سفينة عجائبية، اسمها سفينة الألف كاتب مسرحي للطفل (الحلقة الثانية)/ عقيل عبد الله
في باكورة انطلاقة الموسم الثاني لمشروع الألف كاتب مسرحي للطفل في العراق، وبعد أن كتبت عن جمال خارطة الرحلة الأولى، ينبغي أن نتوقّف عند بعض المحطّات، لنشير إلى ملاحظاتٍ بسيطة، لا تعدو أن تكون آراء شخصية، قد تخطئ وقد تصيب. فإذا أخطأتُ فأعتذر، وإن أصبتُ فقد تنفع هذه الملاحظات..
- في بداية كلّ رحلة لا أجمل من التزوّد بتجارب رحلات الروّاد، من كبار الكتّاب في مسرح الطفل، وقراءة نصوصهم. إن تهيئة بعض النصوص لكبار الكتّاب، وبخاصة الفائزين بالجوائز الأولى لنصوص مسرح الطفل ضمن الهيئة العربية للمسرح، ولو بشكل إليكتروني، من الأهمية بمكان، لصقل مهارة الكاتب.
- تفتقر المكتبة العربية بشكلٍ واضح للنصوص المسرحية المترجمة ما يتعلّق بالطفل، وأعني بالنصوص المترجمة مؤلفات كبار كتّاب هذا المجال من مختلف أنحاء الدنيا، للتزوّد بتجارب الكتاب من أنحاء العالم، لكي لا ينقطع الكاتب العربي، والعراقي خصوصًا عمّا يجري في العالم، لاسيما أن قضايا الطفولة تتشابه في الكثير منها وإن اختلفت الدول. إنّ التصدّي لهذا الأمر هو تصدّ نوعي، إذ أن دور النشر لا تضع في حسبانها ترجمة مثل هكذا نوع من النصوص نظرًا لندرة المهتمين به، بسبب احترافيتهم ونوعيتهم.
- يُطلب من المتقدّمين في الورشة، كتابة نص مسرحي مستوحىً من كتابين تراثيين، مهمين، هما: كليلة ودمنة، وألف ليلة وليلة. ولعلّ المتداول أن الكتابين خاصان بالأطفال، وهو الأمر الخاطئ تمامًا، إذ كليلة ودمنة كتابٌ غاية في الفلسفة، والتلميح لمبادئ سياسية عالية المستوى بالنسبة للكبار، فضلا عن الصغار، أما ألف ليلة وليلة، فهو مؤلّف مملوء بالخطوط الحمر، التي لا يمكن بحال من الأحوال تعريف الأطفال بها. والقارئ للكتابين -وليس المطلّع على المتداول عنهما- يفهم قصدي جيدًا. أما البديل، ففي ظنّي أن أحسن بديل عن الكتب الملهمة، هو ترك كلّ كاتب ليستلهم من تجاربه الشخصية في طفولته، أو تجارب أطفال سمع عنها، وبذلك نكون حصلنا على نصّ معاصر، لتجربة حقيقية. أو الاقتباس من قصص مصوّرة للأطفال، بعد الاستئذان من مؤلفيها.
- يُدرّس في الورشة أساتذة محترفون في فن المسرح، وهم قامات علمية يُشار لها بالبنان، ولكن الأجمل لو تم تطعيم الهيئة التدريبية بكتّاب للطفل، لهم تجارب حقيقية في الكتابة للطفل، وليس شرطًا أن تكون الكتابة المسرحية. إنّ توجّه العتبة الحسينية نحو كليّات الفنون الجميلة، قسم المسرح أمرٌ له ما يبرّره، مادمنا في ساحة المسرح، ولكن الكتابة للمسرح تحتاج قلم أديب، أكثر منها قلم فنان مسرحي. إن جُلّ ما قدّم من نصوص مسرحية في العالم كلّه هو نتاج الأدباء، فيتلقاها المسرحيون أجمل تلّقٍ. وهذه الخلطة بين الأدب والفن هو ما أنتج كبريات العروض المسرحية العالمية. وليست الكتابة المسرحية للطفل بدعًا عن هذا الخليط الإبداعي.
- أخيرًا، فإن الكتابة المسرحية في الوطن العربي، عموما، تحتاج لإبداع الدراماتورج، والدور الذي نحتاجه له هنا، في رأيي الشخصي، بأن يكون حلقة الوصل بين الكتّاب للطفل، كتّاب القصص التي تُنتج يوميًا بالعشرات، قصص مصورة عالية المستوى، وعالم المسرح.
هؤلاء الأدباء لم يقترح عليهم أحد الكتابة لمسرح الطفل. ولم يدر بخلد أحدهم الكتابة في هذا المجال. إن أدباء لهم باعٌ وخبرة وتجربة احترافية في الكتابة للطفل، لكن في مجال غير الكتابة المسرحية، لجديرون بأن تنتبه لهم المشاريع الكتابية العملاقة مثل مشروع الألف كاتب مسرحي للطفل، الحاجة ماسّة لحلقة وصل بين عالم المسرح، وعالم أدب الطفل، وبين أدوارٍ عديدة للدراماتورج، فإنّنا ننتظر منه دوره هذا، لنقدّم للطفل عروضًا احترافية قد تصل للعالمية، تليق بعالمه الملائكي البريء.
هذه إشارات بسيطة لكاتبٍ مرّ بالتجربة الرائعة لمشروع الألف كاتب، وهي ليست في مجال النقد إطلاقًا، فالمشروع غاية في التكامل، والجمال، والإبداع. ولكن المشروع بالنسبة لي، في غاية الأهمية وأشعر بالارتباط معه روحًا وقالبًا، ولهذا أقدم الملاحظات الشخصية هذه.
كل الامتنان والتقدير لهذه التجربة الرائدة في الوطن العربي عمومًا، والعراق خصوصًا.
*عقيل عبدالله
aqeelasd34@gmail.com