بالمغرب: محطات من اليوم الثاني من فعاليات ملتقى أرفود والرشيدية الدولي للمسرح/ بشرى عمور
تتواصل لليوم الثاني فعاليات ملتقى أرفود والرشيدية الدولي للمسرح، حيث عرفت الفترة الصباحية تنظيم ندوة علمية: “أثر غياب التربية الفنية في المؤسسات التعليمية” من تسيير الأستاذ رضوان بديار ومشاركة كل من: ذ. مولاي إدريس الغرفي الحسني، د.نزهة حيكون، ود. عبد الفتاح أبطاني.
في البداية تناول (رضوان بديار) في مداخلته دور محور الندوة في هذا الملتقى، وأسباب الاختيار أهمية الموضوع التي تتجلى في إعادة التشخيص، واقتراح توصيات أكثر فعالية في تنزيل فلسفة الجهات الوصية على قطاع التربية التعليم.
ليتطرق ( ذ. مولاي إدريس الغرفي الحسني) في مداخلته التي حملت عنوان: “الجمالي والتربوي في الكتاب المدرسي، مقاربة جمالية وسيميائية لكتاب الرائد في اللغة العربية نموذجا” والتي تناول فيها مجموعة من النقط: تشخيص الموضوع من خلال الكتاب المدرسي مضمونا لا شكلا، والوقوف على مجموعة إشكالات ينطوي عليها الكتاب: كالغلافن والصور والهوامش والخطوط…. ليخرج المتدخل بنتيجة مفادها، إغراق المدرسة بما هو تقني وتغييب الجانب الإبداعي الجمالي عند المتعلم، ومقاربة النص داخل الكتاب المدرسي سيميائيا. ليعرج في نهاية بحثه على بعض التوصيات أبرزها التركيز على تجويد الكتب المدرسية جماليا و فنيا.
بينما اثارت الدكتور نزهة حيكون في مداخلتها الموسومة ب:” التربية الفنية ومداخل مناهج التربية والتعليم” فستهلتها بطرح بعض الإشكالات من قبيل : ما حاجتنا إلى الفن؟ ما حاجة المؤسسات إلى التربية الفنية؟. لتعرج اعلى إعطاء بعض صفات الفن والفنان. والإقرار بأن لا تربية بدون فن، ولا فن بدون تربية، ثم قامت بتحديد مدخلات منهاج التربية الوطنية: القيم الاختيار المقاربة بالكفايات، ثم ربطت الحديث عن هذه المداخل بالحديث عن الفن لتنتقل بعد ذلك إلى تحديد القصد والغاية من تدريس التربية الفنية: كتنمية الحس الجمالي عند المتعلم وإكساب القدرة على الحكم الجمالي وإكتساب قيم الاحترام، والاختلاف، وتقبل الآخر. كما قدمت النموذج التونسي كتجربة رائدة في هذا المجال في الوطن العربي من شأن التربية الفنية داخل المؤسسات التعليمية إن توفرت لها الشروط الموضوعية أن تجعل من المتعلم يحيى حياة فنية وأن يكتشف مواهبه مبكرا لتتيح له فرصة التعبير وتأكيد الذات.
وجاءت المداخلة الأخيرة وهي للدكتور عبد الفتاح أبطاني، الذي انطلق من تشخيص الوضع الراهن بتساؤل مستفز حول الحضور والغياب وتقلبات الفرد والجماعة في غياهب الغياب الذي صار مألوفا عندنا لينتقل إلى تعداد صفات الفن والفنانين، وإعطاء تعاريف لمفهوم التربية الفنية، ليحدد بعد ذلك ما ينبغي مراعاته في التخطيط للتربية: كالتركيز على تلقي التربية الفنية في سن مبكرة لما لها من نتائج طيبة على المتعلم. أهم المجالات التي ينبغي إعطاءها الأولوية: الفنون الموسيقية، الفنون المسرحية الفنون البصرية الرسم، التصوير، النحت وهي فنون تأدي إلى التمكن من مجموعة من الكفايات القادرة على بنائه. كما قام بتحديد مجموعة من الآثار الإيجابية على المتعلم داخل حقل التربية الفنية: القدرة على الملاحظة المحاولات الدائمة لحل المشكلات إكسابه خيال قادر على الإبداع الجميل لفك وتركيب الألعاب حبه للعلاقات الاجتماعية والمحيط رفضه للتبعية ومدى قابليته لتحمل المسؤولية.
بينما شمل برنامج المساء على حفلين توقيع، الأول لرواية:”عمر الغريب” للروائية (سلمى مختار أمانة الله). اما ثاني فكان لمجموعة كتب: “منطق السقائين”،و”مدينة العصافير” ومسرحية:”الرامود” للكاتب المسرحي (المسكيني الصغير).
وبخصوص رواية:”عمر الغريب” على حسب ما جاء في مقدمتها:
” يستيقظ الدكتور عمر الغريب ذات صباح من صباحات الصيف القائضة على مشهد مروع، لم يكن ليتصور حدوثه حتى في أشد كوابيسه هلعا. يرى انعكاسه داخل المرآة الضخمة المتبثة على جدار بمدخل شقته الفخمة، تحاصر زواياها جثته الملقاة على الأرض وهي غارقة في دم خاتر. مأخوذا بهول الصدمة، يراقب روحه وهي تتنصل بخفة من جسد فقد قدرته على الحركة والنطق، لتجوب بنا محطات عمر مغبون أطفأته طلقة رصاصة لم تخطئه. تنساب الصور بسرعة أمام شاشة ذاكرة مترامية الأبعاد. يلهث السارد خلفها في محاولة يائسة لجمع شتات سنين متراكمة مرت أمامه كأنها جزء من ثانية. يقلب صفحاتها المتداخلة. ينقب بدقة في كل تفاصيلها لعله يمسك باليد القاسية التي صوبت نحو قلبه كل هذا الموت الجائر…
خلال رحلته الغير قصيرة تلك، يغرقنا السارد حينا في قتامة طفولة بئيسة عاشها مهمش الوجود، مهشم الشعور والإحساس. ولادة غير مكتملة نجا فيها الجسد وبقيت النفس خدجا بلا حاضنة. كما يحدث أن ينتشلنا أحيانا أخرى وبنفس القوة والقدرة على الوصف يحلق بنا في سماء أحلام صبغت واقعه الحالي بألوانها الوردية. سطوة ومكانة مرموقة بلغها بعد مسيرة من الأعطاب والإخفاقات…
في رواية عمر الغريب نسافر مع السارد داخل تلك المسالك الوعرة للنفس البشرية، حكي تتعرى فيه الذات من كل هواجسها ومخاوفها السابقة بعد أن حررها الموت وأطلق أخيرا عنان لسانها. رحلة شاقة ومضنية تنطلق مع الطفل الذي ولد لأبوين مجهولين. طفل متخلى عنه بلا أوراق هوية . لم يسقى كغيره من الصغار برحيق الحب في الوقت الذي لم يكن يحتاج فيه لغير الحب. لم يرضع في المقابل غير المهانة والإهمال والكر . تقاذفته الأماكن والأحداث والأشخاص لينتهي به المطاف ضحية جريمة قتل وليظل السؤال المسنّن عالقا كشوكة في حلق السارد وعلى مدار صفحات الحكي:- من قتلني؟ من قتلني؟… ·
مسرح الجريمة الذي يشكل الفضاء الثابت لرواية عمر الغريب لم تتهاون الكاتبة في مده بخلفيات متحركة زمانيا ومكانيا شكلتها من مجموعة من الأحداث التاريخية والمتغيرات الإجتماعية والسياسية التي عرفها مغرب ما بعد الاستقلال. بوعي واضح من الكاتبة بأهمية الكتابة الروائية ودورها الفعال في تشكيل الوعي الجماعي داخل مجتمع ما والمساهمة في خلق تلك الدينماكية الفكرية التي نحتاجها لتحريك عجلة نمو بلد ما. حضرت اللغة أيضا كعنصر قوي تكرس قناعة الكاتبة بجدوى اللغة باعتبارها جزء لا يتجزأ من الكتابة الإبداعية..”