“موت معلق” …ماذا لو اختفى الموت؟ / نسرين نور

تصوير: مدحت صبري

عرض ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري في دورة السادسة عشر العرض المسرحي “موت معلق ” على خشبة المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة. النص مقتبس عن رواية” انقطاعات الموت” لجوزية ساراماجو.

يحدث في المسرح احيانا_وفي الحياة بشكل عام_ انتشار صيحة ما،تختفي لتظهر من جديد. وقد نجح مؤخرا الكثير من الأعمال ذات الأصل الادبي ومعيار النجاح هنا هو حصد جوائز المهرجانات. سواء اتفقنا أو اختلفنا على قبول هذا المعيار لكن ليس للترفع هنا أو لتجاهل جاذبية الجوائز معنى.

ان تقتبس من أصل ادبي يمنحك الكثير من الثقة بوجود عمل متكامل أمامك بالفعل، يوفر لك الفكرة الرئيسة والشخصيات. اسم العمل أو اسم مؤلفة يعطيك دعم وثقة المنتج والمتفرج وإن اتت بنتائج عكسية أحيانا، حين يأبى معجبي الكاتب الأصلي إلا الانحياز للنص الأصلي ويتهم حينئذ المقتبس بالتشوية أو تسطيح المضمون والفكرة.

اذن معضلة التحويل من نوع ادبي الى آخر تتطلب فهم للنوعين كليهما ،كما تستدعي “فورمات ” أو “تكتيك” يحمل ما نريد من العمل الأصلي بسهولة لعرضة بما يناسب الشكل الفني الجديد. وهذا ما كان في عمل الليلة “موت معلق ” حيث استلهام الفكرة والشخصيات عدم التقيد بسرد المونولوجات الطويلة أو التقيد بالقصة الاصلية بحذافيرها مما لا يتناسب مع طبيعة المسرح كفن يقوم على التكثيف والاختزال من ناحية ومحدود الزمن”مدة العرض ” من ناحية أخرى.

كعادة خوزية ساراماجو وكما في روايته الأشهر “العمى” يينى عالم يحمل منطقه الخاص،حيث يفرض فرضية مستحيلة الحدوث ويبدأ في الإجابة عن سؤال ماذا لو؟. في معظم الأحيان لا يترك الفرضية معلقة في الهواء ولكن يسندها على منطق سهل وهو افتراض انتشار وباء ما.

ماذا لو اختفى الموت؟ هل اختفاء الموت نعمة من الرب؟ أم اختبار ونقمة؟.

لا يتوفر وصف.

فيما انحازت الرواية للاجابة بطريقتها الخاصة فقد اهتم ساراماجو بعالم الجريمة والمافيا التي ستتشكل والنفوس التي تنكشف حين يتعجل الأبناء موت الأغنياء من الآباء ويكل الفقراء من خدمة ذويهم. ولم ينشغل كثيرا بلإجابات الدينية والتفسيرات التي تبرر غضب الرب أو رحمته. لكن الجرأة كانت في مد الخط على استقامته ورؤية كيف تتصرف الشخصيات من تأثير هذا الخطب.،اختفاء الموت.

من يتعيش من الموت “حفار القبور “، من يتعيش من المرض والعلم “الطبيب “، من يرصد متغيرات الواقع “الإعلامي ” من يلجأ إليه الجميع “الرب” وتمثله سلطة الكنيسة. تتعدد الأماكن المتأثرة بالحدث والأساسي منها ما نرصده.

ملجأ العجائز، عيادة الطبيب، الشارع، الكنيسة والتي وضعت في مكان اعلى من الجميع يعلوها صليب، وشجرة خضراء طبيعية وكانت هي اللفتة الأذكى في الديكور لما لها من اهمية في حل معضلة الموت المعلق، ذلك الشيء المفعم بالحياة. فيما عدا ذلك تنوع الديكور ذا الأماكن المتعددة والمنظر الثابت بين اللونين الأبيض والأسود ولم يراعي أي قيمة جمالية تسر الناظرين. البانوراما استخدمت سيلويت ولوحة لعرض المابنج الذي بدأت به المسرحية المناظر للكرة الأرضية ثم لكرة ملتهبة ثم وفي أماكن متفرقة لشجرة مورقة الأغصان ولم يضف لا قليل ولا كثير للحدث أو لجماليات الصورة بل أقتصر دوره على تفسير ما يدور من حديث.

المرض والموت مجسدا في هيئة مجموعة من الرجال بينهم إمرأة واحدة .شائهي الوجوه يتلاعبون بفتاة صغيرة نعرف فيما بعد إنها ابنه الطبيب. لم يظهر هؤلاء معها مجددا ولم يظهروا مع غيرها معبيرين عن بعدهم القيمي كتجسيد لوحوش المرض، كان تأثيرا جيدا لمدخل لشخصية جديدة على المسرح لكن لم يمتد تأثيرهم لأبعد من ذلك. ولعبت الملابس دورا محايدا حيث لا تكاد نلحظ وجودها لتشابهها مع ملابسنا العصرية وحيادية ألوانها.

أما التمثيل وهو العنصر الأهم في العمل المسرحي فهو قادر على رفع عمل إلى السماء أو ان يخسف به الأرض . وحين يذهب متفرج ليشاهد عرض في أكاديمية الفنون فهو على علم من جودة العناصر الفنية خاصة التمثيل وقد أجاد الجميع ادوارهم وانعكس ذلك على تفاعل الجمهور مع العرض وايقاع العمل نفسه. كما وفق المخرج في اختيار شخصياته.

لا يتوفر وصف.

وقد تميزت الفنانة ” تغريد عبد الرحمن” واستطاعت لمس البعد الإنساني في شخصية اقرب للنمط. هي أخت اسيفه هجرها والدها منذ طفولتها هي وأمها ليتزوج من أخرى حظيت بكل ما حرمت منه مما ترك بها ندوبا واخاديد حفرت اثرا لن يمحى من نفسها وحولتها الى سيكوباتي يتلذذ بآلام الآخرين وغير مبال بها.

كذلك برع الفنان “محمد يسري” في تنوعيات أجاد العمل عليها فظهر بشخصية إعلامية مختلفة في كل مرة وساعده الشبه الشديد بينه وبين شخصية الضيف أحمد _رحمه الله _ للوصول لوجدان المتفرجين.، الذين لم يعاصر بعضهم الضيف أحمد ولا أمجاد ثلاثي أضواء المسرح لكن النحيف الذكي خفيف الظل طالما كان شخصية محببة للمصرين. حتى وإن كان يعرض في وسط زملائه وأصدقائه يعني في بيئة آمنة، يظهر معدن موهبته الحقيقي حين يسبح في مياة أكثر عمقا وخطرا.

موسيقى العرض لعبت باستلهام من سيمفونيات عالمية مستلهمة من قداديس لاتينية ظهر ذلك جليا خاصة في الكورس، ذلك ساهم في تكريس البعد الروحاني للقضية المطروحة معنى الموت والحياة وهما القضية الأكثر رواجا في الدين والفلسفة على السواء. كما نم اختيار مواضعها داخل العرض عن وعي بمفهوم التأثير الشعوري والإحساس بالإيقاع ودوره في العمل. كما أن استخدام الدين المسيحي يصلح في مجتمعنا لعرض قضايا تتسم ببعض الجرأة وإلقاء جمل تعتبر تجديفا وهرطقة. ذلك لأنه عالمي تخطى بتلك الصفة العالمية محاذبر شتى كانت ستتسبب في خطورة على حياة قائلها.

لا يتوفر وصف.

العرض المسرحي “موت معلق” دراماتورج: إسراء محجوب ديكور: سامح محمد، مكياج: لمياء محمود، ملابس: هاجر كمال. تأليف موسيقى : أحمد حسني، فيديو مابيينج: محمد البدري. تصميم رقصات: محمد البحيري تمثيل: محمد يسري، ميرنا الجوهري، شروق ابراهيم، تغريد عبد الرحمن، جورج أشرف، محمد شحاتة، مصطفى عبد المنعم. مخرج منفذ: شادي عليوة. إخراج: كريم الريفي.

 

لا يتوفر وصف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت