تكثيف العناصر البصرية  في فضاء مسرحية  أحياء فرانكشتاين / علي رحيم البكري

Intensification of the visual elements in the theatrical space FRANKENSTEIN REVIVED

FRANKENSTEIN REVIVED

BY MORRIS PANYCH

MUSIC BY DAVID COULTER

BASED ON FRANKENSTEIN BY MARY SHELLEY

DIRECTED BY MORRIS PANYCH

MOVEMENT CHOREOGRAPHY BY WENDY GORLING

DANCE CHOREOGRAPHY BY STEPHEN COTA

WORLD PREMIÈRE ADAPTATION
Photo credits: Marcus Nance. Photo by Ted Belton.

Frankenstein Revived | Stratford Festival

 

مساء يوم الجمعة المصادف 11\8\2023 قدم المخرج (MORRIS PANYCH) مسرحية أحياء فرانكشتاين  على خشبة (AVON THEATER) في مدينة ستراد فورد  ضمن مهرجان سترات فورد المسرحي، وقبل الولوج بالكتابة عن العرض لابد لنا من الوقوف أمام مجريات الصراع الدرامي داخل رواية الكاتبة (ماري شيلي)، إذ يدور حول (فرانكشتاين) الرجل الذي درس الطب وراح يحلم بإعادة الحياة  للجسد البشري عبر إعادة تجميع أشلاء الموتى ، ليكون مخلوقا خاصا به ، مسخ بشري يتمكن بمساعدة العلم من بث الحياة فيه.
متحدياً كل قوانين الفطرة والطبيعة التي خلق الرب الإنسان عليها، إذ يجد ذلك المسخ الذي كونه طموح (فرانكشتاين) و عمله الغير أخلاقي، نفسه تائها في حياة أشبه بالمأزق بالنسبة له، إن لم تكن أكثر من ذلك بسبب هيئته المرعبة التي جعلت الشخص الوحيد الذي يمنحه فرصه التحدث له أو يتقبله هو شخص فاقد للبصر، إذ إن الرواية تحمل في مضامينها الفكرية والفلسفية نزعة وجودية، تناقش قضايا ومصير الإنسان في الحياة بشكل عام، و أذا ما وضعنا الرواية امام فلسفة (نيتشه) سنجد إن(فرانكشتاين) كان يسعى لإيجاد  الإنسان المتفوق، فهل  الإنسان المتفوق بشع المنظر لدرجة إن لا احد من البشر في الرواية يتعاطف معه أو يحاول أن يصغي له بسبب شكله هل هو طيب القلب  تحول الى قاتل بسبب ما جوبه به من عدوان من البشر عن ذنب لم يقترفه؟ في الوقت نفسه نجد إن العرض الذي قدمه المخرج قد أزاح فكرة موت الاله التي يقدمها لنا (نيتشه) من خلال تجسيد شخصيه (ماري شيلي) داخل  العرض وجعلها متحكمة بالأحداث منذ المشهد الاستهلالي وصولا الى المشهد الأخير، بالاستعانة بالأداء والسينوغرافيا التي قدمت لنا مشهدا يوحي عن عملية خلق داخل شكل حلمي اقرب الى الفضاء مكثفا جميع العناصر البصرية لإظهارها على أنها المتحكم الأوحد بكل مجريات الفعل الدرامي داخل خشبة المسرح، كما إنها الوحيدة التي تعاطفت مع المسخ من خلال  توجيه ردود فعله العدوانية تجاه العالم الذي نبذه وأولهم خالقه الأصلي (الإنسان)  من خلال قتله  لأحبته واحداً تلو الآخر، ومساومته على أن يخلق له زوجاً من جنسه (بقايا الجثث)  لكي يستكن ويتكاثر  ومن خلال مشاهدة العرض المسرحي، نجد إن المخرج قد سرد  أحداث الرواية بتسلسلها الزمني عبر تكثيفها سمعيا وبصريا، من خلال اللجوء الى المزج بين العناصر التعبيرية المتمثلة بالرقص الذي أدته المجاميع،  التي استعان بها في تغيير وتحريك المناظر، والتفاعل مع الأحداث ومجريات الصراع الدرامي.

كما مزج في التشكيل البصري المتمثل بعناصر السينوغرافيا، من زي وكتل وأشكال بين الواقعية السحرية التي لم تخلو من الدقة التاريخية المتمثلة بروح العصر المكتوبة فيه الرواية، وكذلك التجريد في الفن التشكيلي، إذ نجد عربة صغيرة تحمل حقائب صغيرة يجلس عليها الممثل يرافقها في الخلفية صوت قطار، ويقوم بسحبها احد أفراد المجاميع داخل بقع هندسية، توحي الى المتلقي مرحلة سفر البطل  لدراسة الطب، إذ عمل خلق صورة ذهنية في خيال المتلقي حول السفر بشكل جمالي بسيط مستعينا بتكثيف الزمن  في الرواية، والتشفير الصوري في نص العرض تاركا المتلقي يكون صورة ذهنية كاملة عن شكل القطار ونوع الرحلة في دقائق معدودة، كما إن الشفرة البصرية التي قدمها المخرج من خلال تكثيفه لعناصر العرض المسرحي، كانت تتماشى مع الواقع المعاصر في العالم الغربي تجاه التطور التكنولوجي الذي يهيمن فيه العلم  والآلة على  الإنسان، الذي يسعى الى تطوير الذكاء الاصطناعي وتطوير الروبوت وعمليات نقل الأعضاء من الأموات وغيرها من أنماط السلوكية المسيطرة على طرازيه الحياة في العالم الأول، شفرها المخرج من خلال وضع الخالق الأصلي وهي (ماري شيلي) التي كانت تتحكم بجميع الأحداث، بأسلوب يجعلنا أمام (معالجة إخراجية مكررة ) لكن اشتغالها كان (مختلفاً للغاية ) بل وكانت إضافة مهمة للعرض لكونها احد اهم الشفرات الصورية التي  من خلالها قام بمحاولة دحض فكرة موت الاله في فلسفة (نيتشه) لكونها كانت تشكل الاله بحد ذاته، الاله الذي يسمع ويرى ويترك للإنسان مساحة  للابتكار والاكتشاف، الذي يلهم المرء القوة بمفهومها المطلق سواء كانت خيراً أو شرا، حسب ما يريد  الإنسان توظيفها في حياته اليومية، كما إنه قادر على تدمير كل ما نتوصل إليه بلمح البصر، وإرسالنا وإياه الى قعر الجحيم، وقد بدى ذلك واضحا من خلال توظيف المخرج لعناصر الخشبة ، فالشخصيات التي كانت تموت على يد المسخ كانت تدفن من خلال مراسيم جنائزية، وتقوم المجاميع بوضعها في فتحة منحها المخرج وظيفة القبر، إذ نجد إن جميع الضحايا ينزلون الى تلك الفتحة مع  إضاءة بيضاء  ودخان منبعث من تلك الفتحة، كانت الغاية منه جمالية لإضفاء طابع الجنائزية للمشاهد، إلا (فرانكشتاين)  بعد  أن  ينقض عهده للمسخ في خلق أنثى له تؤنسه في العالم الرافض له، أنثى يمكنه معها أن يتكاثر ويكون سلالة قد تهدد البشرية، يقوم المسخ بقتله فترمي به المجاميع  في فتحة الخشبة التي نزلت لها جميع الشخصيات التي ماتت وبنفس الطقوس الجنائزية مع تغير لون الإضاءة المنبعثة من الفتحة الى اللون الأحمر، فقد أرادت شخصية الراوي المتمثلة بـ(ماري شيلي) والدالة على الاله أنترسله الى قعر الجحيم، بعد ها تقوم بإرسال المسخ خلفة الى نفس القعر ليذهب هو وشرور أعماله الى نفس المصير، في هذا الجزء من العرض يفصح المخرج عن قراءة إخراجية ناجحة لعرض احترافي تناسقت جميع عناصره السمعية المتمثلة بموسيقاه التي كان لها دوور كبير في الحفاظ على إيقاع العرض، والتي اذا ما استمعنا لها على انفراد لوجدناها تحفه فنية بكل ما تحمله الكلمة من معاني، كذلك العناصر البصرية التي أخذت دقتها التاريخية من الفترة الزمنية المكتوبة بها الرواية، وأيضا من خلال التجريد ، كذلك اتسم الأداء التمثيلي الصامت على المزاوجة بين الكلاسيكية التي تعبر عن روح النص الأدبي، وحداثة التعبير المرتكزة على التمثيل الصامت والرقص التعبيري ، الذي كان له دور فاعل في تشتيت البؤر داخل الصورة المسرحية .

لا يتوفر وصف.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت