نص مسرحي: “العزف على النوى” / تأليف: منير راضي
(الموسيقى لغة الشعوب )
المشهد الاستهلالي:
الستار مغلق.. نسمع أصوات آلات موسيقية تتداخل مع بعضها وكأنهم يستعدون لتضبيط آلاتهم الموسيقية, يرافق هذا الموقف دخول الجمهور وهم يسمعون ما يحصل وراء الستار الى حين استقرارهم، ثم يفتح الستار حيث نرى بقعة ضوء صفراء يجلس فيها العازفين على الجانب الأيمن من المسرح ممسكين بآلاتهم وهم يتمرنون على مقطوعة موسيقية. يفتح فرش ازرق ويتصاعد الدخان من الجانب الأيسر مع صوت فتح باب ودخول المرأة وهي تحمل حقيبة كبيرة بيدها. تفتح بقعة صفراء بمنتصف المسرح فينهض العازفين من أماكنهم يشكلون دائرة حول المرأة في المنتصف وهم يعزفون ألحان تدل على الفضول والتوتر. تفتح إضاءة حمراء وبنفسجية فرش ويبدؤون بالتحرك مشكلين لوحة فنية. وكأنهم يحاولون أخذ الحقيبة وفتحها. وفجأة تقف المرأة وترفع يديها طالبة من الجميع التوقف, يتجمد الجميع لثواني فتفتح الإضاءة فرش ازرق عالي. ثم تفتح بقعة صفراء على المرأة تبدأ بإخراج الدف من الحقيبة فيبدأ الجميع بالنزول لمستوى الحقيبة وبمجرد اظهار الدف يفتح فرش اصفر ويقفز الجميع بعيدا ثم تبدأ الآلات بإصدار النشاز معلنة الرفض والخوف من للدف. مع صعود الدخان فتضرب المرأة على الدف ضربة لتغلق الإضاءة بشكل تام وننتقل للمشهد الأول.
المشهد الأول: وصول الدف
بيئة المكان: (صالة بيت عتيق في منطقه ما على الخريطة البشرية, يحتوي على اثاث قديم الطراز ستائر كلاسيكية بسيطة, مذياع وتلفاز قديم, لوحات بحجم متوسط لشخصيات آدمية متقابلة صحف مبعثره هنا وهناك, المكان يلفه الضباب).
المرأة: (وهي تحاول ان تقدم الدف بشكل مميز) أنظروا لهذا اصدقائي, ما بكم (يبدوا على المجموعة نوع من لارتياب من آلة الدف) لا تخافوا ولما هذا الامتعاض (تشير للدف) ان له صوت غريب وممتع في نفس الوقت, انظروا اليه وهذه الفراشات كيف تزين وجه الجلدي (تنظر الى رجل الكمان كأنها تهمز له)
عازفة الكمان: (إضاءة باهتة على صورتها) اتذكر امي البيانو كانت تداويني بعزف الدرامز دون ان يهتز لي وتر واحد وكنت اشنف اسماعي به, علما ان هذا الدرامز كانت تزينه صور الدبابير
(مجموعة العازفين يضحكون)
عازف الغيتار: (يضحك وهو ينقر على اوتار الغيتار ودخان سيجارته تملا المكان مع اضاءة باهتة أيضا, الرجل كأنه يكلم بقية الآلات) ان ما بين العزف الكلاسيكي والفلامنكو والروك واللون الشرقي وانطلاقاً من حرصنا على التنويع, علينا ان نتقبل هذا الضيف ويجب عليكم النظر للآخر من أي شكل تشكل باحترام وتقدير (وهو يشير الى الدف, نشاهد الآلات تدير بشكلها الى جهة واحدة كأنها لا تتقبل هذا الحديث )
عازف الفلوت: نعم بالطبع فالكون كله يا أصدقاء عبارة عن شجرة تساقط من عليها, فمن كان خشن ركد في مكانه ومن كان ملمس الظاهر تدحرج ولم يقف الا عند مرتفع.. هكذا هي الحياة, فما بالكم اليوم في مواسم الهجرة والهروب؟
(آلة الفلوت تقفز بين يدي العازف وتصدر صفيرا حادا كأنها رافضة لهذا الكلام)
المرأة: (وهي تتحرك بشكل قلق ثم تتواصل مع الآلات) اتعلمون ماذا يقول الحاذقون في الكلام؟ ان الاحلام نوم شبه مؤكد, الا الارواح الملتاعة بالقهر تستغيث في كل لحظة بعد ان افرغت انفاسها في سبات عميق. اسمعوا جيدا, أنتن لَسْتُنَّ نادبات بالنواح وانما أنتن نوافذ الحياة, الغيرة في بعض الاحيان شيء سلبي.
(الآلات يتحركن بشكل مختلف امعان بالرفض)
عازف التشيللو: (وهو يحتضن آلته ووجه كئيب) ما اقبح الموت عندما تكون باكيا منه وهو ما زال يلاحقك كظلك, حيثما تدور ستجده أمامك ويبتسم بكبرياء (وكأنه يكلم الآلة ) اليس كذلك يا صديقتي (الآلة تهتز بالرفض)
المرأة: (وهي تتحدث وتلامس الآلات بلوعه) أعرف هدف رفضكم هذا وأعرف ان الدخلاء غير مرحب بهم ولكن طريق المتاهات الى مدن العالم دائما يكون وراءه ظلم كبير قد وقع (ترفع الدف الى الاعلى) هذا كان صاحبه احن عليه من نفسه واقرب صديق له ولكن المحن و وقوع الحروب والكوارث دفع به ان يهرب هو وصاحبه, يهرب, يهاجر في تيهان الدروب والبحور, امواج البحر والدهر فرق بينه وبين صاحبه الذي سافر الى المجهول وتركه على ساحل البحر وحيدا بائسا, أيرضيكم ان تكونوا مكانه يوما ما؟
رجل الكمان: (نراه وهو يداعب اوتار الكمان مع اضاءة باهته) جميعنا يؤمن بأن الموسيقى لغة الشعوب دون حدود, دون عرق, دون لون, الموسيقى لغة كونية وهي رفيف اجنحة الملائكة, وعليكم ان تعرفوا ان كل رقاصات العالم ستتوقف قريبا, جيوش من الابخرة والغبار الابيض سيلف الكون وسنصعد الى السماء دون اكفان وتحت اقامة جبرية دون رجعه. بعض الاحيان ينجب العلم ابناء غير شرعيين يلتحفون بنفايات الطرود. انا عندما نبشت في الموسيقى وجدت جادات للمشردين ومأوى للمعدمين أن الموسيقى دمعه حائرة تفتش عن شباك الذنوب للعابرين نحو الملكوت.
المرأة: (وهي تنظر الى الدف بحنان) الموسيقى هي غذاء الروح, الموسيقى هي ملجأ الارواح التي جرحتها السعادة, لذا ستبقى كلاب الصيد تلاحق اثرنا حتى عنان السماء, يا لقسوة القدر, انها العزلة البشرية ولكن علينا ان نفك اسرارها ونتقبل الاخر. و يجب علينا ان نعزف الالحان و لو قامت القيامة بأي بلدٍ نهرب اليها.
( الآلات كل منها يصدر صوت نشاز, المرأة تجلس وتنقر على الدف برفق )
عازف الفلوت: (و هو يقترب من الآلات) أتعلمون لقد كان لي جواد عنيد لا يثبت في مكانه, ولكن عندما اريد ان اثبت له ان رسنه بيدي, اتقرب منه واقف امامه فتصمت حركته, وينحبس صهيله, وفجأة يسكت مثل أي بغل حاذق
(الآلات تتوقف عن اصدار اصواتها كأنها هي المعني بالكلام )
عازف الغيتار: اما أنا فقد حشرت نفسي بين رفات طوابير من الاجساد التي لا أثر لها من العناوين البشرية سوى بقايا زيت اجسامهم المحترقة, انها الحروب ايها السادة تفسد الحياة ولكن تبقى الموسيقى حلم الحياة. هذا ما رأيته في معسكرات الحروب
المرأة: ماذا لو استمعتم لقصتي؛ كانوا ثلاث وانا الرابعة.. أمي, أبي, زوجي, طفلتي, احترقوا في اول فوهة عيار سام, لو لم اكن عند خالتي لكنت الآن في جوارهم فولد الثأر في رأسي وتحجرت دمعتي ليوم غير معلوم يلفه ضباب من العدم, حملت ما تبقى لي من انفاس تائه وقررت ان لا ارجع الى بيت يجمعني مع العدم, كلنا في هذا الجمع هربنا في تيه الدروب واجتمعنا هنا كي نعيش عزف الموسيقى من جديد.
عازف التشيللو: (مع إضاءة باهتة كأنه يحدث آلته) لو تهدأ قليلا ايها الوتر, أجزم ان لا احد سوانا خارج العدم. ان المناجاة وحدها من كانت تملي وتهمس لي عزفا شعريا موسيقيا فيستكين شعوري من الانين الذي ما عاد يغادرني سقما ابديا (الآله ترفض حديثه بحركة معينه)
المرأة: (تحتضن الدف) وها هنا نحن الان ايها التائه في منفانا, حيث لا يوجد سخام او سحب دخان, او عويل و صخب البكاء, لقد خذلونا جميعهم, فلتحل رحمة السماء على صاحبك ولكن لا يتوقف عزفك معنا.
عازفة الكمان: (إضاءة باهتة على الكمان) يا صاحبي (محدثة الكمان) نحن الان مبعثرون مهاجرون في المنفى بلا نجوم بلا سماء, انها العالمية الثانية وامسينا في الثالثة التي فقدنا فيها كل شيء , اصبحنا هوامش من الارقام يختم فيها وثيقة العدم في ابدية الشقاء, نحن الان في مركب واحد وعليك ان تقبل رفيقنا الجديد.
المرأة: نعم فنحن نعيش عزلتنا منذ ذاك اللهيب الذي حرث عنق السماء وحفر بطون الأرض بمخالب ملتهبة, نارا تعصف بآخر خيوط الضوء من رحم السماء (تضع أذنها على جلد الدف وكأنها تستمع له) اجل كما تقول, ان السماء لا تمنحنا كل ما نحلم به, ولكنها رحيمة مع ارحام الامهات .
عازف الفلوت: (اضاءة باهته على الفلوت) (يحدث الفلوت) كلنا عوالم نبحر في قارب مثقوب ومن دون شراع, لم يتبقى من آدميتنا سوى الاسم والموسيقى, ارجوكم كفاكم كبرياء فارغة (الآلات تتحرك بشكل غير اعتيادي والعازفون يحاولون تهدئتها, تخفت الاضاءة بشكل مفاجئ)
المرأة: (تستعرض الآلات في ضوء مصباح يدوي) كانت هنالك نوتات موسيقى مبعثرات, والحان حبست انغامها فوق ثدي الامومة الملقاة فوق الحراب انهم هناك في عالم هذا (ترفع الدف) الموسيقى قطعت اوتارها بين الفلوات والبحار (ثم تصوب ضوء المصباح على رجل الغيتار) اليس كذلك؟
عازف التشيللو: بالطبع كذلك, انهار ومحيطات قذفت طحالب وحشية قضمت انف القمر فانكسفت بنا الشمس ثأرا لعشيقها القمر, فتاه الدف بضوء اعمى.
عازفة الكمان :(تصرخ في الهواء) اني أرى انغام موسيقى دون وجوه, وأرى وجوه أوتار حمراء ولكن دون خجل كأنها اسراب اوتار زاحفة كالعناكب في اقبية العالم السفلي (وكأنها تكلم الآت) اسمعوا لقد تماديتم كثيرا وسيكون لنا رأيا اخر معكم (وهي تلتفت الى العازفين , يعم المكان الصمت)
عازف الفلوت: (إضاءة باهتة تسلط على وجهه) لقد دفعوا بالجلاد سوطا فوق رقابنا فانفجرت تلك الرقاب امواج من المطر الاحمر, ولكنه ها هو الدف مسبي معنا بالطوفان الاخرس لقد توقف قلب الموسيقى من هذا الدمار .
المرأة: (وهي تضع الدف على الارض بشكل افقي امام الكراسي التي تحيط به) كم امقت فكرة الانتظار في رحم الامل, الدفوف وحدهم من يأملون في انتظار الخلاص ونحن كنا نأمل به مجتمعين ولكنكم ترفضون ذلك بعنصرية مقيته (المرأة وبقية العازفون يتركون الصالة ويدخلون في الغرفة ويغلقوها خلفهم)
المشهد الثاني: (صراع الآلات)
(يفتح فرش أحمر و تبدأ الآلات بإصدار أصوات و هي تحاول الهجوم على الدف بسبب عدم تقبلها له مشكلين لوحة فنية صوتية. تتغير الإضاءة لكل حركة فنية )
الفلوت: أنت… لتعلم بأنه ليس مرحب بك في عالمنا الغربي الخاص.
الدف: رباه لديكم عالم خاص؟ اين هو. هل يمكنني زيارته؟
التشيللو: انك تقف الان في قلبه أيها المنبوذ و كما قال لك الفلوت. فانت لست مقبول ومرحب بك بيننا.
الدف: اتقصد هذه هو قصركم؟ أنا لا اقلل من شأن منزلكم العتيق هذه و لكن يبدوا بأنكم قد بالغتم في تقديره بشكل كبير.
الغيتار: نعم فأن كنت تراه مجرد عالم بمنزل عتيق صغير, ولكن نحن نراه من اضخم القصور بالعالم . أنه المكان الذي احتضننا و لو لوقت غير معلوم قصيراً أو طويل.
الدف: (يجب ان يكون صوت الدف مميز بالقرار حسب طبقة الآلة وهذا ينطبق على بقية الآلات الاخرى, عندما تتكلم تصاحبها اضاءة كل آلة ببقعة ضوئية) يا زميلي ان الارض والموسيقى الان في امتحان عسير, جمعتنا الاقدار من مفترق الطرقات وهربنا, ومن ثم هتف بنا هاتف, كل في طريقه يمشي, اصبح الزمن هو من يحدد الوطن وليس ذرات من تراب احمر او ابيض او اسود فضاع صاحبي في اعصار الهجرة دون دف او حبيب أو وطن. علما اننا من اوجد خرائط الوجود
الفلوت: جميعنا هاربون. و لكننا لن نعد نحتمل ضيوفاً جدد بعد الان. و بالأخص ضيوف اشباهك و من نوعك.
(اصوات ذئاب بعيدة تختلط مع صافرات انذار)
مجموعة العازفين: (من داخل الغرفة ينشدون هذه الحوارات بصوت كورالي) منذ قيامة بنو آدم, كانت الرغبات والاماني مهلكه للبشر, فهبطنا نتعثر بخطايانا, الكل يبني صومعه, الكل يبني سورا ليختبئ من بطش الاخر ولصوصيته, في كل مرة ندخل هنا نتنفس العذابات, سعير السنوات تنهض امامنا, انتهم تفهمون ما نقول, أي نعم, ادراك الحلم هو من جعلنا نعيش بين ثنايا هذا الوجع, وسوف لا نصحوا مادام هناك أنفاس تحوم حولنا بالرفض الكل في واحد منذ التشكيل الاول للاحياء, لن نتوائم معكم بعد الان ايتها الجمادات.
(نسمع صوت انغام من جميع الآلات وبشكل نشاز وكأنها تريد ان تقول شيئا مع تسليط بقع ضوء لكل آلة ,صوت بوق قطار بعيد )
الدف: اسمعوا ؛ هم لازالوا هناك قابعين بين نيران الذئاب وعواء ندف الثلج وانا هنا مرمي بين اللاعودة وانتظار الفصح, يا صاحبي المهاجر اين اصبح بك النوى؟
الفلوت: انتم من انختم هاماتكم لحاكميكم و جعلتمونا اسيادا من تماثيل واخذتم تتبركون بمالنا وجاهنا ومن ثم صب عليكم العذاب صبا وتبعثرتم في انحاء الدنيا أرقام دون اسماء او عنوان
الدف: وها انت الان تتفرج وتشمت بمصائبنا ايها الفلوت, الكل يعرف ان صوتك قريب من أصوات العصافير والبلابل الجميلة الذي دفع الإنسان إلى تقليدها فأبدع, لقد احزنني قولك هذا.
الكمان: لا, بل نحن بوق لذاكرة كل موقف وحدث ومصاب, كلكم اكلتم من الشجرة
الغيتار: (يكثر الضرب على الباب مع اصوات مبهمة وتساقط حبات الثلج) أعتقد بانه حان الوقت ان ننفصل عنكم جميعا, لا اقماركم ترصدنا, لا حروبكم تكوي جلودنا لا طاعون فسادكم يفتك بنا بعد الان.
التشيللو: (نسمع صوت من داخل الغرفة لضحكات اطفال ومواء قطط ) نحن هربنا منكم كالجرذان ونحكي للناس والجدران عن حكايات التابوت الأبيض والدخان مدق خوفكم لا نهابه مرة أخرى.
الفلوت: نعم فالديكة والعقبان عندكم هم من صنعوا فخاخ الدخان الابيض الذي عجل بيوم الحشر والنشر, فهرب من هرب وهلك من هلك, ومن بقى اغمض العين وراح ينشد حكاية الهجرة ونحن هنا لن نكون حجر أساسها.
صوت الدف: (نسمع رنات من الدف كأنه عتاب) هل تريد ان تستعرض الاهوال ام تلعن وجودي؟ منذ التكوين الاول للوجود ونحن مدق الصراع بين الادنى والاعلى ماذا تريدون منا اكثر من هذا, اتعرف لقد عبرنا كل البلدان والامصار نبحث عن الاحلام, سر الموت والعدم لن يخفى على احد بعد الان, فالمركب سيكون واحد في قادم الأيام.
الكمان: (يخاطب مجموعة الآلات) هذا الدف يعرف متى يكون الطعن ومتى يقود الركب الى حيث يشتهي ان نكون, لن نكون وقودا لكم.
التشيللو: اسمع أيها الشارد ان لإنسانية المتسلطة التي تخص من يعتقدون أنهم هم السادة الأنام بينما طعامهم يحرم منه العبيد
الفلوت: وتجعل للعبيد طعاما تجعل السادة يأنفون منه بحكم طبقتهم , حتى لا نفلت من طبقيتهم
الغيتار: و كما ترى غريزتنا منزله من الرب ولا يمكن ان تكونوا ضمن طقوسها,
الكمان: نعم هو محق فنحن الانا بذاتها, احلامكم ظنونكم جميعا باطله, فاللون والعرق هو مفترق الطرق الان.
المشهد الثالث ) العزف على النوى)
المرأة: (تفتح باب الغرفة وتدخل ثم تغلق الباب, تفتح الإضاءة فرش بنفسجي خفيف به فقع صفراء موزعة من اسفل المسرح. تبدا لوحة فنية صوتية حركية صراع بين الآلات و المرأة)
المرأة: انتم تَنَاهَدَونه بالظنون فمن الصواب ان لا نتركه دون ضوء, سنعلمكم ما نريد ان نكون , سوف لن نتركه وحيدا هذه المرة, و سندخل صوته بمقطوعة انشودة المطر.
عازف الكمان: اسمعني أيها الدف؛ لا تمارس فنك وحسب، بل أبحث عن أسراره أيضاً، لأن الفن والمعرفة يمكن أن يرفعا الجميع لمرتبة الإله. انها فلسفة الوجود
عازف الفلوت: نعم انه محق. و قد حان الان وقت الآزفة, ستفز البشرية على ممتحن جديد.
المرأة: (تتحدث مع الآلات) نحن الان نبحث عن ضوء طاهر من الاخطاء, أليس بأيدينا ان نكون كلنا احرار بعد الان؟ اذا عليكم بتسليم امركم لنا وليس بيد عنصريتكم.
التشيللو: (يضحك) وهل امسكنا عنكم يد القدر ومنعنا عنكم ضوء القمر , اخبريني أين المفر؟
المرأة: (تخاطب التشيللو) اصمت ايها الحجر, أتسمعون (يخرج الاخرون من الغرفة) انهم يريدون ان يتحكموا بأقدارنا مرة أخرى.
عازف الغيتار: تقصدين أنهم يريدون ان يقيموا علينا قانون اللحظات ويحددون الرابح من الخاسر.
صوت الدف: أنهم يريدون ان نكون بيادق حجر مثلهم, انهم يريدون الموت يربض في فراشنا الا ابد الدهر.
عازف التشيللو: نكون؟
الدف: اقصد … اااا نعم نكون انا و انتم.
الكمان: انتم الادوات التي لا تعي من القرارات سوى الموافقة والتبجيل أنتم الان في زمن قاسي ومحدود, إن المكان الان يختنق بأنفاسكم.
المرأة: (تمسك بالكمان كأنما تريد خنقه) قلت لك اخرس, اخرس, نحن من خونا التواريخ وزيفناها بتأويلاتنا اللعينة كي نكون من الدرجة الأولى.
الدف: نعم فنحن لسنا من شمع ووقود يحترق, انسيتم امتحان البشر, وموت الناس طوال الدهر وجثث الغرقى فوق جرف هاو, والموت الصارخ في وجوه الثكلى والارامل (رنات الدف تشتد) هل طاف ببالكم هذا الموت (اصوت بوق قطار وصافرة انذار وكأنهما يقتربان اليهم) لن نسير تحت التناقضات مرة اخرى ونحن يعترينا الخوف.
عازف الكمان: (يكلم الآلات) ماذا تريدون, انت وانت وأنت هل في بالكم ان تزيحوا عنا ثوب الرذيلة والخبث والفجور وتجارة الرق والارض والبحر والبشر, اطمئنوا, نحن لا نحتاج التذكير, اننا نعرف مقاماتنا الواطية هناك من لبس لباس الخيانات (نسمع صوت صافرة القطار وصافرات الانذار تقترب اكثر فأكثر مع هطول الثلج بقوة).
المرأة: (تتحرك نحو الشبابيك وتزيح عنها الستائر حيث نرى شبح الليل يخيم على المكان مصحوب ببرق ورعود) يقينا لن تكون النهاية كما انتم ترغبون, الان حان وقت من يصحو من غفلته حتى وان كانت هي الصحوة الاخيرة, نحن وهذا (ترفع الدف) احياء سنتنفس الطوفان الذي سيهذب النفس المطمئنة. ولن نتوقف عن عزف الموسيقى.
عازف التشيللو: أتعرفون ان الموت هو الوحيد الذي سيطهرنا من ادراننا (يقوم بوخز الغيتار بأصبعه) اما انت فستبقى حبيس صوت العنصره .(نسمع صوت المذياع)
الراديو: لقد فتحت ابواب الجحيم من جديد, اين المفر , لا مقام لكم بعد الان (نسمع صوت صافرة القطار وصفارات الانذار مع عواء ذئاب تقترب اكثر واكثر)
المرأة: (تذهب لفتح الباب الخارجي فنسمع صوت المطر والريح العاصف وعواء الذئاب البشرية وهي تكلم الآلات) لن نهرب مرة اخرى, هذه المرة سأرتدي الحلم فستانا وارقص مع الجميع دونكم ودون قفازات يد.
(يفتح التلفاز تلقائيا ونشاهد اصوات مارشات عسكرية وعواصف وانفجارات وهرج ومرج من الاصوات وكأنه قد أزف يوم القيامة مع اصوات صافرات الإنذار والقطار تقترب بشكل محسوس الى البيت ونسمع اصوات الآلات تتداخل مع بعضها).
المرأة: لن يكون للموت غد ينتظره حيث لا مرايا له او هياج البحر. هذة المرة سنعزف على النوى.
صوت الدف: ولن يكون بعد الان ليل طويل معتم, لن نقبع في اعماق بئرك اللزج مرة اخرى ايها الحي الغربي
المرأة : نعم فنحن لن نهزم مرة اخرى من اجل انهار من عسل وارغفة خبز من جمر احمر اختلط فيه الدنس وبصق فيه الشيطان (تخاطب الآلات) انظروا الكون كله في شجرة ضَرَّبَتْ عروقها في انهار من خمر او في سعير الجحيم.
عازف الغيتار: الان علي ان أنسف ذاكرتكم ليستقيم الكابوس الى حلم حتى وان كان حلم مؤجل
(يستمر المذياع بصراخه وكذلك وميض التلفاز وصوره الوحشية المدمرة مع اصوات هبوب الرياح من الابواب والشبابيك المفتوحة وبياضات الثلج التي تتساقط من خلال النوافذ وصوت عواء الذئاب مع اقتراب صوت القطار ودوي صافرات الانذار وبشكل قريب)
الدف: (نسمع اصوات الدفوف تضرب مع صوت كورال بحري يصاحب حوار الدف) فقط عليك ان تغمض عينيك وتنظر الى ما سيحدث ولكن في داخل نفسك وحدك, لقد حان وقت الفراق ليس هربا وانما سيكون نحن من نقرر العودة مرة اخرى وليس الجمادات من تتحكم بنا بعد الان.
المرأة: لن تلاحقنا المحكمة الالهية من جديد, لن ينتهي امرنا بقيد او حبيس القضبان بل سنصلبكم حتى لا تتكرر المأساة الكونية من جديد, الجمادات لن تعزف سمفونية الشيطان بعد اليوم. استعدوا أيها العازفون لدينا عرض لتقديمة هيا اذهبوا واحضروا اوشحتكم.
(بقع ضوئية على الفانوس والمذياع والتلفاز وضوء باهت على الغرفة الجميع يتجه الى داخل الغرفة وتصاحبهم كل المؤثرات الصوتية مع اقتراب صوت القطار وصافرات الانذار بشكل قريب ومحسوس جدا جدا)
صوت الراديو: يا شعوب الكون هَلُمّوَا الى منفاكم الاخير, صلوا, أَتْلُو, ادعو, اركعوا, ابتهلوا قَدِّسُوا, انفخوا بمزاميركم, فقد آن أوان ان تنثروا التراب فـأنكم الان في الضفة الاخرى من مشوار الحياة, أزفت الساعة وسينشق القمر فلن يكون لكم ضوء بعد الان, ستلتحفون بوحشة العدم ولن يكون لكم عشاء أخير ولا مجير.
(الآلات تصدر اصوات مبهمة ونشاز)
المرأة: لا تقلقوا حان أوان العودة للتكوين الاول للأشياء, ولن ترهبنا الوحشة مرة اخرى سنزرع جينات تغازل الانسام, لن نحلق بعد الان فوق الضرام, علينا ان نموت في النور, لن نعيش بعد الان مع جيوش الوحوش ونسير صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ تحت جيوش النعوش, البداية هي الاحق بعدما ادركنا وَحْشة النهاية, وستعزف الدفوف انشودة المطر.
(يخرج الجميع من الغرفة مرتدين اوشحة بأعلام لبلدان مختلفة و يجلس كل واحداً منهم في مكانه ممسكين بآلاتهم على استعداد أن يبدأ الجميع بالعزف, يبدأ الدخان بالتصاعد وتتزايد أصوات صافرات الإنذار قد اقتربت كثيرا وكأنها امام المنزل).
المرأة: الآن حان وقت اللحن الاخير, واحد اثنان ثلاث ابدأ. (يبدأ العازفون بالعزف بقوة على الآلات فيختلط صوت صافرات الانذار والتفجيرات مع أصوات الآلات ليخرج بتناغم موسيقي جميل فيتصاعد الدخان ولكن لا احد يأبه له فيعم ستوب كادر وسكون تام)
المرأة: (تهمس الى الدف عن طريق صوت المذياع) ستدق الدفوف و لو بعد حين (نسمع صوت امواج البحر واصوات النوارس يختلط مع عزف الدفوف والطبول والكمان والفلوت واللتشلو والغيتار بلحن بحري)
اظـــــــــــــــــــــلام