نص مسرحي: “نبول أو لا نبول (To Pee or not to Pee ) “/ هايل علي المذابي
هو: إلى أين؟
هي: إلى الحمام؟
هو: ولماذا تذهبين إلى الحمام؟
هي: كي أبول .. ما بك يا رجل لماذا يذهب الناس إلى الحمام؟
هو: كي تبولين..؟
هي: نعم كي أبول.. !!
هو: ولماذا تذهبين إلى الحمام؟
هي: وأين أبول إذن .. هاه؟
هو: بولي هنا..
هي: هنا أين ؟ هل أنت أحمق؟
هو: بولي هنا سيدتي على الطاولة..
هي: على الطاولة؟!!
هو: نعم على الطاولة هنا..
هي: وكيف تجيز لي البول على الطاولة.. ؟! وكيف يعقل ذلك.. ؟!!
هو: لإن الزمان زمان البول على الطاولات، وعلى البرلمانات وعلى الوزراء وعلى الشرطة الحاكمين، وبدون حياء.. فقد حاربونا بدون حياء..
هي: أبول على هؤلاء كلهم ..؟!
هو: نعم بُولي عليهم كلهم سيدتي فهذا أبسط حقوقكِ ..
هي: وبدون حياء؟!
هو: نعم وبدون حياء.. فقد حاربونا بدون حياء.. ودمرونا بدون حياء.. وعذبونا بدون حياء .. وجوعونا بدون حياء ..
هي: سيغضبون!!
هو: إن غضبوا بولي عليهم ثانيةً سيدتي…
هي: بدون حياء .. ؟!
هو: نعم بدون حياء.. فقد أكلونا بدون حياء..! وبسببهم متنا وتخلفنا وجعنا وعرينا وهرمنا بدون حياء..
هي: سيغضبون !!
هو: إن غضبوا بولي عليهم ثالثةً سيدتي ورابعةً سيدتي وخامسةً وسادسةً وعاشرةً وألفاً وألفاً وسبعمائة وحتى يموتوا من بولكِ سيدتي وبدون حياء… لكن… (يصمت)
هي: لكن ماذا؟
هو: لكن إياكِ أن تستسلمي أو تتوقفي من درِّ بولكِ عليهم..
هي: لماذا؟
هو: إن توقفت عن البول عليهم هنا في هذه الحالة سيغضبون.. بل سيغضبون كثيرا عليكِ، وسيتمادون في محاربتكِ، ولا شيء يمكن أن يوقفهم سوى البول..
هي: لأول مرة أعرف أن لبولي جدوى في هذه الحياة .. !!
هو: من حقكِ ألا تعتقدي ذلك ؟ لكن هو سحر البول.. وفوائد بول الفقراء ..
هي: لكن هل تعتقد أن هذه الفوائد يمكن أن تدرج ضمن أنواع العلاجات الطبيعية.. ؟!
هو: نعم بول الفقراء علاج طبيعيٌ وصالح ومجرب وفعال لكل الأوغاد والسفلة في هذا العالم.. ومثلما أن هناك من يتداوى ببول البعير هناك من يجب أن نداويهم ببول الفقير ..
هي: يا للروعة و يا للجمال .. ثم ماذا؟
هو: ثم ماذا ؟!
هي: وبعد البول أقصد .. هل سترجع الحقوق..؟ هل سنجد العدالة والحرية والكرامة؟
هو: عندما تصبح رائحة الوزراء والبرلمانيين والشرطة الحاكمين البولوجية النشادرية مقززة إلى حد أنها تقتل على بعد ثلاثة آلاف ميل حينها فقط.. (يصمت)
هي: حينها ماذا؟
هو: حينها تأكدي أن بولكِ بول الصناديد الشرفاء، رجالاً ونساء، إنه يعني أكثر من ذلك.. إنه يعني أن بولكِ بول فعال و حقيقي ١٠٠% وصنع خصيصا بمواصفات عالية الجودة لمكافحة الأوغاد الذين باعوا القضية وتاجروا بمعاناتنا، وحينها فقط .. (يصمت)
هي: وحينها ماذا أيضاً؟
هو: وحينها سيكون وجودهم منافيا لناموس الطهارة والنظافة الذي جبلت عليه الطبيعة البشرية .. ببساطة وجودهم سيكون حملا ثقيلا على المجتمعات البشرية ولن يرحب بهم أحد لا الأحياء ولا حتى الأموات .. سيصبح وجودهم أخطر من القنابل النووية والهيدروجينية، التي تهدد بإنقراض البشرية، وهي بالمناسبة حقيقتهم التي لن يكشفها سوى البول ذو الكفاءة والجودة العالية، ولن يجدوا لهم بعدها في هذه الأرض ناصرا أو معينا.. أتعرفين لماذا..؟
هي: لماذا ؟
هو: لأن رائحتهم بول..
هي: (تضحك عالياً) جيد
هو: هل أخبركِ شيئا سيدتي؟
هي: تفضل
هو: لي قرابة 25 عاماً وأنا أشربُ في اليوم الواحد ما يقارب 10 لترات من المياه..
هي: ولماذا كل هذا الترف؟
هو: لأدر البول الوافر الذي سيغرق كل السفلة والأوغاد في هذا العالم، وبالقدر الذي يتماشى مع أعدادهم المهولة… فلولا بطش الأسد لما هابهُ أحد..
هي: تقصد فلولا بول الأسد لما هابه أحد..
هو: (يضحك عاليا) نعم انه ذلك بالضبط..
هي: عجيبٌ أمرك يا رجل..!!
هو: وهل تعرفين أيضا..؟
هي: ماذا..؟
هو: مَنْ كثُر بولهُ صحّت إنسانيته..
هي: وهل هذا مثل شعبي..؟
هو: مثل لكنه غير شعبي.. على الأقل حتى الآن ..
هي: وكيف هذا..؟
هو: مثل من تأليفي ومما استخلصته من تجاربي .. وربما يصبح يوما ما شعبياً ..
هي: لكن كيف أصدقك في كل ما قلته ..؟
هو: اسمعيني جيداً .. لقد قابلت إمرأة ذات مرة وكانت تدعي إنها تشرب في اليوم عشرة لترات من الماء .. لكنني لم أصدقها حتى تأكدت..
هي: وكيف تأكدت؟
هو: لا تذهبي بعيداً بأفكارك.. كل ما في الأمر أنني فتشت فلم أجد لها أي صديق أو حبيب أو قريب في هذي الدنيا الرثة، والسبب في ذلك كثرة البول الذي تدره والذي لم يسلم منه كل من حولها..
هي: وهل اقتنعت حينها..؟
هو: نعم اقتنعت ..
هي: وهل ينطبق ذلك عليك أيضا..
هو: ربما أنتِ الصديق الأخير لي الذي سأمنحه هذه الخبرة ثم أدر بولي عليه إذا لم يطبق ما علمته.. دعيني أخبركِ شيئًا لا تفهمينه..
هي: تفضل..
هو: إن “السلطة المطلقة التي لا حدود لها، هي نوع من المتعة ولو كانت هذه السلطة على ذبابة! فالإنسان ظالم بطبعه.. إنه يحب التعذيب!”
هي: وإن لم يجد ما يتسلط عليه ويعذبه سيعذب نفسه ..
هو: بالضبط ..
هي: إنني أرى ذلك بوضوح في علاقة الإنسان بالمرأة وعلاقة رجال الدين بالمؤمنين وعلاقة الدائن بالمدين وعلاقة السجان بالسجين وعلاقة الأثرياء بالفقراء بل وحتى في علاقة مالكي مواقع التواصل الاجتماعي بمشتريكهم وعلاقة البشر بالنباتات والحيوانات وكل مظاهر الطبيعة من بحر وسماء وبيئة ..
هو: لذلك يمكن القول أن الإنسان سادي بطبعه .. ألا ترين أزمة المناخ التي يتحدث عنها العالم اليوم..؟ إنه هو وحده لا شريك له سببها..
هي: وربما هو أكثر من ذلك.. إنه ذو طبيعة لا أخلاقية، لا تشبهها إلا طبيعة وحوش الغابات وحيواناتها المفترسة..
هو: من هنا بالذات كان لابد أن يوجد طريقين تشكلت ملامحهما عبر عصور التاريخ.. أتدرين ما هما؟
هي: ما هما؟
هو: طريق الفنون وطريق الأديان.. وكلاهما له نفس الغاية، وهي تهذيب طباع البشر وترويض غرائزهم ..
هي: ومن لم يسر في أي الطريقين؟
هو: يسمى الكائن الشرير أو بكلام ألطف الكائن الحر..
هي: وما هي سماته.. ؟
هو: هو كائن لا يسيطر عليه الخوف من أي ذكاء أعلى أو أي قوى فوقية تأمره بأن يفعل ما تفعله الجماعة وتنهاه عما لا تفعله الجماعة..؟
هي: وما ذاك الذي تفعله الجماعة وما الذي لا تفعله؟
هو: عاداتها وتقاليدها وما يسمى قيما أخلاقية وإنسانية واجتماعية..
هي: وإلى ماذا يمكن أن يوصلنا ذلك؟
هو: إلى أن كل الأشرار هم أشخاص أحرار لا تنهاهم أعراف أو عادات أو تقاليد عن فعل الشر وارتكاب الجرائم في حق الآخرين فهم لا يؤمنون بشيء مما جاء في كتب الأديان ولا يحبون الفنون أيضا..
هي: ولذلك قيل “إبق حيث الغناء فالأشرار لا يغنون” ..
هو: بالضبط سيدتي وعليكِ دائما أن تبقي هنالك أنتِ أيضا..
هي: تضحك.. حتما سأفعل فلا أمان يمكن أن نعول عليه ..
(قليل من صمت وهدوء)
هو: أتعلمين ما هي مشكلة المواطن المغلوب على أمره تجاه المجرمين الذين يستبيحون حياته .. ؟
هي: ما هي؟
هو: الخوف الذي لا يتمتع به المجرم..
هي: وما هو الحل.. ؟
هو: الحل كتبته عتابا وتحريضا فيما يشبه قصيدة نثرية ..
هي: هات أطربني .. ماذا تقول فيها؟
هو: أقول فيها .. لا تخف أنت ميت .. لن يستطيعوا قتلك!؟
لماذا تخاف على حياتك وأنت ميت؟!
لماذا تتحدث عن مؤامرة لتدمير مستقبلك.. وأنت تعيش في الماضي؟!
لماذا تشتكي من محاولة عرقلة خطاك وأنت لا تملك خارطة للطريق؟!
لماذا تتحدث عن نظافتك وأنت تعيش في الوحل؟!
لماذا تشمئز من الضفادع وأنت تنام في المستنقع؟!
لماذا تحفظ النشيد الوطني وأنت بلا وطن؟!
لماذا تتحدث عن الحرية وأنت مقيد؟!
لماذا تحفظ مبادئ حقوق الإنسان وتضيع حقوق جارك؟!
لماذا تملك كوما من الأحذية الفاخرة وأنت مقعد!؟
لماذا تتهم الآخرين بتحريض الحياة عليك وأنت ميت!؟
لا تخف.. لا أحد يستطيع أن يقتلك .. أنت ميت..!!
لا أحد يستطيع أن يصدم سيارتك .. أنت لا تملك سيارة!؟
لا أحد يستطيع أن يهددك في الهاتف .. أنت لا تملك هاتفا!؟
لا أحد يستطيع أن يعارض رأيك .. أنت لا تملك رأياً!؟
لا أحد يستطيع أن يفسد يومك ويعكر مزاجك .. أنت نائم طوال اليوم!؟
لا أحد يستطيع أن يسرق أفكارك .. أنت لا تملك أفكارا؟!
لا أحد يستطيع أن يمس كرامتك .. أنت لا تملك كرامة؟!
لا أحد يستطيع أن يسرق أموالك .. أنت فقير؟!
لا أحد يستطيع أن يهدم منزلك .. أنت تعيش في العراء؟!
لا أحد يستطيع أن يوصلك إلى حافة الهاوية .. أنت في الهاوية منذ زمن؟!
لا أحد يستطيع أن يُسقِطَك .. أنت في القاع؟!
لا أحد يستطيع أن يدمر حياتك .. أنت لا تملك حياةً؟!
لا تخف .. أنت ميت.. لن يستطيعوا قتلك!!.
هي: يا لهذا الجمال يا لهذا الإبداع.. نعم ربما على المرء أن يكون حرا بلا خوف وشريرا لينتصر لنفسه وحقوقه وكرامته ولو لمرة واحدة ثم يعود إلى عاداته وتقاليده وقيمه وأخلاقه..
هو: نعم.. على المرء أن يتحول إلى وحش حين يجابه الوحوش.. أتعلمين من أين جاءت كلمة “شرير”..؟
هي: كلا ..
هو: يعود أصلها إلى اللغة العبرية وقد أطلقت على الشيطان أولاً بمعنى “المعارض” والسبب أنه عارض كلام الله ورفض السجود لآدم.. ثم صارت كلمة “شرير” تطلق على كل مخالف للسائد أو متمردٍ عليه.. من لا يهذبه فن أو ينهاه دين.. سأخبركِ شيئًا أيضا. .
هي: هات ..
هو: هل مازلتي ترغبين في أن تبولي؟
هي: نعم ..
هو: بولي إذن..
هي: (تضحك عاليا) وأين سأبول هذه المرة.. على الطاولة..
هو: (يضحك) كلا من النافذة.. على الأغبياء..
هي: بدون حياء.. ؟
هو: نعم بدون حياء .. فقد حاربونا بدون حياء..
هي: سيغضبون ..
هو: إن غضبوا بولي عليهم ثانية..
هي: بدون حياء..؟
هو: نعم .. بدون حياء.. فقد قتلونا بدون حياء..
هي: سيغضبون..؟
هو: إن غضبوا بولي عليهم ثالثةً.. وبدون حياء وأجزلي في عطائِك سيدتي.. أكرميهم .. بلليهم جيدا حتى تخضرّ حياتهم بولاً .. حتى يصيروا طيبين، أو حتى يصيروا أذكياء..
هي: (تضحك عالياً) ..
هو: (يضحك بصوتٍ عالٍ)
هي: ثم ماذا؟
هو: لا شيء سيدتي سننتظر نتائج تحليل بولكِ الكريم..
هي: (تضحك عالياً)
هو: أأخبركِ شيئًا؟
هي: تفضل ..
هو: إن الأشخاص الأذكياء لا يمكن أن يكونوا أشراراً أو مجرمين، لأن الشر والجريمة يتطلبان غباءً ومحدودية في التفكير.. لقد أصبح الشيطان شريراً عندما أعتقد بأفضليته، وعندما يبدأ المرء بتوهم أفضليته يصبح غبيا أو شريرا أو مجرما لا فرق.. أي يضيق أفقه ويعمى تماما عن رؤية الكون واتزانه وانسجام محتوياته، وانعكاس ذلك الاتزان وذلك الانسجام في الكائنات جميعا إنسان ونبات وحيوان، ولا فضل لأي منها على الآخر الا بقدر امتناعه عن الشر والجريمة في حق الآخرين.. لقد كان بنو إسرائيل خير ما خلق الله على هذه البسيطة واصطفاهم الله دون سواهم على العالمين، فقد كانوا أذكياء جدا وبسطاء، لينين، محبين للاخرين ومتساوين معهم في الحقوق والواجبات، لكن الشر تجذر في قلوبهم عندما اعتقدوا بأفضليتهم على العالمين، فطردوا من رحمة الله وصاروا ملعونين في الحياة وبعد الموت.. أليس الشر يعني المعارضة لوجود الآخر بمزاعم الأفضلية؟
هي: أو ربما تقصد عندما مات الإله في دنيا حياتهم؟
هو: أتذكر ذلك الرجل الذي جن جنونه وخرج إلى الشارع صارخا في الناس “لقد مات الإله ” في قصة نيتشه، أتدرين كيف مات الإله عند نيتشه؟
هي: كلا.
هو: دعيني أخبرك إذن كيف مات المؤلف عند جمهور نقاد ما بعد الحداثة وكيف مات الإله عند الفلاسفة ..؟
هي: تفضل سيدي..
هو: إن المؤلف يا سيدتي هو إله يخلق ما يشاء من شخصيات ويحدد لها ما يشاء من القيم والمؤلف لا يموت الا عندما تموت القيم في المجتمع فيتساوى النبلاء في أخلاقهم مع العبيد .. وقد صاح الرجل الذي جن في قصة نيتشه معبرا عن هذه الحالة قائلاً “لقد مات الإله”، إن الإله فكرة قوامها القيم بكل اتجاهاتها تعيش في ثنايا المجتمع وتفاصيل حياة الناس، وعندما تموت هذه القيم والأخلاق فذلك إعلان بأن الإله قد مات، ولم يعد له وجود، والمؤلف بالمثل فإن كان له من مهمة أو وجود فوجوده مرهون بالقيم التي تنشرها شخصيات مؤلفاته ونجدها في تفاصيل حياتهم، وعندما تفتقر أعمال المؤلف إلى القيم والأخلاق فالمؤلف معنوياً قد مات ولا أثر يدل عليه، أليس أثر القدم يدل على المسير والغيوم تدل على المطر والبعرة تدل على البعير، وكذلك القيم والأخلاق تدل على حياة المؤلف وتدل على وجود الإله، وبدون تلك القيم والأخلاق فلا وجود ولا حياة لا لإلهٍ أو لمؤلفٍ.. ومن لم يجد الله في الأرض فلن يجده في السماء..
هي: فهمت الآن كل شيء..
هو: هلمي بنا لنحتفل ونشرب نخب هذا الفهم العظيم ..
هي: هلم بنا أيضاً نبول على كل الأغبياء والتافهين والأشرار وجميع المجرمين..
هو: نخبكِ نخبكِ سيدتي .. To Pee or not to Pee !
هي: نخبك نخبك سيدي .. نبول أو لا نبول.. !
يخرج الجميع