عن وزارة الثقافة / الهيئة العامة السورية للكتاب، صدرَ مؤخرا للباحثِ الأكاديمي والناقد المسرحي السوري (جوان جان) كتابا يحمل عنوان: ” الفصل الرابع… “رؤى مسرحية”” الذي يعد جزءاً ثالثاً من كتابيه (ما وراء الستار/ 2000م)، و(مسرح بلا كواليس/ 2006م)، وهو من الحجم الكبير يقع في 287 صفحة وزعت ما بين مقدمة وثلاثة فصول:
الفصل الأول: قضايا وآراء.
الفصل الثاني: تجارب ورؤى في المسرح السوري .
الفصل الثالث: نوافذ على المسرح العربي .
وأشار (جوان جان) في مقدمة كتابه إلى : ” ارتبطت نشأةُ المسرح في بلادنا بالجانب الفكري مثلما ارتبطت بالجانب الفني، فتجربة رائد المسرح السوري والعربي أحمد أبو خليل القباني لم تكن مجرد اجتهاد على صعيد فنون الأداء والموسيقا والغناء والرقص والدراما بل وعلى صعيد المضمون أيضاً، ما يعني أن القباني كان مدركاً للدور الذي ينبغي على المسرح أن يلعبه لجهة التركيز على زيادة كمية الوعي عند الإنسان السوري في ذلك الحين، لذلك كان من الطبيعي أن توجد تيارات داخل المجتمع تقف ضد تجربته وتجهضها، وهي تيارات ذات فكر منغلق ومحدود، هدفها السيطرة على عقول الناس واستلابهم فكرياً بما يتيح لها بسط نفوذها على مجمل الحياة الاجتماعية في سورية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومنذ ذلك الوقت كان على المسرح السوري أن يعاني من وطأة سيطرة الفكر الظلامي على مفاصل الحياة اليومية، لذلك وجد المسرحيون السوريون أنفسهم ومنذ عقد السبعينيات من القرن الفائت أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الانكفاء على الذات والاكتفاء بأعمال مسرحية ترضي الذائقة الفنية للغالبية العظمى من المشاهدين دون الالتفات للجانب الفكري إرضاءً للقوى التي تحاول فرض هيمنتها الفكرية، أو الوقوف سداً منيعاً في وجه محاولات التدجين التي مارستها وما زالت تمارسها هذه القوى.. ومن هنا ظهرت تجارب مسرحية رائدة على صعيد النص المسرحي تحديداً حاولت أن ترتقي بفكر الإنسان وسلوكه، وتعزز انتماءه للمكان بما هو إرث ثقافي وحضاري.. واليوم تبدو الحاجة مضاعفة لتكريس هذه التجارب لأن التحديات الماثلة أمامنا أكثر شراسة وأشد قدرة على الفتك بما تبقى من إرثنا الحضاري والأخلاقي.
ومما لا شك فيه أن المتابع للحركة المسرحية السورية خلال السنوات الأخيرة يلمس مدى إقبال المسرحيين على العمل المسرحي إيماناً منهم بأن ما مرّت به بلادُهم على مختلف الصعد يتطلب منهم كفنانين مبدعين وفاعلين في محيطهم الاجتماعي والثقافي أن يقدموا أقصى ما لديهم من أفكار ورؤى وأشكال فنية خلاّقة ترقى إلى ما ينتظره منهم جمهور المسرح الذي نلاحظ كيف يُقبِل على الأعمال المسرحية عندما تحترم ذائقتَه الفكرية والفنية، وتحاول أن تكون النبراس الذي يضيء الطريق أمامه نحو آفاق رحبة من الخيال الذي يحققه المسرح السوريّ وهو الذي لم ينقطع تواصلُه مع جمهوره طوال سنوات الحرب على سورية.. وبطبيعة الحال فإن أيّ فعالية ثقافية أو فكرية أو فنية لا تخلو من مشاكل وأزمات، تأتي في مقدمتها المسألة المادية التي تشكّل همّاً مزمناً للمسرحي الذي لا يتوانى عن المشاركة في الأعمال المسرحية إذا توفر الحدّ الأدنى من المتطلبات المادية، إضافة إلى ذلك فإن عدم توفر فضاءات مسرحية متعددة لتقديم الأعمال المسرحية يشكل عائقاً حقيقياً أمام التوسع الأفقيّ في تقديم الأعمال المسرحية، علماً أن مدينة دمشق وحدها تحتوي على عشرات صالات العرض غير المستخدمة والتي تحوّل بعضُها إلى خرائب، ومنها صالات السينما التي يمكن إيجاد الحلول القانونية لامتلاكها والاستفادة من موقعها ومساحاتها الشاسعة مثلما جرى الأمر في مطالع الستينيات عندما تمّ إيجاد حلول قانونية لصالتَي الحمراء والقباني اللتين لم تكونا ملك الدولة أساساً.
إن جمهور المسرح اليوم ما زال وفياً لمسرحه، شرط أن يبقى المسرحُ أيضاً وفياً لجمهوره، ووفاءُ المسرح لجمهوره يكون بعدم التعالي عليه أو النظر إليه نظرة دونية، وفي الوقت نفسه عدم تقديم ما هو مبتذل شكلاً ومضموناً، والابتذال لا يكون فقط عن طريق طرح الأفكار المستهلَكة وأساليب الأداء التي تستجدي الابتسامة أو الدمعة، فقد تكون الأعمال المفرطة في جديتها مبتذلة عندما تعجز عن التواصل مع الجمهور.. أما فيما يتعلق بما يُقدَّم من أعمال مسرحية فيمكن القول أنها تحاول أن تقدم للمتلقي وجبات مسرحية متنوعة بأساليب كتابتها وإخراجها، فالمسرح السوري اليوم يقدم مختلف أنواع الفنون المسرحية سواء في مديرية المسارح والموسيقا أو المعهد العالي للفنون المسرحية أو بعض التجمعات المسرحية التي ما تزال حريصة على إبقاء شعلة المسرح متوهجة ومضيئة”.