كتاب الخميس (الحلقة الرابعة والثلاثون)/ عرض و قراءة: د. السر السيد
*****************************
– على سبيل التقديم والعرض –
هذا الكتاب:
يتكون الكتاب من اربعة ابواب ويشتمل الباب الاول والذى جاء بعنوان تمهيد تاريخى للمسرح السودانى على معلومات واراء حول المسرح المدرسى والفرق المسرحية والجاليات وفرقة نادى الخريجين وفرق المدن الاقليمية ونشات الفرق المسرحية والنقد المسرحى. اما الباب الثانى والذى جاء بعنوان المسرح السودانى الفصيح فيتكون من فصلين فى الفصل الاول قدم المؤلف تمهيدا للمسرح التاريخى ثم ناقش عددا من المسرحيات السودانية التى استندت على التاريخ العربى الاسلامى كمسرحية نكبة البرامكة لبروفسور عبدالله الطيب وغيرها ثم ناقش عددا من المسرحيات السودانية التى استندت على التاريخ السودانى الحديث كمسرحية ودارت الرحى ل بشرى امين ومسرحية ريش النعام للدكتور خالد المبارك وكذلك ناقش عددا من المسرحيات السودانية المستقاة من التاريخ الافؤيقى كمسرحية سولارا احزان افريقيا للشاعر السودانى محمد مفتاح الفيتورى ومسرحية نهاية لميرغنى عبدالرحمن. اما فى المسرحيات السودانية المستقاة من التاريخ الفرعونى فقد ناقش المؤلف مسرحية الفلاح الفصيح للكاتب السودانى احمد بابكر موسى. وفى الفصل الثانى من هذ الباب والذى جاء بعنوان المسرح الاجتماعى وقضاياه المختلفة فقد ناقش الكاتب ملامسة المسرح السودانى لقضايا المراة وحريتها ولقضايا السياسة ولقضايا الاخلاق والسلوك ويجدر بى ان اشير هنا الى ان الكاتب قد استطاع ان يبرز وبعمق كبير وبدراية فائقة كيف ان المسرح السودانى استطاع ان يعير عن قضايا المراة بل يجعلها موضوعا مركزيا يسم مراحل تطوره المختلفة وفى هذا الجانب تعرض لمسرحيات ليست معروفة عند غالبية الناشطين المسرحيين كمسرحية القتل العمد لفؤاد عبدالعظيم ومسرحية فتاة الاتحاد للطيب نورالدائم وفى قضايا السياسة تعرض لمسرحية احسن من الجنة لمبارك ازرق وهى ايضا ليست معروفة عند الغالبية، اما فى قضايا الاخلاق والسلوك فقد تعرض لمسرحية سر المهنة لمحمد احمد محجوب والتى يعتبرها الكاتب اول مسرحية سودانية كتبت فى لغة نثرية فصيحة وهى فرضية لم يسبقه عليها احد.
فى الباب الثالث من الكتاب والذى جاء بعنوان المسرح السودانى الشعبى ناقش الكاتب فى الفصل الاول والذى جاء بعنوان المسرح الشعرى التاريخى..ناقش بشئ من التفصيل مسرحية مصرع تاجوج ومسرحية خراب سوبا لخالد ابوالروس ومسرحية المك نمر لابراهيم العبادى اما فى الفصل الثانى فى نفس الباب والذى جاء بعنوان المسرح النثرى فقد ناقش تحت ما اطلق عليه الكاتب المسرح النثرى الجاد مسرحية خطوبة سهير لحمدنا الله عبدالقادر ومسرحية على عينك يا تاجر لبدرالدين هاشم كما تعرض فى سياق ما اطلق عليه المسرح النثرى الكوميدى”الفكاهى” لتجارب رموز هذا التيار ولشخصياتهم النمطية التى ابتكروها فقد تعرض لعثمان حميده ولشخصيته “تور الجر” وتعرض للفاضل سعيد ولشخصياته”بت قضيم والعجب وكرتوب” وتعرض لمحمود سراج وشخصيته”ابوقبورة”.
فى خاتمة الكتاب/البحث اشار الكاتب الى انه حاول فى هذه الدراسة ان يرسم صورة للمسرح السودانى شكلا وموضوعا وقد فعل اما الى اى مدى وكيف؟ فهذا اجابته عندك عندما تتقبل دعوتى لقراءة هذا الكتاب.
الكتاب…ملاحظات عامة:
أولا: نشير الى ان هذا الكتاب كان فى الاصل بحثا تقدم به المؤلف لنيل درجة الماجستير فى جامعة القاهرة وقد اشرفت عليه الدكتورة سهير القلماوى وكان ذلك فى العام 1976.
ثانيا: نشير الى ان القارئ المطلع على مسيرة المسرح السودانى وتطوره سيكتشف منذ الوهلة الاولى الخسارة التى خسرها المسرح السودانى جراء تأخر نشر هذا الكتاب او هذا البحث حيث انه كان سيشكل اساسا ومنطلقا للدراسات التى ستأتى بعده خاصة وان هذا الكتاب والى حد كبير استطاع ان يلملم وفى ذلك الوقت المبكر المعلومات الاساسية حول نشأة وتطور المسرح السودانى المنثورة فى طيات الكثير من الكتب والمجلات والمخطوطات والتى لازالت متداولة بين دارسى المسرح فى السودان ككتاب تاريخ حياتى للشيخ بابكر بدرى وكتاب المسرح فى السودان للاستاذ عثمان النصيرى وكتاب ملامح من المجتمع السودانى للاستاذ حسن نجيلة ومجلة الفجر ومجلة الإذاعة والتلفزيون ومجلة النهضة ومخطوطات بحوث طلاب معهد الموسيقى والمسرح (كلية الموسيقى والدراما-جامعة السودان ) حاليا… وفى هذا الصدد يقول مؤلف الكتاب فى صفحة 7 ( …فما زال معظم هذا التراث –يقصد تراث المسرح السودانى- مغمورا ومبعثرا لدى الافراد والجماعات والفرق ثم ان ما نشر منه كان قليلا جدا وهو بالتالى مازال فى حالة من البعثرة اذ اننا لا نجد فهارس تعرف بما نشر منه او توضح متى نشر وأين ؟)…اقول ان تأخر نشر الكتاب لمدة 36 عاما ثم نشره فى العام 2012 دون الاشارة الى تاريخ اعداده فى مقدمة المؤلف ولا فى كلمة الناشر اضافة الى ما ترتب عليه من خسارة اى هذا التأخر فى حقل الدراسات المسرحية السودانية كما اشرنا فانه يشوش ايضا ومن دون قصد على القارئ غير المطلع على الانتاج النظرى فى المسرح السودانى توثيقا كان ام تحليليا الذى انتج بعد اعداد البحث عام 76 وقبل صدور البحث فى كتاب عام 2012 خاصة وان الكاتب يقول فى صفحة 8 وهو يصف بحثه ( وبعد فنحن لا ندعى لهذا البحث الكمال او شيئا من ذلك واضعين فى بالنا حداثة تجربتنا فى ميدان البحث ناظرين الى صعوبة الموضوع وجدته فهو موضوع “لم يطرقه قلم باحث من قبل” حتى يضع امامنا علامات على الطريق تضمن لنا عدم التيه او الزلل) هذا الوصف للكتاب/ البحث الذى بين ايدينا وبالرغم من انه يعبر بصدق عن وضعية البحث المسرحى فى ذلك الوقت وعن ما يعانيه الباحث من غياب لعلامات الطريق الا انه يجعل البحث يفقد بعضا من قيمته وقوته عند قراءته بعد 36 عاما..يفقدها اولا لانه لم يشكل علامة تضئ الطريق لأنه لم ينشر فى وقته ويفقدها ثانيا لان الفترة من 1976–تاريخ اعداده الى 2012 تاريخ نشره فى كتاب لم تكن مثل الفترة قبل 76 التى شكلت المجال الذى تحرك فيه البحث فقد شهدت هذه الفترة فى مجالات البحث والدراسات المسرحية انجاز العديد من رسائل الماجستير والد كتوراة ونشر العديد من الكتب الى غطت مراحل المسرح السودانى المختلفة وتناولت قضاياه وموضوعاته واتجاهاته واهم رموزه فى التأليف والإخراج والتمثيل ويكفى ان نذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر كتاب “الحركة فى السودان 1967 الى 1978” لسعد يوسف وعثمان على الفكى وهو كتاب يوثق ويحلل المسرحيات التى قدمت على خشبة المسرح القومى ضمن مواسمه من 67 الى 78 ونذكر ايضا رسالة الدكتوراه حول “المسرح الشعرى فى السودان” التى انجزها الدكتور شمس الدين يونس و التى تناول فيها تحديدا مسرحية مصرع تاجوج لخالد ابوالروس ومسرحية المك نمر للعبادى ورسالة الماجستير التى اعدتها الاستاذة هبة صالح حول “مسرح هاشم صديق” ورسالة الماجستير التى اعدها بروفسور سعد يوسف والتى صدرت فى كتاب وكانت بعنوان “الاخراج المسرحى بين الفاضل سعيد ومكى سنادة” وقد عنت بفن الاخراج عند كل منهما تطبيقا على اعمالهما فى الفترة من 67 الى 1987 وقس على ذلك حيث ان هناك الكثير من الرسائل الجامعية الى تناولت قضايا المسرح السودانى بما فيها نشأته وتطوره اما فى الكتب فيكفى ان نذكر كتاب الدكتور عزالدين هلالى “سوسولوجيا المسرح فى السودان” وكتاب بروفسور عثمان جمال الدين “دراسات فى كتاب الطبقات” الذى تناول فيه مسرحية حصان البياحة ليوسف عيدابى ومسرحية ريش النعام لخالد المبارك باحثا عن كيف ان المسرح السودانى استقى من كتاب الطبقات وكذلك كتابه “الفلكلور والمسرح السودانى” الذى تناول فيه استفادة المسرح السودانى من الموروث الثقافى الشعبى وذكر وتناول بالعرض والتحليل عددا من المسرحيات التى استندت على هذا الارث ومن الكتب نذكر ايضا كتاب “المسرح السودانى- مقاربات الانا والآخر” للدكتور فضل احمد عبدالله و كان من ضمن ما تناوله الكاتب فى هذا الكتاب ومن خلال العنوان “المسرح السودانى الحديث” المسرح المدرسى ومسرح الاندية والجمعيات الادبية ومسرح الجاليات وفى عنوان اخر فى نفس الكتاب تناول مسرح بخت الرضا ولك ان تلاحظ هنا ان كل ما ذكرته انفا لا يمثل كل الانتاج النظرى الذى تم انجازه بعد 76 فهناك العديد من البحوث والرسائل الجامعية والكتب الى تناولت المسرح السودانى بتصنيفاته واتجاهاته واشكاله المختلفة وفقا للمصطلحات النقدية السائدة فبلا معاناة تستطيع ان تجد باحثا تناول تيار الكوميديا فى المسرح السودانى وبلا معاناة تجد باحثا تناول المسرح الاجتماعى وبلا معاناة تجد باحثا تناول المسرح التاريخى بل بلا معاناة تجد عددا من الباحثين كتبوا عن تجارب كتاب ومخرجين بل وممثلين سودانيين …كل هذا وغيره يحضر وأنت تقرأ هذا الكتاب (الادب المسرحى فى السودان) نشأته وتطوره ) ..وحيث هنا يتبدى ان ما قصدته من ايراد هذه الشواهد هو ان تأخر نشر هذا الكتاب / البحث وإغفال الاشارة الى تاريخ اعداده ثم عدم العمل على اعداده بطريقة تراعى تاريخ نشره افقده بعضا من ريادته كما حجب نوعا ما اضافاته النوعية خاصة عند الناشطين المسرحيين السودانيين بسبب وحيد هو ان البحث فى حقل المسرح قد تطور كثيرا بعد 76 وهذا بالضرورة سيحدد ويشكل موقع قراءة الكتاب الان و ليس عام 76 او حتى عام 80 ولعل هذا ان اكد على شئ انما يؤكد على مأساة الكاتب ومأساة القارئ السودانيين ليس هنا فقط وانما فى كتب ودراسات اخرى فهل هناك من مأساة اكبر من الا يرى مؤلفك النور على ما يحمله من قيمة فكرية وتاريخية وريادة الا بعد 36 عاما وهل هناك مأساة اكبر من ان يحرم قارئ او باحث من كتاب رائد فى مجال المسرح السودانى توثيقا وتحليلا بل يحرم من كتاب يمثل الرسالة الجامعية الاولى فى المسرح السودانى على ارجح الاقوال هو فى امس الحاجة اليه لمدة 36 عاما..انها حقا مأساة.
ثالثا: مما تميز به هذا الكتاب ومما لم يسبقه فيه او حتى ياتى بعده على حد علمى بحث او دراسة هو ايراد عددا من المسرحيات مع التحقيق والتحليل لم تكن معروفة عند الناشطين المسرحيين لذلك لم توطن فى ذاكرة المسرح السودانى السائدة كمسرحية “الانسة الجديدة” ل احمد محمد السنوسى ومسرحية “الفلاح الفصيح” ومسرحية “ارينب بنت اسحاق” ل بابكر احمد موسى ومسرحية “ودارت الرحى” ومسرحية “سقاة الارض” ل بشرى امين ومسرحية “الجحود” ل السيد الفيل ومسرحية “فتاة الاتحاد” ل الطيب نور الدائم ومسرحية “القتل العمد” ومسرحية “اعزب” ومسرحية “المنكوب” ومسرحية “بعد المشاط” ومسرحية “ملحمة القنال: ل فؤاد عبد العظيم ومسرحية “المائدة الحمراء” ل الطاهر عبدالكريم ومسرحية “نهاية” ل ميرغنى عبد الرحمن ومسرحية “سر المهنة” ل محمد احمد محجوب ومسرحية “احسن من الجنة” ل مبارك ازرق ومسرحية “احمد” للشاعر السودانى حسن عزت ومسرحية “المهدى” ل نجيب حداد (عن المهدى السودانى)… ها انت عزيزى القارئ ترى هذا الجهد الكبير الذى بذله الكتاب وهو ينقب فى الصحف ودور النشر والذى لولاه كانت هذه المسرحيات على اهميتها تحديدا فيما تناولته من قضايا نسيا منسيا.
رابعا: الكتاب/البحث -وربما بسبب تخصص الكاتب واشتغاله بالادب- وهو يبحث فى الادب المسرحى (فى علاقات النص دون انشغال بعلاقات العرض) يظهر ولو بشكل خفى انحياز الكاتب للغة الفصحى وانحيازه الى المتخصصين فى الادب من كليات الاداب ..يقول الكاتب فى ص 50 ) وعلى كل فالحركة المسرحية فى السودان فى حاجة الى اعتراف الجامعات وكليات الاداب بها كلون من الوان الادب ومن ثم يمكن ان تسهم فى دفع ورقى المسرح فى السودان على اسس ثابتة ومتينة).. اقول وربما بسبب هذه القناعة وصف الكاتب وبشكل من التعميمية الكثير من النصوص خاصة المكتوب منها بالعامية بالضعف كما وصف النقد فى غضون فترة الستينيات بالسطحية وعدم الجدية وانه نقد يميل الى مناقشة الشكليات فى العمل الفنى بل وصلت به الثقة ان يقول فى ص 49 وص 50 “ان هذه الكتابات النقدية تدل فى بعض الاحيان على جهل كاتبها بفن المسرح جملة وتفصيلا ” دون ان يذكر اسما واحدا من اولئك النقاد وربما بسبب هذه القناعة فات عليه ايضا ان ادبية النص المسرحى على اهميتها تاخذ موقعها ضمن علامات العرض الموجودة فيه والتى تحددها بنية العرض وعلاقاته فالنص قبل وجوده فى سياق العرض شئ وبعد وجوده شئ اخر بحيث ان ناقد الادب اذا لم يكن ملما بعلوم العرض المسرحى لايمكنه تقديم قراءة مسرحية للنص الادبى الذى يعبر عنه العرض ويعبر به فى نفس الوقت.
خامسا: من اشراقات هذا الكتاب/البحث افراده مساحة مقدرة للتعريف بعدد كبير من المسرحيات السودانية عرضا وتحليلا يمكنان القارئ خاصة غير السودانى والسودانى غير المختص من الالمام بمعلومات غاية فى الاهمية عن التاليف المسرحى السودانى باللغة الفصيحة او العامية /فى المسرح النثرى او المسرح الشعرى/فى المسرح الكوميدى او غير الكوميدى/فى المسرحيات التى استمدت موضوعاتها من التاريخ او تلك التى استمدت موضوعاتها من الواقع المعيش مما يعنى فى الاخير الالمام ولو بخارطة عامة للموضوعات التى ناقشها المسرح السودانى منذ نشأته الى العام 76 وهذه لعمرى قيمة كبيرة تحسب للكتاب.
سادسا واخيرا: الكتاب/البحث عبر ايراده للكثير من المراجع والمصادر والتى لم يكن الكثير منها معروفا عند الباحثين فى المسرح السودانى اتاح للبحث المسرحى السودانى مجالات جديدة للدراسات خاصة دراسة النصوص التى لم تكن معروفة اصلا دعك من معرفة اين نشرت ومتى ؟