المشهد الأخير..(عزرائيل) / د. ميادة الباجلان (العراق)
تأليف: مثال غازي
اخراج :براق السيد
المسرح ديمومة الحياة يخاطب الحياة والانسان بكل متغيراته وتجلياته خطابا حضاريا, فكريا للمنتج الخطاب الثقافي الفني للمفاهيم والأفكار الجديدة والقابلة على التأثير في المتلقي, والقادرة على تغيير المجتمع نحو الأفضل ..
(مثال غازي) الكاتب العراقي الذي يحاول في كتاباته أزمة الانسان, أزمة المسرح أمام قضايا جديدة توغل بعمق لفهم المشهد المسرحي للقضايا الفكرية, الاجتماعية, الفنية, الجمالية, فهو يحقق في نصوصه المغايرة والاختلاف ليحقق إمكاناته الابداعية, الفلسفية باتجاه الخلق والابتكار( عزرائيل) هذا هو عنوان النص – الموت- كلمة مخيفة..- الزائر الأخير- الزائر الذي لابد لكل منا ان نواجه.. نستقبله.. شئنا أم أبينا.. أراد الكاتب (مثال غازي) على المواجهة الحقيقية بين(الحياة والموت) حتى ينتصر للحياة .. لذا المخرج( براق السيد) أعطى عنوان فرعي للنص (عزرائيل) الا هو (المشهد الأخير) ..نص فلسفي رسم بصورة تعبيرية جمالية بدلالات فكرية مغايرة لحكاية الانسان المحتوم بالموت, صراع الانسان مع كل ما موجود في الحياة حتى لحظة الموت.. مخاض صعب بعد ان عاش الانسان نكبات, صراعات, آلام,
شاكس المخرج(براق) خطاب النص عبر اشتغالاته الايقاعية البصرية, والسمعية, والحركية بتبادلية الصراع الدرامي للنسق الادائي في وضع سلطة الموت عبر ايقوناتها الرمزية والاشارية بمنظومة بصرية موازية للمنظومة السمعية في تتابع واقع الحدث الدرامي, صاغها في لوحة فكرية جمالية للتجريب والتجديد بأجواء طقسية لروحية العمل في رسم هذة الصورة التعبيرية لقضية الموت, اذ عمد على أن يظهر صورة (الزائر) ملك الموت على هيئة شخص جميل المنظر بملبس حداثي ..
-لقد آن الأوان.. ربما أنا الوحيد في هذا العالم..
-أنا أحضر مرة واحدة في عمر الانسان…
-كل أحلامي تتعلق بالحياة.. ابتسم بحق الأطفال الذين ماتوا..
-أمهلني ولو دقيقة… لقد آن الأوان… انها الليلة الأخيرة..
-وقتك في الحياة قد انتهى.. وقتك في الممات قد بدأ…
فلسفة جدلية الحياة والموت, صورة فلسفية لواقع العالم, وعبثية الحياة المؤلمة, ومصيرها المحتوم بالموت.. مأساة بشرية معاصرة للظروف القاهرة محتوم بالتأزم والقسوة, وأشكال الموت في ظل الحروب والجوع, والألم والنكبات…
المشهد الاستهلالي: عزف حي لصوت (آلة الجلو)(للفنانة تقى) تتوسط المسرح من وراء ستار(خلف البوابة) بوابة العبور الدخول الى عالم الآخر.. بوابة تمثل الفاصل ما بين الحياة الدنيا والآخرة, رسمت على البوابة أرقام.. ربما هي أرقام السنين.. الساعات, وقد غطى المسرح(السايك) بقماش أبيض, ويتوسط المسرح سرير مغطى بقماش ابيض ترقد شخصية المرأة وهي ترتدي الملابس البيضاء للدلالة على مستشفى, وأكفان.. وخلف البوابة بجانب عازفة الجلو رجل يحمل في يده معول من خلف السايك الأبيض( مشهد خيال الظل) يمثل حفار القبور, معول لحصد الأرواح, معادلة البقاء والرحيل..( المرأة = البقاء) ( الزائر= الرحيل), ترى من يقنع الآخر, ثيمة غرائبية بثيمة واقعية, وقد حققت المعالجة الاخراجية لتصميم الديكور(صادق محمد) البسيط الموحى بالأكفان البيضاء فضاءا سينوغرافيا خلقت بمعطياته الفكرية والفنية والجمالية
حققت شخصية (الزائر) براق السيد صراعا في الاداء الجسدي والصوتي والحركي بكل معطياته الايقاعية الفكرية والفنية والجمالية شكلا ومضمونا للمواقف الدرامية, الا ان شخصية (المرأة) لم تكن موفقة في الاداء لنص فلسفي وسط سينوغرافيا فلسفية, اذ كان لابد أن تكون دور المرأة معبرا في قوة الاداء والتعبير للصوت والجسد, اذ بقيت على تون واحد مما أدى الى الهبوط في الايقاع المسرحي, وكفنانة تشكيلية ولحبها للمسرح ولأول مرة تعتلي على المسرح فهذا يحتسب لها اذا ما عملت جاهدة على نفسها في التمرين المتواصل للصوت والالقاء والتمارين الحركية .
لعبت الاضاءة دورا هاما للمصمم السينوغرافي(لبيب حبيب) بجانب الموسيقى التصويرية للموسيقي(حسين شمخي) في لغة بصرية وسمعية حسية ليترجم كل ما هو موجود على خشبة المسرح والمواقف الدرامية, اذ اتسم بالشد الدرامي والتصاعد مسايرا لهذا الألم الانساني والانتماء الروحي في اثبات الوجود الانساني وتمرده على سطوة الموت .. واقعا مريرا لمصير مجهول … واخيرا .. بعد الجدال الذي دار بين كل من (الزائر) و(المرأة) استطاع كل منهما بالإقناع والقبول للمرور عبر البوابة للعالم الآخر..
-هي : ارجوك الابتسامة الجميلة عند امتلاك الروح..
-هو : حاضر.. هيا للعبور من البوابة للانتقال الى عالم الآخر …
وأخيرا.. الموت نهاية كل انسان.. وضعنا المخرج امام ديمومة حالة الترقب والقلق, والانتظار… لا زلنا نعيش في صراعات عدة .. نفسية, اجتماعية, سياسية, اقتصادية, …
ولا زال الصراع قائما.. اين المفر… انه الموت يا سادة.. .