لماذا النزوعُ بإتجاهِ عالمِ الأطفال؟/ جبّار ونّاس
في تبصرنا لمعالم. ِالسؤال آنفاً نرى أنَّ التحركَ بإتجاهِ عالمِ الأطفال لَهو نزوعٌ ذاتي يكمنُ في بواطنِ الكاتبِ وإيمانِه العظيم ببراءةِ الحياةِ وبياضِ الاحضانِ التي يتبطنُ بداخلها الأطفالُ وأنفاسُ حياتِهم وما تُصدِرُه مخيلاتُهم التي تذهبُ نحو ما هو صافٍ ومثيرٍ للدهشةُ والتأملِ العميق. فالطفولةُ هي مبدأُ حيويةِ الحياةِ ومبررٌ رئيسٌ لسرِ العيشِ والگدِ فيها
وقد وجدنا الكثيرينَ من كُتابِ أدبِ الأطفال يجعلون من عالم الحيوان مسرحاً تمتصُ منه متونُ مسرحياتِهم الكثيرَ من الأحداثِ والوقائعَ والحقائقَ التي يُرادُ منها أمتحانُ واقعِ ما يُحيطُ بهم من حياةٍ بعيداً عن فروضاتِ الغابةِ وماتعجُ به من حيواناتٍ مختلفة.
وإذا ما عدنا إلى السؤالِ آنفاً أيضاً لِنقولَ ربما هو شعورٌ من الكُتابِ بعدمِ الوثوقيةِ بما لدى إنسانِ حاضرِنا إذا ما تمتِ المقارنةُ بيْنَه وبينَ عالمِ الحيوان فيما يتعلقُ بخلوِ النيّاتِ المُسْبَقَةِ من لدنِ الحيوانِ بما لدى إنسان الحاضر.
وفي تتبُعِنا لِترسيماتِ النصوصِ السبعةِ التي كتبها الكاتبُ المسرحيُّ (عمار نعمه جابر) نجدُ أنَّ اربعةَ نصوصٍ حفلتْ احداثُها وصار الحيوانُ بطلاً مؤثراً فيها وهي نصوص (العصفور والوردة – أحلام- التوأمان – الحاسوب) في حين توزعتِ النصوصُ الثلاثةُ الأخرى وهي (رحلةُ الأصدقاء – الخيمة – قلادةُ الحكمة) بين موضوعاتٍ تشطرتْ من التاريخ إلى راهنِ حاضرِنا وما نعيشه من حياةٍ يلعبُ العلمُ والتكنولوجيا والمدرسةُ دوراً كبيراً في صياغةِ تفاصيلِها
والكاتبُ في مسرحياته السبع هذه نراه قد تجلتِ إشتغالاتُه الكتابيةُ والفنيةُ وفق الآتي:
–يعطي مساحةً وافرةً للافكارِ والقيمِ المعرفيةِ وما هو مستجدٌ من فضاءاتٍ حياتية ومدى تماسِها وتفاعُلِها مع هذه الأفكار والقيم.
– يهتم كثيراً بمعطياتِ الإرشادِ والنصحِ والتوجيه التربوي والتي تُعَدُ ضماناتٍ مؤكَّدَةً حين يُصارُ إلى النظرِ بها والأخذِ من تفاصيلَ ما يصبو إليه ولِما يراه ويطمحُ إلى تحقيقِه في واقعٍ مجتمعي يريدُه صحيحاً ومعافى.
– يؤمن الكاتبُ بالعلم والتكنولوجيا ومعطياتِ تجلياتِهما كسلاحٍ يفتحُ من آفاقِ الحياةِ ولِما يقدمُه هذا الفاتحُ العظيمُ من تغيراتٍ جذريةٍ لحياةِ الشعوبِ والأُممِِ الناهضةِ بإتجاهِ المستقبل.
ـ وكذلك يؤمنُ بما تطرحه الحياةُ المعاصرةُ وما إستجدَ بها من حيثُ طريقةِ العيشِ وتلاءمِها ومقدراتِ العصرِ وضرورةِ السيرِ فيه وفقَ متبنياتِه الكثيرةِ والكبيرةِ وفي مدى التسليمِ والأخذِ بها بعين المتبصرِ الحكيمِ الذي يذهبُ نحو الإختزالِ والتقنين والعقل فيما يتعلق بالإكتفاء والتعاملِ الميداني مع مجرياتِ هذه الحياةِ المعاصرةِ والمتواترةِ نحو المستقبل.
–تبدو عواطفُ ومشاعرُ الكاتبِ راهيةً وظاهرةً من بين أسطرِ بعضِ النصوصِ ويكادُ الدارسُ أو الناقدُ يتميزُها عن قربٍ.
-يُلاحظُ ميلُ الكاتبِ إلى إستخدامِ الأشعارِ كما في مسرحيات (رِحلةُ الأصدقاء-الحاسوب – أحلام) وايضا يميلُ إلى إستحضارِ الحكايةِ المستمدةِ من الموروثِ الحكائي والتراثِ القديمِ الذي يتلاءمُ ما فيه لِيُسهمَ في إستثارةِ الذاكرةِ الراهنةِ للأطفالِ كيما يشعروا بالمتعةِ حين يستمعون إلى الحكاية لتكونَ الفائدةُ اكبرَ إذا ما جاء المتنُ الحكائيُّ بين سطورِ النصِ المسرحي لإثارةِ شغفِ الأطفالِ بإعتمادِ تلكَ السطورِ على الغنائيةِ والتمثيل.
–كما درسنا وإطلعنا على مسرحِ الأطفال أنَّ هذا المسرحَ يُكْتَبُ بعضُه للكبار والفتيانِ والصغارِ وثمة نصوصٌ لدى الكاتبِ (عمار نعمه جابر) نرى فيها هذا التوجهَ في مسرحيات قد خرجتْ عن عالمِ الأطفال وكأنَّها تتوجهُ للكبارِ ففيها من الأفكارِ والمعارفِ التي ربما تخرجُ عن مدركاتِ الأطفالِ رغم توفرِ عناصرِ الحكايةِ وسيولةِ تواردِها في متنِ النصِ المسرحي.
–ومن حيث البناءِ الفني والأسلوبِ المتبعِ من قبلِ الكاتبِ في طريقةِ كتابته لهذه النصوص فنيا فنراه يأخذُ بالاسلوبِ التقليدي في بناءِ معماريةِ النصِ بدءا من البناء الهرمي إذ يُعطي لمتنِ النصِ حضوراً طاغياً مترافداً مع حضورِ الحكايةِ وتسلسلها المنطقي الذي يُسَهِلُ على ذهنيةِ الأطفالِ للتواصلِ معها بكل أريحيةٍ وسهولة، وقد سار في بناء بعض النصوص عبرَ إسلوبِ التناوبِ والتكرارِ الذي يقتربُ َمن الإسلوبي الإحتفالي الذي يعتمدُ على حضورِ الراوي كما حصل في مسرحيتي (التوأمان – العصفور والوردة) وايضا وجدنا الكاتبَ يستثمرُ الأسلوبَ العجائبي والغرابةَ وايضا يلجأ الى مسرحةِ الاشياء وانسنة ما هو غير عاقل وفق ما يسمى بالمجاز العقلي إذ يظفي من الحياة العاقلة على الاشياء الجامدة فتبدو فاعلةً ومؤثرةً في فعلها والفائدةِ المرجوةِ منها.
وفي حالةِ تجوالنا في هذه النصوص السبعة التي قدمها الكاتبُ (عمار نعمه جابر) فسيبرز لنا إسهامهُ واضحاً وهو يرفدُ مكتبةَ الطفلِ العربي وفي العراق بنصوصٍ تحفلُ بالتنوعِ من خلال موضوعاتٍ شتى تأخذُ جذورَها مما يُحيطُ بعالمِ الأطفال من وقائعَ حياتيةٍ مثيرةٍ ومدهشةٍ وضاغطةٍ في وجودِها الواقعي والعياني.
ففي مسرحية (رحلة الأصدقاء) تأكيدٌ على مبدأ الإكتشافِ والتجربةِ والمقارنةِ بين عالمِ الماءِ المتحركِ وبين عالم اليابسةِ الذي يتمسكُ بالثبات وفي هذا دعوةٌ للتأمل في عوالم شكلتْ بوجودِها ما يُساهمُ في إنتظامِ حياةِ الإنسانِ وجعلِه يستثمرُ ما حولَه بشكلٍ صحيح، والجميلُ في هذا النص أنَّ الكاتبَ يستعينُ بألعابِ الكارتون وتلك الشخصياتِ الكارتونيةِ الشاخصةِ في ذاكرةِ الأطفال كشخصية (سبونج بوب) وشخصية (بسيط) في إثراء معالم النص.
وكذا الحالُ مع مسرحية (الحاسوب) حين يجعلُ من الحيواناتِ تأخذُ مهمةَ الإنسانِ العاقلِ في إشتغالٍ مجازي فيعمدُ إلى بثِ الأفكارِ بشكلٍ مباشرٍ فيقول :(كيف نحافظُ على أشيائنا؟ وكيف نحترمُ العلمَ من خلال ما ينتجه الحاسوب؟) فاهميةُ الحياةِ المعاصرةِ والتجاربِ الصائبةِ تكمنُ بإدخالِ التكنلوجيا ويؤكدُ أيضا أنَّ الأمورَ لاتُحسبُ بالأحجامِ بعد أنْ يقدمَ لنا ذلك الصراعَ المريرَ واللذيذَ وبإسلوب عجائبي يثيرُ الدهشةَ والغرابةَ ما بينَ القطِ (توم) وبينَ الفأرةِ(جيري) لنقرأَ أنَّ الاشياءَ تُحسبُ بالقراءةِ والمعرفةِ والكتابةِ وحفظِ التجاربِ وأنَّ إختزالَ كلِّ الاشياءِ يأتي من عدمِ التركيز على كميةِ وجودِها فالحاسوبُ قد وفَّرَ لنا كلَّ ما نريدُه من المعلوماتِ والمعارف.
أما في مسرحية (العصفور والوردة) فنحن مع تأكيد يقول : أنَّ كلَّ شيء يحتفظ بخصائصَ وجوده الأصلي وما هو عليه من كيان يميزه عن الآخرين وليس للإنسان أن يستعيرَ من صفاتِ وتكوينات غيره فهذه الفراشةُ تقول لنا.
أنَّ الزقزقةَ لا تناسبُ البطَ ولاتناسبُ الديكَ فلن يسمعَ أحدٌ أنَّ القطَ يزقزقُ وأنَّ الديكَ يموءُ وكذا الحالُ مع البط فهو ينعق والديك يصيح وليس لهما من الزقزقة شيء يُذكر. فكل هذه الرغبة التي كانت تعتمل بروح العصفور ولكنها تلاشت، وفي هذا النص تأكيد على عدم التفريط بما هو جميل لدى الإنسان.
ولعل المثمر في مسرحية (أحلام) أنَّها تعلي من شأن الحلم والأجمل في الحلم عندما يكون من أجل الجميع فينبغي أن نحلم من أجل الإنسانية فالاحلام مفاتيح بيد الإنسان حين يروم التحرك وفتح آفاق حياته من أجل المشاريع والتطورات التي تعمل الشعوب والأمم من أجل بنائها وإنشاء عمرانها.
وعند التوقف مع مسرحية (التوأمان) سنجد أنَّ هذا النص يحوز على مكانة مائزة من بين النصوص السبعة فقد حظي بإشتغال فني من لدن الكاتب ليجعل من هذا النص يخرج بأثواب تظللها العواطف واللمسات الشاعرية والإنسانية وهي تتعمق في طرح وإبراز الفوارق الطبقية داخل المجتمع لتذلل من غلواء آثارها بإحلال روح الإنسان فلافوارق تُذكر بين البشر من ناحية السلطة والجاه والمال ليصبح الأميرُ إبن التاجر مزارعاً وإبنُ المزارع ينام ويغفو على فراش الأمير إبن التاجر فهذه الفوارق سيكون الحب مذوباً لها فلايعترف بتغيرات المكان أو المقام ولايصغي لما تأتي به إحبولات الزمان، وهذا النص شهد إشتغالا فنيا إستثمر فيه الكاتب من أجواء الغرابة حين أعطى تلك الروح العاقلة ليتلبس بها (اللقلق) ويحمل صرتين ليضع كل واحدة فيها طفلا رضيعا أمام باب المزارع وأمام باب التاجر ليكون بذلك بهذا الفعل سادن الحياة قبالة سيادة العقم واليأس.
وقد نجد مشتركات حضرت في مسرحيتي (الخيمة وقلادة الحكمة) فيما يتعلق بالحكم والحاكم والطغيان، ففي مسرحية (الخيمة) يذهب الكاتب إلى بطن التاريخ ليستل منه واقعةَ الطف ليقول لنا أنَّ المواقف الإنسانية لا تعرف الاحجام ولا الأعمار فهي كالكلمات التي يحكمها المعنى ومعناها أكبر من حجم حروفها وإنَّ الأطفال يولدون للمستقبل ولم يخلقوا للحروب وإنَّ الحق مع الإنسان وإنَّ هذا العالم يستحق حياةً أفضل من حكم الجبارين والطغاة وعلى الأمم الحية أنْ لا تقبل بالطغيان، وهذا الأمر ينسحب على مسرحية (قلادة الحكمة) فنجد أنَّ الحاكم يكره أبناء شعبه ولهذا سيكون الشر مسيطراً وفاتكاً بعد أنْ يدخلَ (الطبيب الشرير) في جسد البلاد، بيد أنَّ هذه المسرحيةَ في جانبٍ آخر لها تعتمد على إستثمار الحكمة المستمدة من الاسلوب القديم لتركز على أنَّ حيوية الحياة لا تبقى ولا تقتصر على مكان واحد وثابت بل يمكن إيجادها عبر البحث والتمتع في أماكن متعددة وتركز ايضا أن عظمة العلم حينما تقترن بعظمة الأخلاق ويعزز هذا في البيت الشعري:
ليس الجمال بأثوابٍ تزيننا إنَّ الجمال جمالُ الروح والادب
وقد ذهبت سطور هذه المسرحية ايضا إلى التنويه والتعرف على الحياة بواسطة العلم والتعلم المأخوذ من المدرسة والدرس العلمي والإستعانة بهذا العلم لنختبره في ما نعيشه ومانمارسه من حياة داخل المجتمع، كما تذهب أيضا إلى أنَّ الحُبَّ الكبير يتمثل بحب الأوطان والناس وحب الإنسانية جمعاء..