هل الصمت أخرس؟….قراءة في النص المسرحي “مخجل جدا ” للكاتب علي العبادي / علي حسين الخباز
قبل القراءة كنت أقول إن الصمت هو الحقل الناضج لخصوبة المعرفة والتأمل المزدهِ بالتحليل والتفسير في عوالم الذوبان الكلي، وأعرف أيضا أن في الصمت ينمو الحلم، وفي نشوة الصمت يحلو الانتظار.
أحد الفلاسفة المجانين يرى أن الكلام هو العزلة الحقيقية للإنسان، وجاء في نص مسرحية “مخجل جدا” الكثير من الومضات المترفة بالصمت.
الرجل:
ـ عنوان واسع وكبير وعلى حد قولهم فضفاض، وفي الحقيقة هذه الحياة التي نعيشها على طبق من الخيبة ما هي إلا فقاعة كبيرة.
هل ثمة من يدرك الحاجة للصمت؟ لا لينام بل ليتأمل؟
الحياة كما أراها ليست صامتة والأشياء ثرثارة جدا، ومع هذا نستطيع أن نقول كل ما نريد أن نقوله بصمت، شعوب تعلمت الصمت وأنتجت من خلاله الفن والفكر والحياة، وشعوب أخرى اتقنت الضجيج وبينهما ضاع الكثير من الكلام.
الرجل:
ـ قد كتب علينا أن نعيش بصمت باذخ، أين تضع قدمك؟ هنا عليك بالصمت. نحتاج إلى الصمت لنتأمل الجمال، ولا نعرف متى بدأ، لكننا نعرف أن الإنسان يولد بصرخة ويموت بصمت.
(رجل يدخل إلى مخزن أو مستودع تنتشر فيه مجموعة من الدمي وعدد من إطارات الأبواب، وعازف على آلة القانون) يحمل النص مضمرات يورط بها متلقيه، لقراءة ما خلف الحوار الداخلي من معاناة إنسانية، يعتمد النص على حيوية المضمون المعبر عن الألم، وللصمت دلائل منها ما يقرن بسخونة الحوار والهراء وفقدان الأمان، وأحيانا يقرنها بالسخرية وعند الصمت مريب.
الرجال:
ـ (مع الدمية) لماذا لا تتحدثين معي؟ هل أنت بقايا لأحدهم قد مر من هنا؟
بؤر نصية ترتكز على تغريب الوعي وأنسنة الدمي من حيث التعامل الإنساني معها، ليسرب لها الضغوط النفسية والانفعالات الحادة، ينظر إلى الصمت في بعض حواراته بأن الصمت له مساس بخاطر الإنسان ويشبه إلى حد ما السخرية عندما يجابه الإنسان بالصمت، بينما في جمل أخرى يجعل للصمت هيبة ومقاما حتى أنه يهدد الدمية بأن يسلب منها هذا الوقار بأن يجعلها تتكلم.
الرجل:
ـ ستحل عليك اللعنة حينما أجعلك تنطقين (بانفعال) أجل تنطقين تتحدثين لا فرق، المهم أجعلك تمزقين هيبة الصمت الذي به تلتحقين.
ومن طبيعة هذا اللعب التغريب والأنسنة، والأسئلة الاستفهامية والانزياحات الجمالية الفاعلة جعلت النص يتجمل بالشعرية العالية. وقضية الصمت تعني إطالة السكوت، والصمت في لغة النبي صلى الله عليه وآله البديل عن اللغو والكلام الباطل. الصمت أبلغ من السكوت ولأن السكوت هو السكون فالصمت أحد أنواع التعبير في الإرادة، الصمت هو الإمساك عن قول الباطل والصمت في الحق سكوت، السكوت مدته أقصر والصمت له مساحة زمنية أطول.
لرجل:
ـ أنا لا أجيد سوى لغة الوعيد والترهيب، كانت لدي رغبة في أن أمزق هذا الصمت الذي يلف هذه الكائنات،
عوالم متعددة تدخل ضمن مسارات النص، وخاصة المسار الإنساني وخلخلة الواقع الاجتماعي، صرخة بوجه الخلل، صرخة ضد الموت، ومعالجة صارمة ضد سلبية الصمت، جعله محكوما بالقسر ولا علاقة له بحرية العمل، ما الفارق بين الإنسان الصامت والدمى.
الرجل:
ـ أما التحق بزملائي (الدمى) أو ثمة شيء يحدث أو يتغير (بهدوء) لا محبة هنا ـــ لا حياة هنا ـــ سوى الهراء ـــ الموت وحده من يتوهج.
الصمت في تشخيص النقاد أداة تعبير، بها يعبر الإنسان عما يريد، ليس هو الخرس الذي لا يحقق للإنسان هويته، الصمت إرادة إنسانية
الرجل:
ـ (مع العازف) في جعبتك قاموس من الصمت، أنت لا تتحدث سوى عبر آلتك هذه التي ترتل خيباتك المتكررة،
ومن الطبيعي أن مثل هذه الاشتغالات تسعى لتحقيق لذه النص، والصمت الذي عند الدمى معادل موضوعي للنطق، بعض الأحيان يكون الصمت أكثر دلالة كونه يعطي مساحة تأويلية قادرة على الإثراء الدلالي مع الوعي بما ينتجه الصمت من فلسفه وجمال، كونه حوار غير منطوق فهو يمثل استفزازا يحتم التأويل والتخيل والاستغراق والحوار الداخلي للرجل يعكس الصورة التي يريد متلقيه أن يراها في كل دمية.
الرجل:
ـ (يتجه إلى أحد إطارات الأبواب) ما يقلقني أن أكون مثل هذا الإطار الخشبي مفتوح على مصراعيه لا يهمه من دخل ومن خرج وغير آبه لنفسه، كل شيء هنا يدعوني إلى الاحتجاج،
الصمت غير المبرر، الكراهية بشدة، اشتقاقاتها الصرفية يرى معظم النقاد الصمت في المسرح فلسفه ناطقه تعبر عما هو داخلي، الصمت كلام، لغة ناطقة بصمتها.
الرجل:
ـ (مع دميه ذكر) حدثني عن أي حب مررت به، حتى لو كان حب الموت، حب القتل، حب الكراهية، هذه أيضا أنواع من الحب (يرمق الدمية بنظرة غضب) اللعنة عليك أيها البائس
ويرى أن العبادي إن الصمت اعتداء سافر على الكلام، ليصل إلى قراره الأخير
الرجل:
ـ سأحتج بطريقتي الخاصة (يحمل مقعده الخشبي بشكل مربع ينصبه قرب الدمى ويتخذ وضعية الدمى فيتحول إلى شكل دمية)
نص جميل حاولت قراءته