الدكتور يونس الوليدي: (الدكتور حسن المنيعي)… الباحث المسرحي

كلمة ألقاها د. يونس الوليدي بحفل تأبين المرحوم الدكتور حسن المنيعي، ضمن برنامج حفل الافتتاح لملتقى أرفود والرشيدية الدولي للمسرح مساء الأمس الخميس 22 ديسمبر الجاري بالمركب الثقافي أولاد الحاج بالرشيدية.

*************

لا يتوفر وصف.

 

يقول د. حسن المنيعي:”إنني لست ناقدا مسرحيا إنما قارئ/متفرج (…)، ومشروع تعاملي مع المسرح يظل محدودا وطموحا في نفس الوقت. إنه مشروع ينظر إلى الكتابة المسرحية في أبعد حدودها، أي في ما ينطوي عليه النص من إمكانيات فكرية وسينوغرافية،  وبالتالي فإن قراءتي له تحاول اليوم أن تقف على كمية حركيته الفنية وثقل تاريخه، وبعد “لعبويته”.الشيء الذي يجعلني أعالجه لا كنتاج أو كجوهر فحسب، وإنما كجسم متحول”.

وإذا تجاوزنا تواضع العالم هذا تبين لنا أن النص المسرحي احتل مكانة متميزة في المشروع النقدي للدكتور  حسن المنيعي. حيث يقول عن هذا النص:” إن النص كبنية هو العنصر الفاعل في  الحدث  المسرحي، لأنه يمتلك طاقة خاصة تكمن في الكلمات التي تقوم على تحريك الشخوص والأحداث لكي تصبح الفكرة المطروحة في النهاية حركة تتحقق عبر الإلقاء الذي يجد سنده في الإماءة”.

لقد قدم المنيعي للساحة المسرحية المغربية أهم الاتجاهات والنظريات التي عرفها المسرح الغربي بغية تعريف القارئ بأهم المستجدات التي يعرفها المسرح العالمي. وهكذا تحدث عن المسرح بفرنسا من خلال أهم المراحل التي مر بها منذ القرون الوسطى مرورا بعصر النهضة والقرن 18 ووصولا إلى العصر الحديث. وتناول المنيعي أيضا بالدراسة المسرح الأمريكي نظرا لكون أمركا عرفت حركة مسرحية جد متميزة، ولها خصوصياتها التي لا تخفى على المهتمين بالمسرح العالمي.

وهكذا قدم د. المنيعي أهم الاتجاهات التي بلورت العملية المسرحية بأمريكا وركز اهتمامه على أربعة اتجاهات: “مسرح الوقعة” و”مسرح الحي”و”المسرح المفتوح”، وأخيرا مسرح “الخبز والدمى”.

وقدم المنيعي في إطار الدراسات التي خصصها للمسرح الغربي أسماء لها وزنها داخل الحركة المسرحية العالمية، واستطاعت أن تغير توابث هذه الحركة. كما أنه ذكر أهم أعمالها المسرحية بغية استخلاص أهم المميزات التي تميز مسرحها. ومن بين الأسماء البارزة التي تعرض لها د. المنيعي نذكر:” برتولت بريشت”، و”جورج شحادة”، و”إدوارد ألبي”، و”جان جنيه”، و”يوري ليوبمون”، و”هارولند”.

لا يتوفر وصف.

كما اهتم د. حسن المنيعي بالحركة المسرحية العربية، حيث خصص للحديث عنها أكثر من كتاب. وهو في حديثه هذا يعالج أهم القضايا المرتبطة بالمسرح العربي كالتأسيس، والتأصيل والكشف عن الهوية، وغيرها  من القضايا التي اهتم بها النقاد والباحثون والدراميون في الوطن العربي محاولين تخليص المسرح العربي مما اعتبروه تبعية للمسرح الغربي، معتمدين على تقنيات لها خصوصياتها العربية المتميزة.

وقد وضح د. المنيعي هذه المحاولات عند كل من “توفيق الحكيم” التي تبني ظاهرة “المقلداتي” وعند “يوسف إدريس” الذي تبني ظاهرة “السامر” وعند “علي الراعي” الذي اقترح ظاهرة “الارتجال” وعند “سعد الله  ونوس” الذي نادى “بالتسييس” وعند “الطيب الصديقي” الذي اقترح “الفرجة الشعبية” وعند “عز الدين المدني” الذي “عصرن التراث”، وعند “عبد الكريم برشيد” الذي  تبنى “الاحتفال”.

ويرى د. المنيعي أن الأسباب التي حالت دون تحقيق الانفصال عن المسرح الغربي والتأصيل الكلي للمسرح العربي هي المشاكل التي يعرفها المسرح العربي وكذا موضعه من الثقافة الرسمية وتوقف الفنانين عن الإبداع وعن العمل المتواصل. وربط هذه العوائق بشروطها التاريخية، حيث أكد أنها انعكاس لتأزم الأوضاع السياسية والاجتماعية في البلدان العربية.

وقد دعا د.المنيعي إلى ضرورة الاستفادة من تقنيات المسرح الغربي وبلورتها في المسرح العربي لجعله أكثر اكتمالا ونضجا. واهتمام المنيعي بالحركة المسرحية العربية بصفة عامة ناتج عن عدم فصله بين قطر وآخر. فالمسرح العربي عموما يعمل على تأسيس وتأكيد هويته وحضوره سواء أكان مصريا أم عراقيا أم سوريا أم مغربيا.

وقد قدم د.المنيعي أيضا صورة واضحة عن الإبداع المسرحي المغربي وعن وضعيته الحالية، مع إبراز ممارسات لها حضورها ووزنها. هذا المسرح المغربي الذي يقول عنه: “إنه في حاجة إلى الرعاية المادية والتشجيع الأدبي، لأنه مسرح متطور رغم ما يعانيه من مشاكل هيكلية”.

وقد تابع د. المنيعي المسرح المغربي منذ السبعينات متابعة دقيقة قائمة على نقد بناء محاولا التعريف بهذا المسرح وبأشكاله وتطوراته. فكتابه (أبحاث في المسرح المغربي) يعد المصدر الأساسي لكل الباحثين والنقاد في دراستهم للمسرح المغربي. ففيه يقوم المنيعي بتأريخ للمسرح المغربي منذ إرهاصاته الأولى (كالبساط، والحلقة، وسلطان الطلبة، وسيدي الكتفي) إلى حدود السبعينات، مستعرضا أهم الأشواط التي مر بها في جانبه الاحترافي والهاوي. ومن أهم القضايا التي يهتم بها المنيعي في إطار دراسته للمسرح المغربي: التأسيس، والتأصيل، والتراث،التاريخ، ووضعية النقد، وعلاقة الهواة بالمحترفين. وعندما يدرس المنيعي جانب الفرجة في المسرح المغربي، فإنه يحيط بكل أبعادها من حيث الفضاء والممثل والأكسسوارات ولإخراج والجمهور.

وعندما عقد المنيعي مقارنة بين الهواة والمحترفين في المسرح المغربي، فإنه أقام هذه المقارنة على مستوى المضامين والتقنيات الفنية الموظفة في كلتا التجربتين.

وهكذا يرى د.المنيعي أن مساهمات الهواة كانت جد فعالة حيث تم استغلال التاريخ والأسطورة، وتقديم شخصيات تاريخية لتعيش في الحاضر. وقد ساهم الهواة ـ  حسب المنيعي ـ في تشكيل المسرح المغربي بإبداعاتهم الجادة وملاحقتهم لأهم القضايا ورفضهم للنص الذي يكرس الواقع، وتجاوزهم لمسرح ما قبل الستينات عن طريق طرح مواضيع جديدة وتقنيات حديثة كالارتجال ومشاركة الجمهور، واعتماد التجريب، إلا أنه رغم كل هذه المحاولات الجادة، فإن المسرح الهاوي لم يستطيع ـ حسب المنيعي ـ استقطاب جمهور كبير لأن هذا الأخير ما زالت ثقافته المسرحية لا تسمح له باستيعاب أعمال الهواة.

لا يتوفر وصف.

وفي المقابل بين المنيعي كيف أن المسرح الاحترافي يحظى بشعبية واسعة نظرا لمواضيعه الإجتماعية (كالزواج والطلاق والمرأة والأخلاق) التي عادة ما يطرحها بصورة مبتذلة لإضحاك الجمهور، ولا يتجاوزها إلى مواضيع جادة تعمل على تثقيف هذا الجمهور وتحسيسه بخطورة المشاكل التي يواجهها. كما يعتمد المسرح الاحترافي في تقديم عروضه على تقنيات فرجوية تقليدية.

وخصص د. المنيعي جانبا مهما من دراساته للحديث عن النقد المسرحي المغربي والأشواط التي قطعها. وهكذا يرى أنه كان في فترة الاحتلال انطباعيا ذاتيا لا يتعدى وصف المسرحية وصفا سطحيا مع تلخيص لها. وبعد الاستقلال ونتيجة للتحولات الثقافية التي عرفها المغرب أصبح النقد المسرحي يتناول النص والعرض المسرحيين بطرق جديدة تقوم على الاستفادة من مخزون الذاكرة التراثية واستخدام تقنيات غربية ملائمة. وبذلك حقق نوعا من التطور الذي ساهم في تشكيل خطاب مسرحي خصوصا في السبعينات. حيث ظهرت رغبة أكيدة في تحطيم القيود وتجاوز النظرة القديمة إلى المسرح المغربي.

وقدم د. المنيعي في كتابه (هنا المسرح العربي هنا بعض تجلياته) ورقة تعريف مؤقتة حول النقد المسرحي المغربي والنقاد المغاربة بصفة عامة لكن هذا التعريف لم يكتمل إلا في كتابه (المسرح المغربي من التأسيس إلى صناعة الفرجة). حيث نجده يؤكد أن النقد المسرحي المغربي قد استفاد من علوم عديدة (تاريخية واجتماعية وسيميائية وشعرية وفلسفية….) كما استفاد من تقنيات غربية (كالمسرح الملحمي، ومسرح آرتو) مما ساعد على تكوين مصطلحات ومفاهيم جديدة، وإغناء الساحة المسرحية المغربية بدراسات جادة.

ويمكننا في نهاية الأمر أن نشير من خلال الملاحظات الآتية إلى بعض تجليات المشروع النقدي للدكتور حسن المنيعي:

1 ـ إن الدراسات النقدية لحسن المنيعي سايرت باستمرار كل الممارسات والاتجاهات المسرحية سواء كانت مغربية أو عربية أو غربية وهذا ما جعل مشروعه النقدي متجددا ومتطورا.

2 ـ تشكل جميع كتبه حلقة متسلسلة ومتواصلة يطبعها الكثير من الانسجام والتكامل هدفها تحقيق ثقافة مسرحية موسوعية يرتبط فيها النظري بالتطبيقي، والنص بالعرض، والمحلي بالإقليمي والعالمي.

3 ـ غلبة المنهج التاريخي على مجموعة من دراسات د. المنيعي إذ أنه عمل جاهدا على دراسة بداية كل اتجاه مسرحي والبحث عن جذوره وإرهاصاته الأولى، وتتبع الخطوات التي قطعها أو معرفة التطورات التي مسته أو التراجع الذي عرفه. ويربط كل هذا بالشروط التاريخية والسياسية والاجتماعية والفكرية الممهدة أو المصاحبة لهذا الاتجاه.

4 ـ يعتبر الدكتور حسن المنيعي من أوائل من درس الترجمة في الجامعة المغربية، حيث درس هذه المادة ابتداء من سنة 1965

5 ـ يعتبر الدكتور حسن المنيعي من أوائل من درس المسرح في الجامعة المغربية، حيث درس هذه المادة ابتداء من سنة 1967

6 ـ ما من شك في أن هدفه في هذه المراحل الأولى كان هو ملء الفراغ الموجود آنذاك في الساحة الجامعية فيما يتعلق بهاتين المادتين، غير أنه من المؤكد أيضا أنه أحس بعد مرحلة ملء الفراغ بأنه آن الأوان للمرور إلى مرحلة تعميق المعارف والاطلاع بعمق على الأصول إما عن طريقة الكتابة عنها أو عن طريق ترجمتها ووضعها بين يدي القارئ سواء كان قارئا عاديا أو قارئا متخصصا.

7 ـ لقد كان الهدف من وضع الترجمة في خدمة المسرح، ووضع المسرح بين يدي طلبة الجامعة منذ السبعينيات هو المساهمة في خلق نقد مسرحي مغربي وتطويره حتى يصبح عارفا بالنظريات المسرحية الغربية، ومستفيدا من المناهج النقدية الحديثة في مجال المسرح سواء التي قامت على منظور إيديولوجي أو منظور لسني بنيوي أو منظور سميولوجي.

8 ـ لقد تنبه الدكتور حسن المنيعي إلى الوضعية الصعبة التي كان يعيشها النقد المسرحي المغربي لغياب تراكم النصوص المسرحية المنشورة، ولغياب أو تعثر المجلات المسرحية المتخصصة، ولضيق الحيز الذي تخصصه الجرائد للنقد المسرحي، فأمن بأن تطور النقد المسرحي المغربي ـ في انتظار تغير هذه الظروف ـ رهين بالبحث الجامعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت