلًا مهلًا، ما هذا اللغطُ في اطراف المدينة؟ ماذا يجري هناك، وما هذا الشيء الذي يتحلق حوله هؤلاء الفتيان)

الفتى 1 : ربما تكون بيتًا، بيتًا حديديًا ؟

فتى 2 : او شيئًا نازلًا من الفضاء ..

فتى 3 : هذه علامة على نهاية الدنيا، ان تظهر الاشياء من العدم.

فتى 4 : اتسمعون ما اسمع، صوت عربات وابواق (اصوات خارجية لقافلة الملك، عربات وأبواق، ثم يدخلُ السيد طبال مقيد بسلسلة حديدية من يديه ورجليه وهو ينفخ في بوق)

الطبال: اركعوا يا عبيد الملك، سيدي الملك يشرف ارضكم بحضوره

(يرتجف الفتيان، وينحنون بصورة كوميدية موجهين مؤخراتهم نحو الملك، بينما يدخل مع الملك فتى ضخم واضعًا قناع الجلادين على رأسه، ويضربهم بالسوط على مؤخراتهم، يدورون ويتجهون الى الملك الذي يكون بدينًا ومرتديًا طيلسانًا طويلًا وتاجًا ضخمًا، ويبدو منشغلًا عن كل شيءٍ بتفحص الخزانة)

الملك: هذا هو الكائن الغريب اذن، ها؟ من رآهُ اولًا ؟

الفتى 4 :(مازال منحنيًا ويتوجه نحو الملك) انا يا سيدي، كنتُ خرجتُ فجرًا مع الاغنام؟ انا راعي اغنام يا سيدي الملك، ووجدتها ههنا، لم المسها ابدًا، وبلغتُ السيد طبال.

الملك: قل الفاشل طبال، (يتوجه نحو الطبال) نعتذر منك ايها الطبال لأننا نقيدك منذ ثلاث سنين، لن يطول الأمر طويلًا، فقط حين يجد السياف فأسه (يبلع الطبال ريقه بصعوبة وخوف…سائلًا الفتيان بعد جولة اخرى حول الخزانة) وهل كان مع هذا الشيء قطعةٌ اخرى، قطعةٌ حديدية؟ لفتح هذا الشيء اقصد.

الفتى 4 : لا يا سيدي

الملك: (للفتيان) ومن انتم ؟

الفتيان: (يرتجفون) نحنُ اخوته (ويشيرون الى الفتى 4)

الفتى 1 : كنا من حاشيتك سيدي واتباع السيد طبال، ولكن ولكن منذ الحادثة المشؤومة قبل ثلاث سنوات فقد طردتنا من المدينة، نعمل الآن رعاة اغنام.

الفتى 2 : ونحن مع السيد طبال، ننتظر ان يجد السياف فأسه.

الملك : اها، عملٌ حقيرٌ يليق بكم، تأكدوا إن الأمر لن يدوم طويلًا، لن يدوم طويلًا، اما الآن افتحوا هذا الشيء، هيا ..

(يجتمع الفتيان حول الخزانة وبحركات كوميدية يحاولون فتح الخزانة لكن كل محاولاتهم تبوء بالفشل، خلال محاولاتهم هذه يناجي الملك نفسه)

الملك:(صوت خارجي، مناجيًا نفسه) هه، من حسن الحظ ان لا احد يعرف هذا الشيء، انهم لا يجدون رغيفًا لعيشهم فكيف يعرفون شكل الخزانة، انا فقط من يعرف خزانات الذهب والأموال الطائلة، قد تكون تحتوي ذهبًا، ماسًا، وربما نقودًا كثيرة، كثيرة، ولكن من اين جاءت؟ (يفرك يديه بطمع) هل حقًا يا زلزال ستشغل نفسك بهذا السؤال السخيف؟ المهم ماذا تحوي هذه الخزانة العظيمة؟ ولتكن نزلت انتقامًا من السماء.

الطبال: (يقاطع الملك) سيدي، امر هذا الشيء عجيب، لم يقو احد على فتحه، اظن ان الامر من اختصاص الحدادين يا مولاي.

الملك: وماذا تنتظر ايها المغفل، الي بالحداد الآن ..

الطبال : ولكن يا سيدي، يا مولاي احم (ويبلع ريقه خوفًا)

الملك : (يصرخ بالطبال) ماذا هنالك ايها الفاشل ؟

الطبال : الحداد الوحيد في المدينة هرب منذ ثلاث سنوات في القضية التي تعرفها يا سيدي ..

الملك : اها، في القضية التي تعرفها انت، وانا، حين خدعوك وفروا من امامك.

الحداد : مغفل يا سيدي، خُدعت وكادوا لي كيدًا.

الملك : (بحزم) اسمع ايها الطبال، غدًا صباحًا لا اريد حدادًا واحدًا، اريد عشرة حدادين بباب القصر، بلغ حرس القصر ان يجمعوهم من الممالك المجاورة، او من الكواكب الاخرى لستُ مهتمًا، وستكونون انتم بديلًا عنهم حتى يعودون، ولكن اياهم ان يصبح الصباح وامري هذا لم ينفذ، افهمت ؟

الطبال : حاضر، حاضر يا سيدي سلطان الدنيا .

الملك : والآن، اسحبوا هذا الشيء الى قصري، حتى لا يعبث به العابثون، بل الى غرفة نومي، حتى يحين الصباح..(يغادرُ الملك مع صوت خارجي لعربته وقافلته، ويجاهد الفتيان والطبال في دفع الخزانة الى يسار المسرح، ويغنون خلال ذلك)

الفتيان والطبال : هَيْ هَيْ هَيْ

الجلاد : (يضربهم بالسوط على ظهورهم ويصرخ) الى الأماااام ..

الفتيان والطبال : هَيْ هَيْ هَيْ

الطبال : لا تبطئوا تقدموا، وعلى الطاعة تعلموا

الفتى 1: سيروا بكل شيء نافع الى الملك، وتعسًا الى الطبال مات او هلك

الطبال : ماذا تقولُ يا فتى، ان استطعت كرر المقالة …

الفتيان : تعسًا الى الطبال مات او هلك

الطبال : اهكذا تعاملون من تغيرت احواله؟

الفتى 2 : سيروا وامامكم حتفكم … سيافكم يا سادتي بانتظاركم

الفتى 3 : في كل ليلة وكل يوم … يحرمني السياف طعم النوم

الفتى 4 : حين اصحو اتفقدُ مكان رأسي … ماذا يا الهي لو عثروا بالفأس

الفتيان : في كل ليلة وكل يوم … يحرمنا السياف طعم النوم

السياف : (يضربهم ويصرخ) الى الامام لا تبطئوا، لا تهمسوا لبعضكم … كلها ايام (يضحك ضحكة شريرة) وتودعون ارضكم .

الطبال : ما الحيلة يا فتيان، عبيدٌ للملك ونرتجف من الملك، اي منطق هذا؟

الفتى 1 : (بهمس) قالت لي العجوز في قرية المروج ان هذا مصيرُ العبيد.

الفتى 2: وانا اخبرني شخصٌ يشبه الحداد كثيرًا حين كنت ارعى الاغنام في ارض الله الواسعة، اننا من نصنع الحرية .. لا تأتي الحريةُ الا بالشجاعة والإقدام ..

الفتى 3 : وما هي هذه التي تسمونها حرية؟ ها؟

الطبال : (يتوقف عن الدفع ويحمل سلاسله لأعلى) ان تحطم هذه السلاسل، ان تكسر هذه القيود، ان لا تتبع الملك وهو يقودك الى الموت. الحرية تبدأ في ان تقول للظلم لا.

السياف : (يضربهم) الى الامام هيا

الفتيان والطبال : (يصرخان بصوت واحد) لا

السياف : (بدهشة) ماذا حل بكم يا قوم؟

الطبال : لا حاجة ان تضرب، نحن نؤدي ادوارنا في هذه الحياة التعيسة بلا حاجة للضرب بالسوط ..

السياف : (يتأخر) جُن الطبال، جُن الفتيان (ويضرب كفًا بآخر)

الفتيان والطبال : (غناء) هَيْ هَيْ هَيْ

نحن نحلم بالحرية … نحن نحلم بالحرية

ونحلم ان نطير كالصقور في البرية

حتمًا سيأتي يوم خلاصنا … وبأيدينا نكسر اقفاصنا

ونطير الى البرية … ونطير الى البرية

هَيْ هَيْ هَيْ

(اصوات صقور ورفيف اجنحة، ثم يسود هدوء تام واظلامٌ على المسرح ويخرج الفتيان والطبال والسياف، تفتح الاضاءة عن غرفة فخمة للملك وسرير نومه،  بينما تنتصب الخزانة وسط الغرفة، ويدخل الملك بملابس نومه، ويتحسس حديد الخزانة)

الملك : (مناجيًا نفسه) غدًا فقط سنفتحُ ابوابك، انتظري الغد فقط، وستكونين ملكي وبين يديّ، يا عزيزتي وروح قلبي، الشعبُ في فقرٍ مدقع وانا تبعث لي السماء الذهب والفضة، اليس هذا دليلًا كافيًا على اني كلمة الحق، وان الثروة يجب ان تكون لي وبين يدي فقط، هه، مات طفل اليوم، او جاعت سيدة، هل هذا مهم فعلًا، المهم حقًا ان يعيش قصر المملكة برخاءٍ وغنىً، وتعسًا لكل الاشياء التافهة خارج القصر، ما يقلقني حقًا الاخبار التي تردُ من كل مكان عن الفتيان الذين ينشرون شيئًا اسمه، اسمه، آه … الحرية، (يضحك) اليس من الحرية ان يختار الشعب بين الجوع والمرض والجهل وبين الموت .. مطلقُ الحرية.. المهم.. ماذا يمكن ان تحوي هذه الخزانة من أسرار في داخلها، ذهب، ماس، كنوز … أيًا ما يكن داخل هذه الخزانة فهو هدية السماء اليَ واهلًا بهدايا السماء (ويضحك ضحكته الشريرة، وينام على السرير، وينشغل بعد خرزات ذيل طاقية نومه… وهو يعد خرزات ذيل طاقية النوم) ذهب، فضة، ماس، عقيق، خخخخخخخ (ويغط في نوم عميق، تخفت الاضاءة على سرير الملك وتسلط على الخزانة التي يبدأ بابها يُفتح رويدًا، ويخرج منها الخياط والبنّاء واخيرًا الحداد)

الحداد: اوه، ما اسمنكم، (يضع الخياط كفه على فم الحداد، الذي يكمل بهمس) متُّ من الجوع، هل كنا حقًا ليومٍ كامل وسط هذه الخزانة المظلمة والمخيفة .

البنّاء: لقد كان يومًا شاقًا حقًا، كانت الخزانة حارة جدًا. الآن اصبح المكان هادئًا فجأة بعد ان كان الضجيج يملأ المكان (يشخر الملك، فيفز البّناء)

الحداد : جعت، يا ويلي يا ويلي (ويمسحُ على بطنه) يا للمسكينة، لقد تحملت يومًا كاملًا بلا ادنى لقمة (يتباكى، يشخر الملك)

الخياط : (يجول في المكان) لن تصدقوا اين انتم الآن؟في مكان لم تحلموا ان تقتربوا منه يومًا، كنتم تسمعون به ولم تروه..

الحداد : مطبخ الملك؟

البّناء : بل غرفته الخاصة، الخاصة جدًا، غرفة نومه … وهاهو سريره (صوت شخير الملك) وما تسمعوه هو شخيره ..

الخياط : الآن اخرجوا كنوزكم من الخزانة، يستحق الملك هدية منا

(يخرج الحداد الفأس، ويخرج الخياط عباءات حراس الملك، ويرتدونها،ويخرجان كتبًا من الخزانة ويحوطون الملك بها)

الخياط : سيدي الملك زلزال، اصح من نومك الآن، لقد حان ان تستلم هدية السماء.

الملك: (يصحو ويفرك عينيه) ذهب، ماس، نقود وكنوز

البنّاء : بل امطرت السماء شيئًا اثمن من كل الذهب والماس والكنوز، كتب، كتب يا سيدي الملك..

الملك : (يفز على فراشه) كتب، من قال كتب، من تكلم بهذه الكلمة المحرمة في قصر الملك؟

الحداد : نحن حراس مملكتك يا زلزال، جلبنا لك هدية، كتب، كتب.

الملك: (يصرخ بجنون) لا، لا، لا تقل هذه الكلمة ..

الخياط: (الى الجمهور) قولوا معنا حتى ترعبوا الملك، نحن نحب الكتب (وينتظر ترديد الجمهور للجملة، بينما يستمر الملك في جنونه، ويصرخ)حرس حرس … (يدخل الفتيان والطبال الى غرفة الملك)

الطبال : ماذا يجري هنا ؟ ماذا تفعلون في غرفة الملك؟

الخياط : نحن حراس المدينة، يمكنكم ان تدعوننا بصقور الحرية..

الفتى 1 : اين سمعت هذا الاسم من قبل؟ اين اين؟

الحداد : نحن معلمو الحرية، الذين كنا نجول في محيط المدينة ونعلمكم المعارف والعلوم ..

الفتى 2 : نعم، اتذكركم .. كان احدكم من خلصني من الذئب يومًا، وقال لي ان باستطاعتي ايضًا ان اتخلص من الذئب ..

الملك : اي ذئب ايها المغفل! اقبضوا عليهم ايها الفاشلون..

الفتى 3:  واحدكم خاط لي ثوبًا حين كان الصقيع يفتك بنا، يوم طردنا الملك خارج المدينة.

الفتى 4 : وانا كنتُ في ليلة مظلمة والمطر يهطل بغزاره، من السقف المثقوب، حين اتى احدكم واصلح لنا سقفنا …

الملك: (صارخًا) ايها العبيد التافهون؟ نفذوا اوامري الآن والا دعوت السياف ليقطع رؤوسكم الآن … يا سياف يا سياف ..(يدخل السياف راكضًا الى الخياط) نعم يا سيدي الملك زلزال، نعم

الخياط : لست انا من يناديك يا عبد سيدك، ذاك هو (ويشير الى الملك المحاصر بين الكتب، ويتجه السياف نحوه)

السياف : (صارخًا ويرتحف) اليست هذه الاشياء المدعوة كتب، كتب .

الخياط : (للجمهور) نحن نحب…(وينتظر اكمال الجمهور للعبارة بينما يجن السياف ايضًا)

الملك : الآن تقررت نهايتكم ايها المتمردون الفاشلون جميعًا، اين فأسك يا سياف؟

الحداد : اتقصدُ فأسًا يشبه هذا يا زلزال؟

الملك : نعم ايها الفاشل، ناوله للسياف الآن..

الحداد : آسف يا سيدي، نحن محتاجون فعلًا لهذا الفأس، انت لا تشعر ببرد الشتاء وسط هذا الدفء وهذا الرخاء، نستخدم فأسك الآن في تقطيع الأخشاب ونوقد نارًا نتدفأ بها، وهو يؤدي المهمة بشكل ممتاز ..

الملك: (يصرخ) كفاكم ايها العبيد، كفاكم من هذه السخافات، هل حقًا تصدقون انكم يمكن ان تقودوا انفسكم بأنفسكم، نعم قد اكون ظالمًا، ولكن لابد لكم مني، فأنا سيف العدل القاطعة ..

الخياط : بل سيف الظلم والطغيان والجوع والجهل … وحان وقت عقابك ايها الظالم زلزال ..

البنّاء : ولأننا عادلون حتى في معاقبتك انت، قررنا ان نضعك في اكثر شيء احببته في حياتك، وافنيت عمرك لأجله، انت والسياف، هيا …

(ويفتح الفتيان منفذًا ليعبروا بين الكتب وهم يرتجفون حتى لا يلمسونها)

الملك : ولكن يمكن اعادة النظر فيكم، فأنتم حراس اشداء واقوياء؟ ستكونون الحرس الخاص بي، سأمنحكم كل ما تحبون وترغبون …

الحداد : فخذ خروف مشوي مثلًا؟

الملك : بل خروف مشوي بحاله

الحداد : اظن ان الفجر حان، والوقت وقت فطور، يكفيني رغيف خبز حار وكأس حليب من ابقار الراعي، يجب ان تقرأ في الكتب عن فائدة الحليب .

الملك : كلا ليس الكتب، لا اريد الكتب لا اريد سماع اسمها …

(يُدخلون الملك والسياف الخزانة، ويدفعها الطبال والفتيان ويخرجونها من المسرح)

الطبال : (يصيح بالفتيان) الى البحر يا سادة، الى البحر

الفتيان والطبال : (غناء) هَيْ هَيْ هَيْ

نحن نحلم بالحرية … نحن نحلم بالحرية

ونحلم ان نطير كالصقور في البرية

حتمًا سيأتي يوم خلاصنا … وبأيدينا نكسر اقفاصنا

ونطير الى البرية … ونطير الى البرية

(المسرح خال الا من الفتيان الثلاثة، الخياط والحداد والبنّاء)

الخياط : انا حسن الخياط، من الكتب عرفتُ ان الحرية ان تطير الى السماء بجناحين قويين، ان لا تبقى اسيرًا لخوفك، ان لا ترضى بالظلم وتعمل على تغييره.

البنّاء : وانا ضياء الدين البنَاء، ابني بيوتكم، واتمنى ان تجمع اسركم على الحب والمودة والرحمة، علمتني الكتب ان ابني بلدي بذراعيّ هاتين و امنع الفاسدين من تخريبه ..

الحداد : وانا شديد الحداد، قرأتُ في التاريخ عن حضاراتنا الاولى، سومر واشور وبابل، واعرف أن جنيات الكتب الآن يحيطون بنا ويحيطون بكم، وهن مسرورات لما وصلنا اليه بفضل الكتب… اوه … نسيت كم انا جوعان

الخياط : ما يجمعنا نحن الثلاثة مع حضاراتنا الاولى اننا نحب الكتب، ونعرف انها الطريق الى الحرية، وحتى تعاقبون الملك والسياف حقًا فلنصرخ

( نحن نحب الكتب، نحن نحب الكتب)

الملك والسياف : (صوت خارجي) لا لا لا، ارمونا في البحر ولا تذكروا هذا الإسم … لا لا

(وتسدل الستارة)

 

** عقيل عبدالله

©حقوق النص محفوظة لقسم رعاية وتنمية الطفولة في العتبة الحسينية المقدسة/العراق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت