خواطر حول فن التمثيل (4).. رد الفعل فعل/ محمد الروبي
عادة ما يقع البعض من الممثلين في خطأ البحث عن شعور ما (غيرة، حب، كره، غضب …) معزولاً عن ما سبق من إنفعالات للشخصية، أو معزولاً عن إنفعالات الشخصيات الأخرى. هذا النوع من الممثلين يتصور أن لديه صندوقاً من الأحاسيس إذا ما أستدعى منه إحداها ستظهر على الفور. وهو ما يجعل أداء هؤلاء البعض أداء ميكانيكياً بلا روح.
عليك يا عزيزي أن تعلم أن الشعور يثيره فعل ما، كلمة، صوت، حركة، نظرة … إلخ. إنه يخرج كرد فعل لفعل سابق. فإذا أردت أن يخرج رد فعلك في مكانه تماماً وبالقدر المنضبط، عليك أن تنتظر أفعال الشخصيات الأخرى، عليك أن تستمع جيداً لما تقوله وتتأمل بدقة ما تفعله. لأن ما تقوله الشخصية المقابلة وما تفعله هو المثير لشعورك وحركتك ودرجة ارتفاع صوتك.. وهكذا.
كذلك لابد وأن تكون علاقتك بما يحيط بك علاقة فهم واستيعاب. بمعنى أنت على خشبة المسرح أو في بلاتوه سينمائي تؤدي دوراً ما في مكان ما له مواصفات ما بألوان محددة لها علاقة بالألوان التي ترتديها أنت (تناقضاً أو توافقاً حسب الرؤية). كل هذه الأشياء (ديكور، إكسسوار، ملابس ) عليك أن تفهم جيدا علاقتها بالحدث وبالشخصية التي تؤديها وبالشخصيات المصاحبة. فالفهم بوابة رد الفعل.
خلاصة القول أنت لست وحدك. أنت بالآخرين وبما يحيط بك. لذلك عليك أن تتعرف على كل التفاصيل حتى تلك التي لم تكتمل (كالديكور والإكسسوار وغيرهما) وذلك عبر حوارك مع المخرج ومساعديه (مصمم ديكور، مصمم ملابس، مصمم موسيقى … إلخ). فكل عنصر من هذه العناصر هو بمثابة مفتاح مضاف لمفاتيح الشخصية التي ستلعبها.
معرفة الأجواء المحيطة – وإن لم يكتمل تنفيذها – ستجعلك تتخيل أين تقف ما الذي سيجاورك، كم درجة ستصعدها من المستوى الصفري إلى المستوى أو المستويات الأعلى، ما لون ملابسك، وملابس الآخرين .. وهكذا.
أنت الآن في ( البروفة ) تقف على خشبة جرداء، لكنها عامرة في ذهنك. ثم ستأتي البروفات التالية أكثر اكتمالاً وصولاً إلى البروفات قبل النهائية أو ما تسمى بالجينرال. وهي البروفة المكتملة (ملابس إضاءة، إكسسوار ، ماكياج،.. إلخ ) أنت الآن في مرحلة الإكتمال التي استعددت لها من قبل عبر مخيلة شكلتها حواراتك مع المخرج والمساعدين.
من هنا تحديدا كانت الـ ( بروفات ) مقدسة ويجب إحترامها. ولا يصح أبدا الإعتذار عن بروفة ما بحجة (أنا حافظ دوري). فكما وسبق أن أشرنا التمثيل ليس مجرد الحوار الذي تحفظه عن ظهر قلب و تلقيه حين يستدعونك.
التمثيل يا عزيزي جماع عناصر، كل عنصر منها يؤثر في الآخر وجميعها تؤثر عليك. فلا تستهن بها مكتفياً بـ ( أنا حافظ يا أستاذ).
الجسد فضّاح
المثل الأصلي يقول ” العيون فضاحة “، وهي كذلك بالفعل. لكن في عالمنا هذا – عالم فن التمثيل – الجسد قبل العين فاضح. وخاصة في المسرح ذلك الذي تكون فيه العيون أبعد من أن يكشفها المتفرج.
و”الجسد فاضح ” المقصود به أن ردود فعلك ستظهر أول ما تظهر على حركة جسدك وإن لم تع. توترك – مثلا – وإن حاولت إخفائه ستفضحه حركة يد أو إرتعاشة قدم أو تثاقل في الحركة. لذلك قلنا ونقول أن عليك أولاً أن تتخلص من توترك لا إخفائه. فمحاولات الإخفاء لا تنجح عادة. من هنا جاءت أهمية تمارين الإسترخاء، تعرف عليها ومارسها لا قبل العرض فقط ، بل طوال الوقت. أهل جسدك على كيف يتخلص من توتره حين تريد. التوتر شعور طبيعي يصاب به الإنسان المقدم على فعل جديد أو على اختبار سيتحدد عليه مصير. لذلك فإن أكثر المعرضين للتوتر هو الممثل وخاصة في ليالي العرض الأولى.
آفة التوتر عند الممثل أنه سيجعله ينسى، يرتعش، يتهدج صوته. وكلها أفعال ستعيق امتلاكه للشخصية التي تدرب عليها كثيراً. واعلم يا عزيزي أن التوتر سيجلب توتراً أكبر. فأنت تدخل الخشبة متوتراً، ستحاول أن تسيطر على نفسك، المحاولة ستدفعك إلى محاولة إخفائه، سيتشتت ذهنك ما بين ما يجب أن تقوله من حوار أو حركة وما بين محاولتك إخفاء توترك، فيزداد، وهكذا. إذن الحل الأنجع ألا تبدأ إلا وأنت متخلصاً من التوتر، وهو ما لن يأتي إلا بتدريب للجسد ينفض عنه كل توتر.
والجسد يا صديقي أيضا وباعتباره أداتك التي ستعزف عليها لحن شخصيتك لابد أن يكون طيعاً مرناً، تتحكم فيه لا يتحكم فيك. ينحني حين تريد، يقفز حين تريد، يدور دورة كاملة وبسلاسة حين تريد. وهي أفعال لن تستطيعها إلا بعضلات مرنة لن تحصل عليها إلا بتمارين معروفة يجب أن تتعلمها وتمارسها بشكل يومي.
ونصيحتي لك عزيزي الشاب، إذا أردت أن تمتلك جسداً طائعاً عليك أن تتعلم الرقص وتمارسه. ليس فقط لتكون مستعداً لدور يتطلب رقصاً، بل لأن الرقص هو ما سيمنح جسدك توافقاً. وسيغرس في روحك قدرة على خلق إيقاع يتوافق وإيقاع العمل ككل. الرقص يا عزيزي هو التناغم بين الجسد والموسيقي، الموسيقى التي ليست بالضرورة تكون مسموعة لكنها موسيقى داخلية تعزفها آلات عدة في العمل الدرامي. نصيحتي هي أن ترقص وترقص وترقص. بل تدرب على الرقص كما لو كنت راقصاً محترفاً. تعرف على الخطوات المختلفة وعلى الإيقاعات المختلفة. مارس الرقص كما لو كان عنصراً من عناصر حياتك المهمة.
كذلك لابد أن تعلم أنك مثل الرياضي ذلك الذي لا ينزل إلى الملعب قبل أن يؤهل عضلات جسده وإلا ستتمرد عليه في منتصف السباق فتصيبه بتشنج يعيقه عن استكمال السباق. لابد أن تعتاد على ممارسة رياضة الـ( تسخين ) قبل نزولك الملعب سواء في بيتك قبل توجهك لمكان العرض أو في غرفتك الخاصة بالمسرح أو في الكواليس قبل دخولك. وافعل ذلك وأنت تردد في ذهنك قاعدة ( الجسد فضّاح).
عن: مسرحنا عدد: 868 بتاريخ: 15 أبريل 2024