“أنا مكبث” … قراءة تحليلية نقدية / حمزه الغرباوي
إن فكرة اكساء ما هو قديم ثوب جديد تعد من بين الأفكار الراجحة في ميدان الأدب والفن المسرحي، إذ تعد هذه الجدلية من بين أهم المحاور التي لها القدرة على بث الروح في النصوص الخالدة وتجعلها تحاكي كل الأزمنة والأمكنة والشخوص، ومن هذا المنطلق أجد أن النص المسرحي (أنا مكبث) لمؤلفه الاستاذ (منير راضي) من بين النصوص التي حاكت وانقضت بكل ما لديها من قوة على واقع مؤلم مرير متكرر ومتجذر في أزمنة وامكنة مختلفة ومتفرقة، فالحكم لمن؟ ومن قتل من؟ وكيف استولى هذا على ذاك ومتى؟ وما الدافع الذي يخدع الآخر ولماذا؟ جميعها اسئلة جدلية طرحتها ديناميكية النص بأسلوب محكم يستند الى نوع من الشخصيات الخالدة التي خلقها شاعرها (شكسبير) في مدونته النصية.
وعند الإنتقال الى شكل المرئيات المسرحية، أي الصورة التي جاء بها شكل العرض أجد هنالك مشهد استهلالي لثلاث ساحرات مشعوذات بهيئة ملائكة ذات أجنحة بيضاء هادئة، تدعوا جميع من حضر الى مشاهدة أحد أبطال مدونات (شكسبير) المسرحية (مكبث) وهو يصارع ذاته والاخرين من أجل إثبات براءته في محكمة ميتة سريرياً يرأسها (دنكن) المخبول او المقتول عفواً ، والملك (لير)، يستمر العرض الى حين ظهور شخصية (مكبث) التي جسدها الممثل (زمن) وهو يرتدي بدلة حمراء في عالم سفلي، للدلالة على بطلان شكل المحكمة التي اتخذت حكمها بشكل مسبق على جميع شخوصها ومن ضمنها القضاة (دنكن) و(لير) ، وقد يكون هذا الحكم قد جاء من (شكسبير ) نفسه او المخرج (طلال هادي).
ويستمر العرض بمرئياته الصورية واداء ممثليه، إذ كانت حركة الممثل الذي أدى شخصية (مكبث) حركة ديناميكية مرسومة وفق ميزانسين محدود قيد حركته وجعلها في مسار ثابت وعقيم بعض الشيء، على الرغم من أن الحوار المنطوق قد كان يحتاج الى حركة مستمرة وتعامل متنامي مع مدلولات كل قطعة على خشبة المسرح ، لأن الممثل هو الفاعل الحي وسط كل حيثيات الجماد ، وقد تكون هذه المحدودية ذات انعكاس إيجابي على حركة الساحرات الثلاث اللواتي كانت حركتهن مدروسة بشكل دقيق وفائض بالقدرة على تجسيد الشخصيات بعناية مثالية تدهش وتسحر وتترجم ما هو مكتوب الى منطوق وفق منظومة ادائية يحكمها الصوت والجسد.
وعلى الرغم من محدودية الحركة المفروضة على (دنكن) و(لير) إلا ان أدائهم الصائت كان له دور مختلف في إبراز كم كبير من فاعلية النص وأفكاره وأهدافه، أما الشخصيات الأخرى وعلاقتها في العرض المرئي فقد كانت مؤثرة وفق ما هو مطلوب منها اخراجيا، إذ كانت شخصية (ليدي مكبث) التي جسدتها الممثلة (ايمان) تتحرك وفق نظام متنامي ومتصاعد يربط الساكن بالمتحرك، فهي تعد بمثابة حبكة شاخصة تسير وفق نظام ربط الاحداث مع بعضها البعض وجعل لها بداية ووسط ونهاية، فهي تشير الى زمن حديث وتواصل متطور عبر استعمالها (هاتف موبايل) من اجل التواصل مع (مكبث) بأزياء قديمة، إذ لم تكن هذه الإشارة ذات مدلول عابر أو غير محسوب بدقة من قبل المخرج (طلال هادي).
وفي جانب آخر أرى أن سينوغرافيا العرض كانت ذات حسنات كبرى وسيئات متعددة، إذ تتجسد حسنات السينوغرافيا اولا : في عرض شكل الخنجر بحركة دائرية فوق جدار المسرح من أجل الدلالة على القتل والقاتل المفقود،وثانيا: شكل الازياء المنفذ بحرص شديد وتوزيعات الاضاء المركزة (Spot Light). أما السيئات فإنها تتلخص في إضاءة فضية (General light) فائضة عن الحاجة ومؤثرات صوتية مرتفعة الصوت، وفي أحيان كثيرة لا تتلائم مع أسلوب العرض وديناميكيته المستمر.
وفي المجمل العام كان مضمون النص وشكل العرض يعتمد على مبدأ التوافق والتداول الذي يقوم على رؤى مؤلفه وأساليب مخرجه وصولاً الى الهدف المنشود إلا وهو صناعة عرض متكامل يقدم على خشبة المسرح.