من الاقتباس إلى المسرحة / محمد بوعابد (أبو ريم)
هذه الورقة قدمت ضمن الندوة الفكرية حول: “القصة القصيرة وافق المسرحة..القصة القصيرة العمانية” لأيام مراكش للمسرحية القصيرة (دورة سلطنة عمان) 11 – 14 مايو 2023م
***********************
دعونا نشرع في هذه المداخلة بالتذكير بأن المسرح المغربي كان قد انطلق متأثرا بالنموذجين المسرحيين: الغربي متمثلا في ما اطلعت عليه النخبة المغربية مما كان يقدمه الفرنسيون والإسبان، والعربي الذي مثلته فرق مصرية تيسر لها أن تزور المغرب (كفرقة فاطمة رشدي، وفرقة يوسف وهبي). ولذلك كانت النصوص الدرامية التي اعتمد عليها رواد المسرح المغربي لإنجاز عروضهم الفرجوية تمتح من هذين المصدرين: الغربي الفرنسي، والعربي المصري. ففي ثلاثينيات القرن العشرين عرضت الفرقة المسرحية “الجوق الفاسي” مسرحية “أميرة الأندلس” لأحمد شوقي، وفي الخمسينيات فازت جمعية الطالب من مراكش بالرتبة الثانية في المسابقة الأولى لمسرح الهواة بمسرحية “ثمن الحرية” المقتبسة عن إيمانويل روبلس، كما شارك المسرحيون المغاربة في المهرجان الدولي للمسرح في فرنسا، وقدموا عرضهم المقتبس عن موليير، والذي حاز على إعجاب وتقدير الجمهور في بلد موليير. ولقد ظل المسرح المغربي، مع الطيبين: الصديقي ولعلج، يستمد مادته الدرامية من عوالم المسرح الغربي، فقد اقتبس كل واحد منهما أعمالا تنتمي لهذا الريبيرتوار الغربي، إذ لبث الطيب لعلج يقتبس من موليير أساسا، بينما تجول الطيب الصديقي في العديد من تجارب الكتابة الدرامية، بحيث اقتبس من المسرح الكلاسيكي، ومن مسرح اللامعقول، ومن المسرح الملحمي…
وإذا كان المسرحيون المراكشيون قد وظفوا أب الفنون، على غرار زملائهم في حواضر المغرب الأخرى، لأداء وظائف التوعية الاجتماعية والسياسية ومحاربة الجهل والشعوذة والدجل، فتجسدت تجاربهم من خلال تقديم أعمال مسرحية، من بينهم من اعتمد فيها النصوص الأدبية العالمة والتاريخ الإسلامي، ومنهم من استند في توليفها على الفرجة الشعبية والارتجال العفوي… فغننا ما نكاد نصل المنتصف الثاني من العقد الستيني حتى نجد تلاميذ جمعية الأطلس، ممثلين في فرقة الوفاء المسرحية بقيادة الكاتب والمخرج المسرحي ذ.عبد السلام الشرايبي، يقدمون على إنجاز عمل درامي كان له وقعه الكبير في الساحة الفنية المغربية، وهو مسرحية “الحراز” التي استند فيها مؤلفها على نص شعري ملحون، ذي طبيعة سردية، وأغناه بما وظفه من نصوص غنائية استمدها من نفس المتن الشعري الملحون ومن التراث الغنائي والموسيقي المغربي الأصيل…
قد تكون تجربة “الحراز” مع الشرايبي، ثم مع الصديقي في إنجاز أعمال مسرحية تسير على نفس النهج من البحث في ما يتوفر في الثقافة المغربية (المجذوب) والعربية (المقامات)، مؤشرا على الانتقال بالمسرح المغربي من مرحلة التأسيس إلى مرحلة التأصيل. إذ نجد المسرحيين المغاربة، وقد استوعبوا الخصوصيات الفنية لأب الفنون، يسعون لتقديم أعمال درامية، لا يمكن للمتلقي لها إلا أن يدرجها ضمن المسرح بخصائصه الفنية الجمالية، ولا يسعه أيضا سوى الاعتراف بكونها تنتمي للتربة التي تأصلت فيها. فهي أعمال مسرحية تتناول بالطرح قضايا من تاريخ مجتمعها، كما من حاضره الاجتماعي والسياسي… وتعمل على معالجتها فنيا من خلال توظيف أشكال فنية مستمدة من تراثها المغربي الخاص والعربي العام.
وفي الحقيقة، لم يكن البحث عن تأصيل المسرح قضية تهمم بها المسرحيون المغاربة فحسب، بل يجد الباحث أن نفس التهمم توفر في العديد من البلدان العربية… ففي مصر، على سبيل التمثيل، كان الكاتب الأديب يوسف إدريس ممن انشغلوا بهذه القضية، وعملوا على تقديم إجابتهم الخاصة، ولا بد من التذكير بما قدمه الكتاب المسرحيون: ألفريد فرج، محمود دياب، عز الدين إسماعيل… فقد استثمر هؤلاء التاريخ، والحكاية الشعبية، ووظفوا أشكالا فنية تراثية… إذ قاموا بمسرحتها… ولم يتوقف المسرحيون المغاربة عند مسرحة التراث الفني، وتاريخ الوطن المغربي، ومسرحة الحكايات والخرافات، بل نجد من بينهم من التفت إلى النصوص الأدبية الشعرية والنثرية، فقام بمسرحتها، ونذكر على سبيل التمثيل: أن المرحوم الحوري الحسين كان قد قام في أوائل ثمانينيات القرن العشرين بمسرحة رواية “الأشجار واغتيال مرزوق” للروائي السعودي عبد الرحمان منيف، وفي بداية العقد التسعيني أنجزت “ورشة الإبداع دراما” مسرحة العمل الروائي “الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل” لإميل حبيبي… وخلال العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين انفتح المسرحيون المغاربة، المتخرجون أساسا من ليزاداك، على الأدب المغربي الحديث والمعاصر، وعلى الكتابات السردية من قصة ورواية بالخصوص، فقدمت فرقة “مسرح أكون” عملها الدرامي “صولو” المقتبس والممسرح عن رواية الطاهر بن جلون “ليلة القدر”، وأنجزت فرقة “المسرح المفتوح” مسرحة روايتين للأديب المغربي محمد برادة، هما:”لعبة النسيان” و”امرأة النسيان”….
(يتبع)