الكوميديا السوداء في العرض الجزائري: ” GPS”/ د. باسم الأعسم
في عرضه الموسوم ( GPS) الذي قدم على خشبة المسرح الوطني، ضمن عروض مهرجان بغداد الدولي للمسرح، يوظف المخرج الجزائري (محمد شرشال) الذي هو المؤلف أيضا، آليات التغريب المسرحي لتحقيق أكبر قدر ممكن من الكوميديا السوداء، عبر الثنائيات التي ساهمت في صناعة المشاهد المسرحية المحكومة بالحركة، والتقابلات الضدية، بين الإنسان والجماد، والإرادة وعدمها، التشكيل البصري الجامد والفعل المسرحي الحركي المتغير، الفوضى والانتظام، توقف الزمن وسرعته…ألخ,
وهكذا تتعدد وتتنوع المشاهد المصنوعة بحكمة وخبرة مخرج مثقف خبر المسرح فاجتهد فيه، محققا رسالة خطاب العرض المسرحي المتمثلة في الانتصار للإنسان وإعلاء شأن السيادة والكرامة الإنسانية، على وفق مقاربة إخراجية ماهرة، أحكمت التعبير الفني والجمالي والفلسفي لفكرة العرض المسرحي، فأدهشت الجمهور الذي تابع بشغف وصمت مبني ما تخلل مشاهد العرض من مفارقات ديالكتيكية بين أنساق خطاب العرض وأضواءها، فتحقق ذلك التجانس الجمالي والتعبيري عبر وحدة تناقضات الأضداد في العرض.
لقد توضحت لدى الجمهور، منذ استهلال نص خطاب العرض، عبر الإشارات الدالة، والإيحاءات المشفرة، والتشكيلات المنتظمة، وإن المشاهد التي أعقبت منتصف زمن العرض تقريبا، قد كان تنويع أدائي على ذات الفكرة الفلسفية لخطاب العرض، مما امتد زمن العرض قليلا، غير أن إحكام سيطرة المخرج على حركة المجاميع، وحسن توظيف جماليات فن البانتومايم والمؤثر الضوئي، ومن تم ضبط أداءات الممثلين المتوافقة مع المؤثرات الصوتية التي كانت مرتفعة، كل ذلك، قد أسهم في نجاح العرض وتحقيق أعلى مستويات التلقي والاستجابة بين العرض المختلف وبين الجمهور المتنوع,
إن ما يميز ها العرض، هو التنوع الأدائي والكتلي، ومغادرة الوضوح والملفوظ والمباشرة والرتابة، فاختفى بممكنات الرموز وطاقة الإشارات وكثافة الأنساق ودلالاتها الباعثة على الدهشة والمفارقة والجمال، فتحية لمخرج العرض وكادره الساحر.
الأستاذ الدكتور باسم الأعسم/ ناقد عراقي