قراءة لكتاب “انزيم x” للكاتب سالم حسين الزيدي/ بقلم: د ميسون حنا
الكتاب يتضمن ست مسرحيات هي : حكاية المواطن ماضي فزع عناد، الاستفهام، العملية، حنان قطا، انزيم x ويستمر العرض.
الكاتب يعيش في دوامة الواقع المفروض علينا، والذي تغلب عليه الإنكسارات، والخيبات، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، ومراوغة الساسة للحصول على مكاسب سياسية تزيدهم تمسكا بمناصبهم وأشياء كثيرة … وهذا كله يتجلى في حوارات وأحداث كافة مسرحيات الكتاب، وعندما نويت آن أعلق على الكتاب دخلت في دوامة الاختيار، فالمسرحيات جميلة، تحاكي الواقع، وتلامس أوجاعنا، وتضعنا في دوامة البحث عن مخرج لما نحن فيه، وتبقى نهايات المسرحيات مفتوحة على الاحتمالات، ومع ذلك وجدتني أختار مسرحية “الاستفهام” في نقدي.
تبدأ المسرحية بحوار بين هو وهي في مكان لم يحدد، ترك لتقدير المتلقي والإخراج. الزمن مفتوح كذلك، ليتيح لنا الكاتب بلباقة أن ننسبه لأي بلد تعمه الفوضى والظلم، وهذا ينطبق على دول العالم الثالث خاصة، ونحن عندما نندمج مع النص او العرض نعيشه في دواخلنا، ونعكسه على واقعنا بيسر وسهولة عندما ندرك في قرارة أنفسنا أن هذا مجرد نص مسرحي، وهكذا نعيش وهم الواقع الذي نرفضه بإرادتنا ولكننا مجبرون أن نعيشه بتفاصيله المملة، القاتلة، المحبطة، نعيشه في خيالنا على المسرح، ونرفضه واقعا وحقيقة.
هو وهي شخصيتان واضحتان، هي تمثل الشريحة الرافضة، المتمردة، وهو شخصية مراوغة، انتهازية، متلونة تبحث عن مصالحها، وتلعب لعبة شد الحبل لتحصل على مكاسبها بطرق ملتوية. هي شخصية نقية ومبدئية.
هو يقول :” يبدو أنك ما زلت تحملين عقد الماضي” يقول لها هذا لأنه في قرارة نفسه يدرك أن الماضي آنقى من الحاضر، هو أسير أفكاره التي تدل على اللاموقف، والضبابية كما وصفته هي. ونحن نتابع الشخصيتين ونكاد نصدق أن ما يدور بينهما هو الواقع حتما، لكن فجأة ينقلنا الكاتب بلباقة إلى وهم الواقع، عندما يتجه هو للجمهور والمشاهدين، وهنا فقط يتضح مكان المسرحية، صالة عرض وجمهور، لعبة داخل اللعبة، فالخيبات والخذلان، والتدهور الاقتصادي، والسقوط الأخلاقي، والاحتلال، والتهجير القسري، هذه وقائع تجعلنا نسافر معها إلى وهم الواقع، إلى التمثيل لنتجرع القبح ببطء، ونخفف من ألمنا ومعاناتنا الحقيقية عندما نقنع أنفسنا بالوهم، وهكذا نتوسع في تشريحنا للواقع الذي يؤذينا واقعا وحقيقة، لكننا نتقبله موازيا للواقع، هو الواقع الوهم، والعلاقة بينهما وثيقة، نكاد لا نفرق بينهما، فالواقع الذي نعيشه موهوم، لأننا في النهاية نتأمل ونحلم أن يكون الواقع مختلفا.
هي تبحث في سجلات التاريخ الذي لا يخلو من صفحات مشرقة نرفع رؤوسنا بها، وهو يشكك بمصداقية التاريخ، ومع ذلك يحن إلى إسبانيا للصلاة في غرناطة، كإشارة لشخصيته الغارقة في وهم السياسات المضللة التي يصفها آنها بلا أخلاق، وهكذا يكون موافقنا. على التحالف مع الغرباء المأجورين، الذين ينفذون ما يأتمرون به كجيش المرتزقة في واقعنا. ومع ذلك يعتقد هو أن للكلمة سطوتها، ومتى تكلم الكاتب فقد أطلق النار، وهي دعوة من داخل النص لنقول الحقيقة دائما فسلاحنا نحن الشعب الأعزل الكلمة.
هي ترقص على أنغام العالم الإفريقي، لأن إفريقيا تعاني الاضطهاد والظلم كحالنا، وهي تراقص الشمس في ظلمة الليل ليبقى الأمل، وفي نهاية العرض تصرخ هي: “انتهى كل شيء، ماتت العهود، وتتساءل هل يبقى شيء جميل؟”. ونحن نعلم أن الجمال موجود رغم القبح المحيط بنا، وعلينا أن نتلمسه. وهكذا تنتهي المسرحية على الاحتمالات، ويبقى الأمل.