نص مـسـرحـي: “هـــــؤلاء “/ تأليف: إحسان الخالدي

مستوحاة عن مسرحية (الحارس) للكاتب الانجليزي هارولد بنتر

 

الشخصيات

الأول – شايف

الثاني – عايف

الثالث – نايف

—————————-

مقهى عام (المقهى بوصفها مركزا اجتماعيا وثقافيا)، يعتلي الكراسي أشخاص يرتدون أزياء متنوعة تشير إلى مناطق وفترات مختلفة من التاريخ …  شايف يبحث عن كرسي، لا يجد مكانا فيذهب للحديث مع صاحب المقهى، في هذه الأثناء عايف يراقب الجالسين، ويركز نظره على شايف، بينما يقف نايف خارج المقهى في جانب من خشبة المسرح … يتصاعد الجدل بين رواد المقهى تدريجيا، ثم تتعالى الأصوات حتى يصبح ضجيجا، ثم ينشب شجارا بين رواد المقهى وحينها يصعب التمييز بين شخص وآخر … يخفت الشجار تدريجيا، ثم يظهر الثلاثة (شايف، عايف، نايف) من بين الأضواء والظلال، يحملون أسلحة رشاش ومسدسات، يحاربون بضراوة، لا ضير أن يتخلل المشهد رميا بالرصاص الحيّ، كأنه مشهد حرب فعلا، يثير الرعب عند المتفرجين، ربما يضطر بعضهم إلى مغادرة القاعة!.. يأخذ كل واحد من الثلاثة موقعا، ويرفع كل منهم مسدسه نحو الأخر، نسمع إطلاق رصاص مع الظلام. صمت

نايف: (يقف عند وسط المسرح، يرتدي جاكيت جلد، ويتحدث عبر تلفون نقال. يظهر في إطار نافذة وهمي، بعد إنهاء المكالمة، يتفحص المكان، ينظر إلى الخارج عبر النافذة المفترضة، ثم يحدق في جردل معلق… ينظر فوضى الأشياء التي تغطي المكان، يركز نظره على تمثال لبوذا، ثم ينظر نحو الأفق باتجاه الجمهور.. صمت.. مؤثر باب يُفتح… ينتبه نايف للصوت، يتوقف عن فعل أي شيء، يتحرك بهدوء، ثم يختفي …)

يُسمع مؤثر غلق باب أو أبواب، يتكرر المؤثر ثم يتلاشى.  صمت   يدخل عايف يتبعه شايف؛

شايف: (ثقيل الأنفاس، يرتدي معطفا باليا، بنطلونا يصعب تحديد لونه أو موديله، وصديريا، ويلبس صندلا متهالك.. يدير بصره في المكان يتجه نحو الـ”نافذة” (الإطار الوهمي الذي ظهر فيه نايف قبل ثوان). يبدو شايف وكأنه خارج من معركة، وقد واجه أخطار في الخارج جعلته في الهيئة التي هو عليها والحالة النفسية التي هو فيها، مشوش الذهن، قلق الحركة، انفعالي ومتقلب في السلوك).

أما عايف (يرتدي بدلة بصف من الأزرار، وربطة عنق… يتحرك إلى الجهة المقابلة للباب تحت جردل المعلق … يبدو مشوش الذهن لكنه هادئ حد الملل، أفعاله وردود أفعاله مشوشة وغير مستقرة).

شايف: (ينظر نحو الخارج عبر النافذة “الإطار الوهمي”.)

عايف: إستريح

شايف: (يسحب نفسا عميقا، ثم يزفر بحسرة تعتصر قلبه).

عايف: استريح

شايف: أستريح؟

عايف: استريح

شايف: (لا يزال ينظر نحو الخارج) هناك

عايف: هنا

شايف: (لايزال ينظر عبر الإطار الوهمي) هنا؟

عايف: (يعدل كرسيا كان مقلوبا على الأرض) استريح

شايف: هنا

عايف: هنا

شايف: (لا يزال ينظر نحو الخارج) هنا … هناك … لا فرق

عايف: (بتأكيد) اجلس

شايف: (يجلس على الكرسي) لم أجلس بطريقة كهذه من قبل … جلسة مريحة… مذ كنت صغيرا لم أذق طعم الراحة

عايف: خذ راحتك … واستريح

شايف: أستريح.. نعم أستريح.. ابحث عن مكان حتى أستريح.. كل الأمكنة مشغولة..حتى المقهى.. المكان الذي يجمعنا بدون مواعيد..بل دون أن نعرف بعضنا البعض أحيانا.. هذا المكان صار من الصعوبة أن نلتقي فيه.. كل كراسي المقهى مشغولة..كل واحد من رواد المقهى يحتل كرسيا.. “ومستريح”..غربيون. شرقيون..جنوبيون.. شماليون..كل واحد منهم يحتل كرسياً ..إنهم يحتلون الكراسي عنوة أحيانا..انا اشتغل عامل خدمة.. الجالسين على الكراسي شغلوني عامل خدمة (يجلس عايف على السرير، يلف سيجارة لنفسه) يحتلون الكراسي..يمينيون..يساريون.. أفندية..معممون..وغيرهم.. هذا الذي حصل..ولا يزال..وسيبقى.. يحصل..ويحصد.. يحصدنا نحن المتعبون..الواقفون بين الكراسي..أما الجالسون.. يعاملونني بطريقة أقل ما يقال عنها..زبالة..كما لو كنت أمامهم قذارة.. ماذا عليّ أن أفعل؟ ها؟ أخفف عن نفسي..ارفع الحمل عن ظهري..وأصبر.. لماذا؟ … كادوا أن يقتلوني.. بل حاولوا قتلي أكثر من مرة (عايف يشعل السيجارة) صمت

عايف: (يقدم له لفافة التدخين) تريد واحدة من هذه؟

شايف: لا … لا أدخن

عايف: ليست سيجارة

شايف: لا أريد … ماذا قلت؟ ليست سيجارة؟

عايف: ليست سيجارة

شايف: ماذا إذاً…!؟

عايف: شيء يشبه السيجارة

شايف: تبغ من نوع خاص؟

عايف: إنه ليس تبغا على كل حال

شايف: فعلا رائحته لا تشبه رائحة التبغ.. رائحة غير مألوفة.. غريبة على منخريّ

عايف: أفضل من تبغ السجائر (يقدم له) جرب

شايف: لا لا.. (يخرج غليون من جيب المعطف) هذا أفضل

عايف: هذه تجعلك تحلّق … كما تعرف “الخمر”شحيح هذه الأيام.. أصبح شحيحا مثل مياه الأنهار

شايف: (بسخرية) تقصد أن ما تدخنه بديلا عن العرق أم عرق ناشف؟

عايف: خمر ناشف …! (يضحكان) هذا هو الموجود منذ أن تغلغلت أيدي اللصوص والفاسدين في أسواق المدينة.. وصاروا يحكمونها بمزاج الكبتاجون والحشيش … وصار كل شيء ناشف..

شايف: (بأسى، مع نفسه) لا يَرقبوا فيكُم إلاً ولا ذِمّة (يُعرض فيلم عبر عارضة أو شاشة حاسوب “مونيتور” معلقة في فضاء خشبة المسرح؛ مقاطع من اجتماعات زعماء العالم، يفضل أن تكون اجتماعات دافوس أو قمة العشرين التي يحضرها في الغالب رؤساء الدول الكبرى، والدول الأغنى والأقوى في العالم.. يتضمن الفيديو خطابات رسمية لبعض الرؤساء أثناء اعلانهم حالة حرب، خطب زعماء ديكتاتوريون.. “في فضاء الخشبة عارضات حاسوب أخرى معلقة، يمكن استخدامها جميعا مرة واحدة حسب الرؤية الاخراجية”)صحيح أنا متشرد.. لكنني نظيف.. اعتني بنفسي (يجول بنظره في فوضى المكان، ثم يقف أمام تمثال بوذا، يحدق فيه) كنت أأكل في أرقى المطاعم.. وبأحلى الصحون.. كنت أجالس اخيار الناس وعلية القوم.. لم يكن يجرؤ أحد التجاوز عليّ أو حتى الكلام معي.. لم يستطع أحد أن يقول لي “على عينك حاجب”.. أو يمسّني بكلمة أو يسلب حريتي.. أما الآن لم أعد كما كنت.. ليس بالمستطاع فعل الكثير … خارت القوى.. وضعف البدن.. الصحة ليست على ما يرام.. لقد مرت عليّ مصائب.. ومصاعب … أمراض.. وأوبئة (يجلس على الكرسي) إييييه … لولاكَ لكنتُ الآن في عِداد المَوتى.. أو.. أو ربما أرقد في واحدة من مستشفيات المدينة البائسة.. عليك أن تعرف بأنني تركت أغراضي الشخصية وملابسي هناك … كل ملابسي في الحقيبة.. مع أنها قديمة.. لكنها ملابسي على أي حال … كنت على عجلة من أمري … أنا دائما على عجلة من أمري … لا أستقر في مكان لفترة طويلة … أشعر بأنني مراقب.. بل أظن بأننا جميعا مراقبون … قل بأنني كنت مرتبكا، مُضطربا.. قل ما شئت

عايف: في يوم ما سأذهب إلى هناك، وأجلب لك الحقيبة (يبدأ عايف بمعاينة هارد كمبيوتر، ثم تفكيكه)

شايف: (مدة من الصمت، ينظر حوله) أهذا مكانك؟

عايف: (يجيب وهو مشغول بعمله) نعم

شايف: عندك أشياء كثيرة.. المكان فوضى (مع نفسه) فوضى هناك.. فوضى هنا (لعايف) كثيرة

عايف: كثيرة فعلا … بعضها مفيد، وبعضها لا

شايف: تنام هنا…؟

عايف: (لا يزال منهمكا في عمله) نعم

شايف: أين؟

عايف: (يشير إلى السرير البعيد عن النافذة الوهمية) فوق هذا

شايف: آها.. حتى تكون بعيدا عن التيار…؟

عايف: (يتوقف عن العمل، وينظر لشايف بتساؤل ودهشة)

شايف: (يستدرك) تيار الهواء

عايف: التيار ليس دائما بنفس المستوى.. أحيانا سريع.. وبارد.. وأحيانا بطيء وخفيف مثل النسمة

شايف: هناك … الأمر مختلف تماما

عايف: ربما

شايف: عندما يهبّ التيار … تصبح الحالة خطرة

عايف: ممكن

شايف: وعندما يكون التيار غير مستقر.. فالأمور تنذر بعاصفة

عايف: (باستغراب) عاصفة…!

شايف: العاصفة دائما تعقب التيارات

عايف: (بتساؤل) ماذا تعني؟

شايف: عندي حساسية من كل التيارات

عايف: (باستغراب شديد) حساسية؟

شايف: (يغير الحديث) أيوجد غرف غير هذه هنا؟

عايف: خارج الخدمة

شايف: خارج الخدمة!  لماذا؟

عايف: تحتاج إلى تأهيل وتصليح

شايف: كل غرف البيت؟

عايف: تحتاج إلى إعمار وإصلاح

شايف: أشياء كثير بحاجة إلى إصلاح … كثير من الأمور يجب إصلاحها (يغير الحديث) لمحت أشخاصا في البيت المجاور

عايف: بيوت عديدة تحيط بنا

شايف: (يركز نظره على عايف) مختلفة أم متخالفة؟

عايف: الجميع جيران

شايف: مـَن يعيش في البيت المجاور؟ (يضع الغليون في فمه دون أن يشعله، وينفث الدخان كأنه يدخن)

عايف: عائلة تعيش في البيت المجاور

شايف: مـِن أين…؟

عايف: ماذا؟

شايف: مـِن أين؟

عايف: ماذا تقصد؟

شايف: أقصد من أي جهة هم.. اليمين أم اليسار؟

عايف: ليس بالضبط.. ولا أراهم كثيرا

شايف: لن تراهم كثيرا، ها!؟ (بسخرية) إنهم أشباح على ما أظن (يتجول في المكان… يبحث عن شيء ما) أعندك قندرة؟

عايف: قندرة! ماذا تقصد؟

شايف: (مؤكدا) قندرة، يعني قندرة … حذاء، جزمة

عايف: القندرة عندك مهمة أكثر من أي شي آخر؟

شايف: مسألة حياة أو موت.. اسمع.. بهذا الصندل المهترئ مشيت مسافة طويلة بعد أن عبرت النهر إلى الجهة الثانية من المدينة

عايف: لماذا؟

شايف: من أجل قندرة

عايف: يعني لازم يكون عندك قندرة؟

شايف: بعد تلك الرحلة الشاقة … لا يمكن أن تتخيل ماذا وجدتُ في ذلك المكان

عايف: بالتأكيد لا أعرف

شايف: شاهدت شيخا.. ليس وقورا.. كان شيخا فظا… منحطا (يغير الحديث) كم شخصا يعيش في بيت الجيران؟

عايف: لماذا تلح بالأسئلة!؟

شايف: أكثر من شخص يسكن البيت المجاور.. أم شخص واحد كما أنت هنا؟

عايف: (يسحب حذاء من تحت السرير) هل تنفعك هذه؟

شايف: أتعرف ماذا قال لي الشيخ الـ“فظ”؟ (ينظر إلى الحذاء) ليست على مقاس قدميّ … أعتقد أنها ضيقة

عايف: تعتقد؟

شايف: القياس ليس مضبوطا

عايف: هذا حذاء ايطالي … أحسن نوعية

شايف: لن أستطيع أن أركب هذه القندرة.. من الصعب أن تركب قندرة ضيقة (يغير الحديث) الشيخ فتح بابا.. كان بابا غير عادي … كبيرا وعال جدا.. كنت أقف أمامه.. أمام الشيخ.. وقلت له … سمعت بأنكم توزعون قنادر … أنظر (يريه الصندل) منتهي.. لم يعد ينفع مطلقا

عايف: (يمثل الدور) اغرب عن وجهي … لا أريد رؤيتك في هذا المكان

شايف: لن أسمح لك بأن تكلمني بفظاظة.. أنا رجل كبير السن.. بالمناسبة … لا يهمني من أنت.. ولن أعير أي أهمية لموقعك في هذا المكان..

عايف: (بدور الشيخ) إذا لم تغادر المكان فورا.. سأرفسك رفسة مثل حصان هائج.. وأوصلك إلى الباب الرئيسي بسرعة البرق

شايف: شيخنا.. قندرة.. كل ما أريده.. قندرة.. لن أسمح لك بأن تتصرف معي مثل ما تريد … مشيت طوال ساعات النهار.. عبرت النهر قادما من الجهة الأخرى للمدينة..  من أجل قندرة.. النهار بطوله من دون أكل.. أتعرف ماذا يعني أن تقضي النهار بطوله من دون أكل؟؟ أشك بأنك تعرف.. والآن لا أريد قندرة.. استغنيت عنها.. سأحتفظ بهذا الصندل المتهرئ … أريد لقمة أكل … أم أن الأكل نفد عندكم أيضا؟

عايف: (بدور الشيخ) لفّ حول المبنى.. ستجد بابا يؤدي إلى المطبخ.. كُل وعبء جوفك بالطعام.. ثم اذهب بعيدا عن هذا المكان … أجري سريعا وإياك أن تلتفت إلى الخلف

شايف: قطعتُ المدينة من شرقها إلى غربها مشيا على الأقدام بهذا الصندل المهترئ.. قطعتُ كلَّ هذه المسافة طوال ساعات النهار حتى أحصّل على قندرة (يوجه كلامه للشيخ الذي لم يعد موجودا) سوف أشكيك … عند الأم تريزا

عايف: (يؤشر على الحذاء) جرب الحذاء

شايف: (يخلع الصندل، يلبس الحذاء) يبدو جميل..الجلد مدبوغ دباغة جيّدة.. هه؟ في إحدى نهارات المدينة الحارقة..أعطاني شخصا ما حذاء شاموا..لم أخذها منه..بالتأكيد لا تعرف.. لم أخذها لأن الشمواه تتقطّع بسرعة.. تقرمش بالشتاء.. وتبقع بماء المطر..في الصيف تتهرأ من شدة الحرارة (ينظر الحذاء) فعلا قندرة … لا يعلى عليها

عايف: عال

شايف: (يتحرك وهو يلبس الحذاء) لكنها ليست على مقاس قدميّ

عايف: ماذا تقول؟

شايف: قدمايّ عريضتان … والقندرة ببوز رفيع

عايف: واضح..

شايف: سوف تتورم قدمايّ إذا ركبت هذه القندرة.. سأحتفظ بالصندل.. صحيح أنه لا ينفع ومنتهي الصلاحية.. لكنه على الأقل مريح … صحيح أنه لا يحمي قدميّ لكنه لا يؤذيهما (يخلع الحذاء ويعيده) شكرا على هذه القندرة الجميلة … قلت لي من أين؟

عايف: ماذا؟

شايف: القندرة؟

عايف: ما بها؟

شايف: مـِن أين؟

عايف: ماذا تقصد بمـِن أين؟

شايف: قلتَ بأنها أحسن قندرة

عايف: إيطالية

شايف: هذه هي … إيطالية

عايف: سأحاول أن أحصّل لك على قُندرة غير هذه

شايف: لا أستطيع

عايف: (باستغراب) ماذا؟

شايف: لا أستطيع الاستمرار على هذه الحال … لا أملك قندرة جيّدة ومريحة.. بهذا الصندل لن أتمكن من الحركة بسهولة … ولن أستطيع التنقل بأريحية … عليّ أن أدور في طرقات المدينة بحثا عن مكان آمن أستقر فيه … لكن بهذا الصندل المهترئ … لا يمكن … لا أستطيع

عايف: ماذا تريد، وإلى أين تذهب؟

شايف: في بالي شيء.. أو أكثر من شيء… عليّ الانتظار حتى تتحسن الأجواء

عايف: (يعود للانشغال بتفكيك الهارد) أيعجبك أن تنام هنا؟

شايف: هنا…!؟

عايف: تستطيع النومَ هنا إن أردت

شايف: هنا…! ها … إلى متى يمكنني البقاء هنا؟

عايف: إلى أن تجد مكانا تستقر فيه

شايف: لـِمَ لا.. هنا..  ممكن

عايف: أو.. حتى تحصل على عمل مناسب

شايف: عمل…!صحيح.. يجب أن أجد فرصة عمل (بسخرية) بدون عمل نفقد الأمل.. لكن أين يمكنني أن أنام؟ (يجول بنظره سريعا في المكان) لا يوجد سوى سرير واحد في هذه الغرفة

عايف: يوجد سرير آخر (يشير إلى سرير ثان فوقه كومة من الأشياء) علينا أن نرفع هذه الأشياء المتراكمة فيصبح جاهزا للاستعمال

شايف: حسنا.. سأنام هنا حتى أجد عملا مناسبا (يتجول في الغرفة، يقف عند الموقد) هل المَوقد يعمل؟

عايف: لا يعمل

شايف: ماذا تفعل إذا رغبتَ بشرب الشاي أو القهوة.. أو.. لو أردتَ أن تأكل لقمة؟

عايف: لن أفعل أي شيء

شايف: صعبة.. جدّ صعبة (يرى ألواح الخشب) ما هذا الخشب؟

عايف: أفكر ببناء ورشة

شايف: هل أنت نجار.. أم … أم مصلح الـ (لا يعرف حاسوب.. ولذلك يشير إليها فقط) وأين ستبني الورشة؟

عايف: في حديقة البيت

شايف: تبني ورشة في الحديقة؟

عايف: (يقف ساكنا) ما الذي يمنع؟

شايف: (يمسك تمثال بوذا) وهذا مـَن؟

عايف: (يأخذ التمثال) بوذا

شايف: بوذا!؟

عايف: بوذا.. أحبه.. أحبه كثيرا.. أنت ما رأيك؟

شايف: بماذا؟

عايف: ببوذا؟

شايف: ها … لـِمَ لا … ممكن

عايف: لا تعرف مقدار فرحي حينما اشتريت التمثال … تمثال جميل.. أعجبني كثيرا.. عمل متقن (ينظر شايف إلى فوضى المكان بتركيز) سنتخلص من الأغراض الزائدة …

(يبدأن بنقل الأشياء، آلة قطع الحشائش، أدراج خشبية، أغطية خاصة بأجهزة الكومبيوتر، لفائف من الأسلاك، قطع أثاث مبعثرة في المكان)

شايف: (يتوقف) هل يوجد شخص آخر يسكن معك هنا؟

عايف: ماذا؟

شايف: شخص ثان يستخدم الغرفة او السرير؟

عايف: ليس بالضبط

شايف: هل هناك شخص ثان أم لا؟

عايف: (يخرج العلبة ويشرع بلف سيجارة) أنت كثير الأسئلة … ماذا تريد أن تعرف؟

شايف: أريد أن أعرف إن كنتُ أستطيع النوم هنا أم لا؟ وإلى متى يُمكنني البقاءَ هنا؟ … فأنا أنتظر تحسّن الأجواء حتى أذهب إلى هناك

عايف:هناك؟ أين؟

شايف: إلى المدينة …

عايف: المدينة؟

شايف: الأجواء هناك ملغومة … وملعونة … يمكن أن تهبّ العاصفة في أي وقت.. وإذا جاءت العاصفة ستقتلع كلّ شيء … كيف سأذهب إلى المدينة بهذا الصندل المهترئ؟

عايف: لماذا المدينة؟

شايف: أوراقي هناك

عايف: ماذا؟

شايف: أوراقي

عايف: أية أوراق؟

شايف: الأوراق التي تثبت من أنا… الأوراق التي تعرّف عن شخصيتي … تركتها عند صديق هناك

عايف: لماذا؟

شايف: لأنني لست أنا …منذ سنين وأنا أعيش باسم ثان … مستعار

عايف: مستعار!؟ وما الاسم الذي تحمله الآن؟

شايف: حلمان

عايف: (مندهشاً) حلمان…!؟

شايف: لا عليك.. الاسم ليس مهما دائما.. لكن لابد أن أسترجّع اسمي الحقيقي.. الأسماء تصبح ضرورية كلما وقعنا في مشاكل.. لا أستطيع العيش باسم مستعار بعد الآن … أريد أن أحصل على حقوقي (يخرج بطاقة من جيبه) أنظر.. هذه البطاقة عليها أربعة أختام.. أربعة فقط.. لن أتمكن من استخدامها في كل الأوقات.. البطاقة بحاجة إلى مزيد من الأختام حتى تصبح رسمية مئة في المئة.. الأمر ليس هيّنا كما تعرف.. لا أملك ما أدفع للحصول على بطاقة رسمية … تخيّل بأنك تعيش في مكان لا تملك فيه بطاقة رسمية

عايف: لا بد من ختم البطاقة

شايف: حتى وإن ختموها.. لا تنفع.. فالاسم في البطاقة ليس حقيقيا

عايف: تريد أن تتخلص من اسمك المزيّف، وتستعيد اسمك الحقيقي

شايف: أنتظرُ تحسن الأجواء حتى أذهب إلى المدينة … أوراقي هناك… فيها كل المعلومات الصحيحة

عايف: منذ متى تركتَ عنده الأوراق؟

شايف: من هو؟

عايف: صديقك

شايف: منذ أيام الحرب

عايف: الحرب …! أية حرب؟

شايف: لا أتذكر بالضبط … الحروب كثيرة كما تعرف … إيههه … اختلطت الحروب … وتاهت الأيام … وضاع العمر

عايف: هل متأكد أن الأوراق لاتزال عند صديقك؟

شايف: متأكد تماما

عايف: ربما انتقل إلى مكان آخر.. أو سافر مثلما سافر آخرون.. وتركوا المدينة … أو ربما مات.. تعرف الموت صار مثل الأكل وشرب الشاي.. الموت صار شيئا معتادا يمر بحياتنا دون أن يؤثر علينا أو يغيّر شيئا فينا

شايف: لا تجعل منها قصة طويلة.. حزينة.. أعرف المكان الذي يعيش فيه.. عندما أكون في المدينة.. سأذهب إلى صديقي وأنا مغمض العينين

عايف: هل من الضروري الذهاب إلى هناك؟

شايف: ضروري جدا … أتعرف لماذا؟ لا تعرف بالتأكيد … عليّ الذهاب إلى هناك … لكنني لن أستطيع المشي بهذا الصندل المتهالك الأعضاء … والأجواء هناك.. كما تعرف … أو لا تعرف.. لا أدري

عايف: سأتابع الأخبار

شايف: أريد أن أصل إلى هناك بأيّة وسيلة (ينتبه للجردل المعلق) لماذا تعلق هذا الجردل؟

عايف: هناك تسريب بالسقف

شايف: (ينظر إلى الجردل) السقف يسرّب؟

عايف: يسرّب ماء

شايف: كيف سأنام هنا … وأنت كيف تنام هنا؟

عايف: هكذا دائما … (ينشغل بتصليح أحد أجهزة الكومبيوتر)

شايف: تحاول معرفة الخلل، ها؟

عايف: نعم

شايف: استمر بالمحاولة

عايف: عندك شك؟

شايف: من دون الشك تفشل المحاولة

عايف: المحاولة تحتاج وقت وجهد

شايف: لا تتعب نفسك (يضطجع فوق السرير، تتلاشى الأضواء … ظلام … بعد ثوان يضاء المكان ثانية … عايف يثبت أزرار بنطاله، يرتدي جاكته ثم يتجه ناحية شايف، ينظر إليه، يسعل، ينهض شايف بسرعة) مـَن؟ ما الذي يجري؟ تسريب،تهريب، تشطيب؟؟

عايف: ماذا دهاك؟! … لا شيء يخيف

شايف: لقد أفزعتني

عايف: (يبتعد عنه) لم أقصد ذلك، أردت التأكد إن كنتَ مستغرقا بالنوم أم لا؟

شايف: كنتُ ميتا

عايف: كنتَ تحلم

شايف: أحلم؟.. لماذا؟

عايف: لا تحلم واسمك حلمان…!؟

شايف: هل عليّ أن أحلم لأن اسمي حلمان.. أم لأنني مستغرق في النوم؟

عايف: لا هذه ولا هذه … كنت تصدر أصواتا وأنت نائم

شايف: (باندهاش) أصوات؟ ماذا تقصد بأصوات؟

عايف: كنت تهذي بكلام غير مفهوم.. ترطن

شايف: ارطن!؟ لماذا ارطن؟ لا.. لا.. اكيد انت غلطان.. لم يقل لي أحد من قبل بأنني ارطن أثناء النوم.. ولماذا ارطن؟

عايف: لا أعرف

شايف: غير معقول!… أحلم؟ وارطن؟ لا.. لا.. حتى وان كان اسمي حلمان … فهذا اسم مستعار … تمويه

عايف: السرير غير مريح؟

شايف: السرير مريح جدا

عايف: اقصد السرير غير مألوف

شايف: كل شيء مألوف.. هذه ليست المرة الأولى التي أنام فيها على سرير … اسمع … ربما كانت الأصوات من جهتهم… أقول ربما

عايف: جهةُ مـَن؟

شايف: جهَ.. تـــُ … هُمّ

عايف: مـَن هُمّ؟

شايف: (يوميء إلى جهة الجيران) أقول ربما …

عايف: (متململا) ممممممم

شايف: (يتحرك عايف نحو الباب) أفكر.. إذا.. إذا كنتَ أنتَ تحلم

عايف: ماذا!؟ أحلم…؟

شايف: تحلم أنك تسمع أصواتا… كثير من الناس يحلمون بأنهم يسمعون أصواتا

عايف: أنا لا أحلم

شايف: هذا ما أحاول أن أقوله أنا أيضا.. أنا لا أحلم … لهذا فكرت انه ممكن.. أنت تحلم … أقول ممكن

عايف: قلت لي ما اسمك؟

شايف: اسمي؟

عايف: الحقيقي؟

شايف: اسمي الحقيقي؟

عايف: بالتأكيد

شايف: (صمت قصير) شايف

عايف: ماذا؟

شايف: شايف

عايف: شايف ماذا؟

شايف: شايف .. هو اسمي الحقيقي

عايف : (صمت قصير) شايف؟! (صمت) أين ولدت؟

شايف: (بغموض) ماذا تقصد؟

عايف: أين.. ولدت؟

شايف: ولدتُ هناك.. في أحد أحياء المدينة (يحاول أن يستذكر) مِن الصعب الرجوع بالذاكرة إلى سنوات بعيدة … عندما تحاول استعادة الذكرى البعيدة … تتذكّر أشياء… وتنسى أشياء

عايف: (يتجه للخروج، يقف، يتأمل وجه شايف) شايف.. افعل ما تريد

شايف: أريد أن أسألك عن المَوقد

عايف: المَوقد…!؟

شايف: أسألُ فيما إذا كان المَوقد يسرّب غازا؟

عايف: لا … ليس فيه أي تسريب

شايف: مَوقد بجانب السرير… مسألة تتطلب الحذر

عايف: غير موصّل بالغاز … اطمئن

شايف: (يتفحص أنابيب الغاز) المَوقد ليس فيه تسريب … لكن السقف يسرّب

عايف: لا داعي للقلق

شايف: كلُّ ما أفعلُه.. أراقب

عايف: تراقب…!؟

شايف: أراقب حتى أحمي نفسي

عايف: تحمي نفسك.! عندي شك

شايف: إذن تستمر المحاولة (يخرج عايف. يقف شايف ساكناً، يتلفت، يلتقط الحذاء.. يخلع الصندل، يلبس الحذاء، يذرع أرض الغرفة وهو يطوّح بساقية، يضغط الجلد على أصابع قدميه) قندَرة جيّدة.. ولو أنها ببوز.. لا أرغب الحذاء ببوز (ينظر إلى الجردل) لا بد أن أعرف ماذا يوجد هنا … لديه أشياء كثيرة (يقف عند تمثال بوذا..  يحدق في التمثال.. صوت مؤثر باب يفتح.. يصطدم شايف بصندوق، يمسك قدمه) آخ آخ آخ (يخلع الحذاء ويدلّك قدمه) آهههههه (تقع عيناه على أكوام من الورق.. ينفتح الباب، يدخل نايف، يقف جانبا، يراقب شايف) لو أعرف ماذا يفعل بهذا الورق؟ المهم وجدت مكانا يأويني.. وفيه سرير..  أنا لا أرطن أثناء النوم.. لم يقل لي أحد من قبل أنني أرطن أثناء النوم (ينظر إلى النافذة) لماذا لا يغلق النافذة؟  ماذا يفعل بهذه الأوراق؟ لماذا هذه الفوضى؟  فوضى هنا.. فوضى هناك (بسخرية) الفوضى هنا أسهل من الفوضى هناك.. الفوضى هنا.. فوضى الأشياء.. أما هناك.. فالفوضى شاملة.. فوضى عارمة تشمل كلّ شيء.. الأفكار.. البشر.. الوجود كله.. إنها فوضى سائلة.. لزجة.. لا تمنحك حرية التفكير أو الحركة.. فوضى قاسية.. لا ترحم (نايف يمسك بذراع شايف، يصرخ شايف) آخ.. آخ! ستكسر ذراعي.. مـَن أنت؟ (يسقط شايف على الأرض.. يئن ويتلوى … يهم بالنهوض.. يضطره نايف بالبقاء على الأرض بقدمه أو بالمسدس.. يظل شايف مكوماً على الأرض.. يضع شايف يده على جنبه ليشير إلى أنه يحمل مسدسا أيضا..  يجلس نايف على الكرسي، يراقب شايف.. وجه نايف جامد ويخلو من أي تعبير)

نايف: ما هي القصة بالضبط؟ (ثوان من الصمت والإضاءة المتلاشية، نايف على الكرسي.. وشايف يجلس القرفصاء على الأرض ويده على جنبه) تكلم … قل شيئا

شايف: ماذا أقول … ليس هناك ما يُقال (قطرة ماء تسقط في الجردل … ينظران إلى أعلى)

نايف: ما اسمك؟

شايف: لا أعرف … لا أعرف من أنت

نايف: كيف كان نومك هنا؟

شايف: (باستغراب) ها…!؟

نايف: نمت جيّدا؟

شايف: أها ...

نايف: ما اسمك؟

شايف: لا أعرف … لا أعرف مَن أنت (تسقط قطرة ماء في الجردل، ينظران إلى الأعلى)

نايف: فوق أي سرير نمت؟

شايف: هذا السرير

نايف: يعني ليس هذا؟

شايف: لا لا …

نايف: لما لا … تختار ما تريد! … وتنام على سرير.. أأعجبك مكاني؟

شايف: مكانك؟ هذا ليس مكانك … لم أرك هنا من قبل… ولا أعرفُ مَن أنت

نايف: تعرف أو لا تعرف؟ تصدق أو لا تصدق … ليس أمرا مهما.. المهم أنك نمت على سرير

شايف: (باستغراب) صحيح

نايف: لم تخبرني ما اسمك؟ (شايف يحاول النهوض) اسمع! (نايف بحركة مفاجئة، تعيد شايف إلى مكانه) أمس نمت هنا؟

شايف: نعم … انطمرت هنا … ماذا تريد؟

نايف: أريد أن أعرف كيف كان نومك؟

شايف: ما دخلك أنت بنومي (يحاول أن ينهض)

نايف: (يوقفه بإشارة) هل كان نوما مريحا أم لا؟ وفوق أي سرير؟

شايف: كان نوما مريحا جدا.. ونمت فوق هذا السرير

نايف: ليس هذا؟

شايف: ليس هذا

نايف: تختار السرير الذي تريد (بتودد) وكيف كان النوم على هذا السرير؟

شايف: (يدق الأرض ساخطاً) مريحا

نايف: يعني كنت مرتاحا في نومك؟

شايف: (متضايق جداً) مرتاح

نايف: وزال التعب؟ راح

شايف: (متضايق جداً) راح

نايف: أأنت أحد الذين كانوا في المقهى؟

شايف: لا.. لا.. لا … لستُ منهم

نايف: لستَ منهم؟ إذن ممـَن أنت؟

شايف: أنا من نفسي

نايف: ماذا تقصد؟

شايف: أقصد بأنني من المدينة … ابن هذا المكان.. ولدت وعشت وسأموت هنا.. هناك في المدينة (يتجه شايف ليلتقط بنطلونه. يتحرك نايف بسرعة وينتزع البنطلون)

نايف: هل نويت الإقامة هنا؟

شايف: أعطني بنطلوني

نايف: ستظل هنا.. لو … (يشير بحركة تعني الخروج)

شايف: أعطني بنطلوني

نايف: إلى أين ستذهب؟

شايف: إلى هناك.. لن أبقى هنا.. ما الذي دفعني للعودة!؟ لولا هوَ ما رجعت … أعطني البنطلون

نايف: ماذا قلت؟! لولا هـوَ؟ مـَن هـوَ؟

شايف: هـوَ الذي جاء بي إلى هنا

نايف: مـَن الذي جاء بك هنا؟

شايف: الذي يعيش هنا

نايف: انت كذاب

شايف: التقينا في المقهى.. المقهى الذي تجتمع فيه كل الأشكال والأصناف … أحد أصحاب الكراسي أراد أن يضربني.. هـوَ الذي خلصني من الضرب.. بل خلصني من الموت … الموت المحتم.. وجاء بي إلى هنا

نايف: هـوَ جاء بك إلى هنا.. إلى بيتي … وأنت تتكلم مع صاحب البيت

شايف: هذا بيتُه . . . هـوَ طلب مني أن أبقى هنا

نايف: هذا بيتي … انت واقف في بيتي الآن (مشيراً إلى سرير شايف) وهذا سريري

شايف: أنا لم أركَ من قبل … مـَن أنت؟

نايف: انت كذاب ومحتال

شايف: لن أسمح لك … اسمع

نايف: أنت اسمع.. انت حرامي … محتال … لا تستحق أن تكون في هذا المكان.. ليس لك حق الاختيار لتتكلم على هواك.. بإمكاني أن اتصل بالشرطة.. ويأخذونك بتهمة السطو على أملاك الآخرين.. أو السرقة في وضح النهار.. أو تهمة التسكع مع سبق الإصرار … وإذا قلتَ بأن أخي عايف جاء بك هنا.. وتريد البقاء هنا …في هذه الحالة نتعامل على المكشوف من دون كذب ولا لف ودوران

شايف: أنت تطاولت وأطلت.. ولم يبقَ

نايف: (بشدة) دعني أُكمل.. أخي عايف مهندس محترف “بروفشنل”، هو الذي يشرف على تصليح وتأهيل البيت.. سوف يعيد له الحياة مرة أخرى … يمكنك الإقامة هنا بعد الاصلاح.. لكن من دون أي حيلة أو أوراق مزورة.. يجب أن يكون سجلك الجنائي نظيفا.. وأن تكون غير مطلوب دوليا.. عليك أن تثبت بوثيقة أنه لا علاقة لك بالشغب ولا باضطرابات ولا احتجاجات ولا عواصف وزوابع وصواعق.. لا بد من شهادة حسن سيرة وسلوك.. كذلك فحص طبي سنوي.. طبعا يجب الحصول على تقرير موقّع من طبيبك الخاص يؤكد سلامة قواكَ العقلية والبدنية … ماذا تقول؟ (يدخل عايف.. يلقي نايف البنطلون.. يلتقطه شايف ويرتديه.. يضع عايف حقيبة على سريره … قطرة ماء تسقط في الجردل. ينظر الجميع إلى السقف)

نايف: لا يزال التسريب في السقف

عايف: هناك شرخ كبير

نايف: شرخ كبير؟

عايف: شرخ يتطلب الإصلاح

نايف: هل يمكن اصلاحه؟

عايف: لا بد من إصلاحه قبل أن يتوسع.. وينهار السقف نهائيا

نايف: هل يمكن اصلاحه؟

عايف: لا بد من إصلاحه … فالمخاطر تتزايد إذا بقي الشرخ

نايف: ماذا يفيد إصلاح السقف إذا كان البيت كله بحاجة إلى إصلاح

عايف: من المحتمل سقوط البيت في أي وقت.. وعندها ينتهي كلُّ شيء

شايف: (فجأة) ماذا ستفعل …؟ (ينظران إليه) ماذا ستفعل عندما يمتلئ الجردل بالماء؟

عايف: أفرغه كلما امتلأ.. أفرغه إلى أن أصلح السقف (لشايف) هذه حقيبتك (شايف يتجه ليأخذ الحقيبة) أخيرا عادت لي حقيبتي … لا أعرف كيف أشكرك (يخطف نايف الحقيبة) إنها حقيبتي

نايف: هذه الحقيبة ليست غريبة

شايف: ماذا تقصد؟

نايف: من أين جئت بها؟

عايف: (بشدة) كفى.. توقفا

شايف: (لعايف) قل له بأنها حقيبتي

نايف: حقيبتك؟ كيف؟

شايف: أعطني الحقيبة

عايف: اعطه الحقيبة

نايف: (يحاول إخفاء الحقيبة)

شايف: إسمع

نايف: (يواجهه) اسمع انت.. احذرك.. انت في بيتي.. لا تتجاوز حدودك.. احترس

شايف: انت حرامي ومحتال … انت فاسد … أعطني الحقيبة

عايف: هاك حقيبتك (قبل أن يأخذ شايف الحقيبة، ينتزعها نايف مرة أخرى.. يبدأ الثلاثة بتناول الحقيبة بين أيديهم كأنهم في سيرك حتى يحصل عليها شايف أخيرا، يضمها إلى صدره كأنها شيء ثمين يخاف عليه من السقوط.. ينظر نايف إلى عايف.. شايف يبتعد بالحقيبة..  يتجه عايف إلى سريره ويشرع بلف سيجارة.. يقف نايف ساكناً.. صوت قطرة ماء تسقط في الجردل… ينظر الجميع إلى السقف… نايف يخرج)

شايف: (يسأل عن نايف) مـَن هذا؟

عايف: أخي نايف

شايف: أخوك؟! إنه مهرج

عايف: إنه لطيف … خفيف الظل

شايف: مهرج وخفيف

عايف: يميل للجانب المضحك من الأمور

شايف: عندما نظرت إليه أول مرة … عرفت بأن لديه نظرة مختلفة للأمور.. صاحب طريقة

عايف: المفروض أن أصلح البيت

شايف: أهو بيتُه؟

عايف: حتى يتمكن من العودة للإقامة هنا

شايف: ماذا يعمل؟

عايف: يعمل مقاولا

شايف: في أي مجال ؟

عايف: بكل المجالات

شايف: المعروف أن المقاول يتعاقد على أعمال بناء وإنشاء

عايف: سابقا كان يعمل بالحجر … أما الآن صار يعمل بكل شيء.. استيراد وتصدير … حرب وسياسة

شايف: انقلبت الموازين.. واختلفت المفاهيم … زمن عجيب (يغير الحديث) يقيم هنا؟

عايف: كان يقيم هنا … لكنه يفكر بالتقسيم

شايف: تقسيم!؟ تقسيم ماذا؟

عايف: تقسيم البيت

شايف : يقسم  المقسّم.. نحن بالأساس مقسّمين ومنقسمين

عايف: يريد تقسيم البيت إلى أجزاء.. وطلب مني أن أصمم كل جزء بشكل مختلف عن الآخر … لكن المكان يحتاج إلى عمل كثير …  يحتاج إلى وقت وجهد

شايف: (يفكر لبرهة، ثم يغير الحديث) هذه ليست حقيبتي.. أعرف حقيبتي جيّدا … لقد أخذوا حقيبتي واعطوك حقيبة أخرى

عايف: أحدهم سرق حقيبتك

شايف: هذا ما توقعتُه

عايف: هذه الحقيبة بدلا من حقيبتك الضائعة … فيها بعض الملابس …  يمكن أن تنفعك

شايف: فيها قندرة؟ (يخرج من الحقيبة قميص) مربعات؟! أرغب بلبس قمصان مقلمة، وأفضل أن تكون الأقلام عمودية من الأعلى إلى الأسفل (يخرج جاكتة قطيفة) ربما تكون هذه على مقاسي (يلبسها) أعجبتني …

عايف: (يربط عايف إحدى الحاسبات على الكهرباء لفحصها) هل تستطيع أن تعمل حارسا؟

شايف: ماذا!!؟ حارس؟

عايف: حارس

شايف: ها!!؟

عايف: الحارس

شايف: أحرس المكان؟

عايف: نعم.. وتعتني به

شايف: أنا لم أعمل بالحراسة من قبل… ولم أكن حارسا سابقا

عايف: لا تفكر بالأمر كثيرا … يمكنك أن تعمل حارسا… منذ اللحظة إذا كنت مستعدا

نايف: ها.. آ . . . آه . . .  لكن … أريد أن أعرف

عايف: ماذا تريد أن تعرف؟

شايف: انت تعرف

عايف: أنا أعرف

شايف: أقصد، . . .  أن

عايف: أتعني…؟

شايف: (بشرود) . . . تعرف قصدي؟

عايف: عندما يحين الوقت المناسب

شايف: هذا ما قصدته … أعمل حارسا…؟

عايف: تحرس المكان … الغرف.. الممرات . . . والـ . . . الباب الرئيسي

شايف: عمل فيه أخطار … ومسؤولية؟

عايف: يمكن أن تستخدم هذا … (يريه مسدسا)

شايف: ماذا!؟

عايف: لا بد أن تمتلك سلاحا

شايف: (بشك وريبة) ها …

عايف: تحتاجه في عملك الجديد

شايف: يجب أن يكون من النوع الجيّد

عايف: (يناوله المسدس) احتفظ بهذا حتى أحصل على واحد آخر “من النوع الجيّد”.. المهم معك سلاح (يتناول بدلة معلقة) يمكنك ارتداؤها (شايف يلبس البدلة، وتظهر عليه تعابير الارتياح) يمكننا نصب كاميرات أيضا .. ونضع لوحه عند الباب الرئيسي مكتوب عليها اتصل بالحارس … لن يدخل أحد البيت إلا بموافقتك

شايف: لا أعرف عن ماذا تتحدث!

عايف: ليس في كلامي ماهو غريب

شايف: لن نتوقع القادم عند الباب … فالحذر واجب

عايف: هل هناك من يتعقبك؟ هل أنت مطلوب؟

شايف: لا.. لا.. كل ما أفعله عندما أسمع جرس الباب … انظر بالكاميرا.. ثم أفتح الباب.. ربما يكون أحدهم هو القادم

عايف: أحدهم؟ مـَن هُم؟

شايف: هـُم … يمكنهم الوصول بسهولة.. يقرأون اللوحة.. اتصل بالحارس.. يطلبون بطاقتي

عايف: انت الحارس … المفروض انت تطلب بطاقة التعريف

شايف: بطاقتي عليها أربعة أختام كما تعرف.. ربما لن تكون هناك فرصة.. ربما يعرفون اسمي المستعار.. الاسم ليس حقيقيا.. اسمي الحقيقي لم استعمله منذ زمن بعيد … منذ أول حرب … أنا الآن باسم مستعار … ليس حقيقيا … مستعار (يكرر شايف هذه العبارات حتى تتلاشى الأضواء تدريجيا… يخرج عايف أثناء ذلك … ثم يعلو الضوء غير متجاوز حد العتمة.. باب يصفق … صوت مفتاح في باب … يدخل نايف، يغلق مفتاح النور، يفتحه، ويغلقه لعدة مرات)

عايف: الكهرباء مرة أخرى؟ لا تُقطع الكهرباء إلا الآن.. في هذا الوقت؟ (يسائل نفسه) ما الغريب في الأمر؟ التيار الكهربائي ينقطع في أي وقت.. الأصل هو القطع.. وليس الاستمرار.. سيبقى القطع.. ونبقى نحن في ظلمة.. لن نتمكن من الرؤية (يتحرك، فيعثر) ضوء.. نور.. أريد نورا.. الظلمة موحشة (يشعل عود ثقاب، ينطفئ العود وتسقط العلبة) لا لا لا (ينحني للبحث عنها) أين اختفت؟ أين الولاعة؟ مـَن الذي أخذها؟ مـَن الذي يريد الظلمة؟ مـَن هُنا؟احذرك.. أنا أحمل مسدسا.. مـَن انت؟ (يتحرك … يتحرك معه شبح نايف… يتعثر … يسقط) آه، آه، ابتعد عني (يقفز نايف فوق سرير) أنا أحمل مسدسا … أحذرك (نايف يضيء المكان)

نايف: لماذا تحمل مسدسا؟

شايف: إذا اقتربت مني أكثر (يهيئ المسدس لإطلاق النار)

نايف: آسف إن أخفتك.. أنت ضيف أخي عايف.. يعني ضيفي.. راحتك تهمنا (لايزال شايف يصوب المسدس باتجاه نايف) تفكر بقتلي؟ إنك شخص عنيف على ما يبدو

شايف: (بشدة) أنا شخص مسالم.. لم أهدد حياة أحد إلا إذا كنت مضطرا … خصوصا إذا كان يلعب معي أو عليّ … أو فكر أن يفعل شيئا ضدي.. أفعلُ ما لم أفعله من قبل … يتلقى ما لم يتوقع … ولن يعرفَ مصيرَه

نايف: أصدقك

شايف: تصدق أو لا تصدق.. لو قال لك شخص بأنه قادر على أن يسيء لي.. فلا تصدق.. تفهم قصدي؟

نايف: افهم قصدك جيّدا

شايف: يعني أتحمل إلى حد . . . ومن ثم … لا راد يردني … قولاً وفعلاً

نايف: (يقلد صوت مسدس) بل أكثر من ذلك (يمثل بيديه القتل بالمسدس) أنا متأكد

شايف: وأنا متأكد أيضاً… تعرف عن ماذا كنت أتكلم؟

نايف: أعرف … أعرف … نحن الاثنان نفهم بعضنا جيّداً

شايف: مع ذلك كنت تلعبَ معي.. وأنا لم تبدر مني أية إساءة … لا أعرف السبب

نايف: لا تعرف السبب؟

شايف: لا أعرف

نايف: لأننا دخلنا إلى هنا بالرجل اليسرى

شايف: لا تحاول أن تلعب معي مرة اخرى

نايف: لا تزال لم تدرك مقصدي.. أنا شخصياً أهتم كثيراً بأصدقاء أخي.. وأنت صديق أخي، أليس كذلك؟

شايف: لا أستطيع القول بأنه صديقي

نايف: تقصد لم يعاملك كصديق؟

شايف: لا أستطيع أن أقول بأننا أصدقاء … هو لم يسيء إليّ مطلقاُ … مع ذلك لا أستطيع القول بأنه صديقي

نايف: أعتذر بالنيابة عن أخي عايف لأنه لم يرحّب بك بطريقة مناسبة

شايف:أنا لم أقل ذلك … على العكس كان كريما وعطوفا … كل ما في الأمر … أنني لم أتمكن من فهمه … لم أتعرف على شخصيته بعد

نايف: أنت رجل كبير السن … وقد اختبرتك الحياة وخبرتَها.. لديّ عرض لك … لكن قبل ذلك.. دعني أخبرك بأنني أفكر بادارة هذا المكان شخصيا.. أعتقد يمكن إدارته بطريقة أفضل.. لديّ أفكار ومشروعات كثيرة … ما رأيك بالعمل معي؟

شايف: أعمل معك!؟ ماذا أعمل؟

نايف: حارس

شايف: حارس…!؟

نايف: تعمل حارسا هنا

شايف: (صمت لبرهة) لـِمَ لا … أعمل

نايف: أريد شخصا أعتمد عليه في حراسة المكان

شايف: لكنني لم أعمل حارسا من قبل

نايف: أعتقد أنك الرجل المناسب

شايف: الرجل المناسب…!؟

نايف: نعم.. رأيتك وأنت تحمل المسدس.. تهدد،وتتوعد.. حازم وصارم.. لن تسمح لأحد أن يسيء إليك أو يسبب لك ضررا … كنتَ عسكريا، أليس كذلك؟

شايف: ماذا تقصد؟

نايف: أقصد أنك خدمت في الجيش

شايف: قضيتُ أكثرَ من نصف عمري في الجيش

نايف: واضح من وقفتك … حركتك … مشيتك.. كذلك طريقة تعاملك مع المسدس

شايف: شاركت في كل الحروب

نايف: وفي كل الجبهات، ها؟

شايف: في كل الجبهات

نايف: أنت الرجل الذي أبحث عنه

شايف: لماذا؟

نايف: ليكون الحارس

شايف: الحارس!؟

نايف: حارس هذا المكان

شايف: مـَن هو صاحب هذا المكان … هـوَ أم أنت؟

نايف: أنا … وعندي ما يثبت ذلك

شايف: (يفكر لبرهم) لا مانع لديّ من العمل معك حارسا

نايف: سنعقد اتفاقا.. ونحدد الراتب فيما بعد

شايف: ونختار السلاح

نايف: سلاح …!؟ ماذا تقصد بالسلاح؟

شايف: سلاح يعني سلاح … الحارس ليس فزاعة …الحارس إرادة.. شجاعة … والحارس بدون سلاح.. يعني.. ممكن أن يتعرض البيت للاجتياح

نايف: (يبتسم) أها!! … وأي نوع من السلاح تريد؟

شايف: من النوع الجيّد

نايف: من النوع الجيّد…!؟

شايف: الحارس يواجه عدوا خفيا دائما

نايف: سأنظر بموضوع السلاح … لكن بقيت مسألة أخرى

شايف: ما هي؟

نايف: عليك تقديم وثائق رسمية لإثبات الشخصية.. وشهادات خدمة؟

شايف: (يبدو عليه الارتباك) ها؟

نايف: لكي اطمأن على سلامة العمل وكفاءته

شايف: (بتأكيد) لديّ وثائق رسمية وشهادات خدمة … لكن عليّ أن أذهب إلى هناك

نايف: هناك…؟ أين؟

شايف: المدينة.. المكان الذي كنتُ فيه.. ليس شهادات الخدمة فقط.. بل كل الوثائق الرسمية هناك … لا بد أن أذهب إلى هناك … كل ما هو مطلوب هناك… الوثائق الرسمية وشهادات الخدمة

نايف: يعني يمكن الحصول على هذه الشهادات أم لا؟

شايف: سأذهب إلى هناك … أنتظر تحسن الأجواء

نايف: الأجواء لَمْ ولن تتحسن

شايف: لا بد أن تتحسن حتى أذهب إلى هناك … أستطيع أن أحصل على قندرة جديدة

نايف: أقول وثائق وشهادات … تقول قندرة…!!

شايف: أنا بحاجة إلى قندرة … لن أستطيع الذهاب إلى هناك من دون قندرة.. لا يمكنني الذهاب إلى هناك بهذا الصندل المتهرئ.. المتهالك الأعضاء.. صحيح هو لا ينفع ومنتهي الصلاحية لكنه مريح.. صحيح أنه لا يحمي قدميّ لكنه لا يؤذيهما مثلما يفعل الحذاء.. خصوصا إذا كان حذاء ببوز.. لا أحب الحذاء ببوز … لا بد من الوثائق الرسمية.. وشهادات الخدمة.. بما فيها خدمة الجيش … كيف أعمل حارسا من دون أوراق تثبت شخصيتي.. فأنا أحمل اسما مستعارا.. ليس حقيقيا.. إنه مستعار … ربما تأتي العاصفة … وينتهي الأمر …!!؟؟

(يتلاشى الضوء تدريجيا.. ظلام.. ثم يبدأ عرض فيلم يظهر فيه عايف وهو في مصحة نفسية، أو مشفى أو مركز أمني.. يواجه ضغطا نفسيا من قبل أشخاص يرتدون زياً موحداً “سفاري” أو “عسكري”… يمكن استخدام مقاطع فيديو تتضمن مشاهد تعذيب (سجناء، جنود، نساء، أطفال)، كل ما يشير إلى ممارسات عنف وانتهاكات غير إنسانية.. يفضل أن يصوّر الفيلم بعدسة خاصة حتى تبدو الصورة بعيدة أو عميقة وليست مستوية كما في الفيلم الاعتيادي.. “يمكن عرض صور على شاشة بسرع مختلفة” في حال توفرت إمكانية تقنية لجمع واجهات الكومبيوتر المعلقة في فضاء المسرح لتكون على شكل شاشة واحدة حينها يظهر الفيلم بصور مقطعة وهي وسيلة لجعل الصورة شائهة … بعد انتهاء الفيلم تعاد الإضاءة ثانية، يظهر نايف على الأرض وهو ينظر إلى السقف.. شايف جالس على الكرسي، يدخن غليونه من دون تبغ كالعادة)

شايف: يبدو أنه أصلح السقف … انهمرت أمطار غزيرة ولم تسقط قطرة ماء في الجردل … الشرخ اختفى.. لكن بقاء الجردل معلقا مسألة فيها نظر.. مثل أي شيء معلق.. غير مستقر.. لا هو ساقط مثل المطر ويروي الأرض.. ولا مملوء للاستفادة من مياهه.. يمكن أن يسقط الجردل بأي لحظة … لا أعرف إذا كان مملوءا أم فارغا؟؟ لم يقل كلمة … لن يرّدَ عليك أحيانا.. حتى وإن تكلمت معه (يشعل عود كبريت، يقربه من الغليون ثم يطفئه، الغليون فارغ من التبغ تماما) لا أعرف إذا كان يتذكّر أم لا؟ ماذا يتذكّر بالضبط؟!  أم أنه مثلي لا يتذكّر.. هناك أمور أنساها … وأخرى لا أريد تذكّرها

نايف: أعرف بأنك لا تريد أن تتذكر

شايف: لا أريد أن أتذكّر.. لا أريد أن أتكلم.. أمور كثيرة تراكمت في هذا المكان.. صار المكان فوضى.. صار خزانة للآلام والأحزان.. لم يعد مكانا للهدوء والاطمئنان.. لا أريد الكلام.. حتى وإن تكلمت لا أحد يسمع.. مع أنهم ليسوا طرشان.. تكلمت عن الأغراب.. لا أحد يسمع.. تكلمت عن الذين يحتلون الكراسي.. لا أحد يستجيب … تكلمت عن الجيران.. عن الذين جاؤوا وذهبوا.. والذين قد يأتوا.. المفروض هو المسؤول هنا (يوجه الحديث لنايف) لا بد أن تنظر للمسألة بمنظار ثان.. هناك أفكار كثيرة عن المكان.. يعني يمكن أن يصبح أفضل وأكثر أمناً واستقرارا … أنا الحارس.. وانت المدير.. أما هو فلا.. لا يبالي.. ولا يهتم.. حتى أنه لا ينوي إصلاحَ المكان مثلما تريد.. قبل مدة كان يتحدث عن أمور غير مفهومة.. كانت حالته غريبة.. بعدها صمت صمتا أبديا.. لم ينطق بكلمة.. صار أخرسا تماما … أما أنت.. متكلم.. مفوّه.. لا بد من الحديث … نحن نشترك بمكان واحد … أمر غريب.. اثنان يعيشان في مكان واحد.. وليس بينهما حديث.. لم أعد أحتمل هذه الحال … أنت وأنا يمكن أن ندير المكان

نايف: أستطيع تحويل المكان إلى شيء آخر.. أجعل منه مركزا ترفيهيا درجة أولى.. أو مطعما درجة أولى.. وإذا أردتُ أن أكون مثاليا فسأحوّل المكان إلى مدرسة “درجة أولى” … سوف أترك كل الأمور التي أعمل عليها … وانشغل باختصاصي … مقاول … سأغيّر المكان.. سأقسّمه إلى أجزاء.. كل جزء بمواصفات مختلفة عن الآخر.. أجعل من المكان قصرا كبيرا تزيّنه البساتين والبحيرات

شايف: (باستغراب) قصر! ومــَن الذي يعيش فيه؟

نايف: أنا وأخي عايف

شايف: وأنا؟

نايف: الفوضى التي تعم المكان لا نفع فيها ولا فائدة.. لن تنفع أحدا.. مجرد أفكار.. بعضها بالي.. وبعضها مضر.. وأشياء خردة لا نفع فيها.. لن تستطيع أن تؤثث بهذه الخردة بيتا آمنا.. خردة لا قيمة لها.. أخي عايف لا يهتم كثيرا بهذه الأمور.. ولا يهتم لما أفكر فيه.. أنا اعتني بالمستقبل … أما هو يعيش الماضي

شايف: لا تعرف اين انت عندما تكون معه.. ومع واحد مثلك المسألة تختلف كثيرا.. تعرف أين أنت (نايف ينظر إليه) أقصد أنك تفعل ما تريد.. صحيح لديك طباع غريبة ومزاج خاص.. لكن هذا حال الجميع.. أما هو.. فأمره مختلف تماما… وأنت

نايف: (يقاطعه) صريح

شايف: مضبوط.. أنت صريح

نايف: وجريء

شايف: جريء.. لا شك في ذلك

نايف: وقوي

شايف: نعم أنت قوي

نايف: لمّاح ولديّ أفكار راقية

شايف: فعلا … أما هو فلا تعرف ما يدور برأسه.. يتكلم عن أمور غريبة حصلت في وقت مضى … قصة طويلة …يتحدث الجميع فيها بإسهاب ومَلل.. تشعر بأنهم متشابهون.. أمر عسير وغير معقول.. يفزعني في منتصف الليل وأنا مستغرق في نومي.. يقول إنه يسمع أصوات.. لم يقل أية أصوات!؟ لا بد أن تتحدث معه.. تخبره أن لدينا أفكار عن إدارة البيت.. لنبدأ من جديد … نتعاون مع بعضنا من أجل هذا البيت.. لابد أن تتحدث معه … أليس هو أخوك؟ (نايف يتجه نحو الباب) إلى أين ؟ لم أُكمل الحديث (يخرج نايف، تتلاشى الإضاءة، ظلام، شايف في حلم، يدخل عليه عايف وهو يحمل علبه)

عايف: (يقف عند شايف) قندورة جديدة

شايف: (ينهض مفزوعا) لماذا في كل مرة تفزعني هكذا؟ لماذا؟

عايف: قندورة جديدة

شايف: ماذا؟

عايف: قندورة … (يعطيه العلبة) جربها

شايف: (باستغراب) قندورة؟ (شايف يلبس الحذاء.. يتحرك قليلا.. ثم يضغط على الجلد) لا تناسبني.. ليست على مقاس قدميّ … ثم أين الرباط “القيطان” … لن أتمكن من ركوب الحذاء من دون رباط

عايف: (يسحب رباط من تحت السرير) خذ هذا رباط حذاء

شايف: هذا لونه بني

عايف: هذا الموجود

شايف: كيف استخدم رباط بني مع “قندورة” سوداء.. سوف يزعل اسكافيُّ العالم.. وينزعجُ أصحابُ الموضة (يشد رباط الحذاء) عسى أن تنفع عندما أذهب للمدينة.. اسمع.. حصلت على فرصة عمل.. مع أنه ليس لدي خبرة.. لكنها بداية جديدة.. المشكلة صاحب العمل طلب مني وثائق شهادات خدمة.. لابد أن أذهب إلى المدينة لجلب وثائقي الرسمية وشهادات الخدمة.. بما فيها خدمة الجيش طبعا … متى تستقر الأوضاع هناك؟متى؟ هل ستبقى هكذا؟! كل واحد يراقب الآخر.. يتربص به.. ينتظر الفرصة.. سوف نبقى هكذا.. نراقب بعضنا البعض.. لكن.. وآه من الـ لكن.. يبدو أن كلَّ شيء سيبقى على حاله.. لن تتغير الأوضاع.. عليك أن تعرف أنهم قادرون على أن يأخذوننا بالاتجاه الذي يريدون.. في أي زمان ومكان.. لا شيء يتغيّر.. يعرفون مـَن أنت.. ولماذا أنت في هذا المكان.. وفي هذا التوقيت!! وبماذا تفكر… أتظن أن لا أحدَ يعرف بأنك تفكر؟ عليك أن تعيد التفكير بكلّ شيء.. بكل الأمور.. حتى الأشخاص الذين يحيطون بك.. إنك في جُحر عَفن.. فيه الأفندية.. أفندية يسارية … وافندية يمينية.. غربية وشرقية.. هل تعرف ما الذي يدور حولك.. أو ما الذي يجري.. أنت لستَ مجنونا.. بل نصفك مجنون.. ونصفك الآخر يحاول أن يكون عاقلا.. عليك أن تدرك بأن لك حقوق.. نعم لك حقوق.. وأنا لي حقوق.. أعرف أن لي حقوقا.. وانتظر تحسن الظروف حتى أعود للمدينة.. أستعيد الوثائق والشهادات (يتحرك عايف، يخرج شايف مسدسه) لا تحاول أن تفعل شيئا.. عندي هذا..  جربته من قبل.. احذرك.. لا تحاول فعل أي شي (ينظر عايف نحو شايف بدهشة) فكر.. فكر بهذا المكان

عايف: عليك أن تبحث عن مكان آخر

شايف: أبحث عن مكان آخر؟

عايف: لا أعتقد بأننا سنتفق … يجب أن تبحث عن مكان آخر

شايف: أنا الذي أبحث عن مكان آخر.. أم أنت؟

عايف: أنا؟

شايف: أنت الذي يجب عليك أن يبحث عن مكان آخر

عايف: أنا أسكن هنا

شايف: أنا أسكن هنا أيضا.. وأخوك نايف عرض عليّ شغل

عايف: لا أعتقد أنك مناسب لهذا الشغل … ولا يمكنك الإقامة هنا

شايف: أريد الإقامة هنا! … والذي لا أريده ولا أرغب فيه.. هو أن تلعب بيّ

عايف: من الأفضل أن تذهب … اترك المكان … لن نتفق

شايف: سأبقى هنا.. وأعمل هنا … عليك أن تعرف بأن شخصا آخر يقيم هنا … ويريد إصلاح المكان.. ويرغب بإدارته بطريقة أفضل.. أنا أقيم هنا.. واعمل حارسا هنا.. هذا عملي.. عملي يعني دوري… دوري يعني مسؤوليتي.. أنا الحارس

عايف: أخي نايف طلب منك أن تعمل حارسا؟

شايف: أخوك نايف طلب مني أن أعمل حارساً.. وأبقى هنا.. هو يدير المكان.. وأنا أساعده … أما أنت فلا دور لك في هذا المكان … وعليك أن تبحث عن مكان آخر

عايف: أنا أقيم هنا منذ زمن طويل

شايف: ليس إلى الأبد.. أنا أعرف دوري.. وأعرف مسؤوليتي.. تعطيني قندرة مستعملة وتقول “قندورة” جديدة.. وبدون رباط.. وتطردني!؟ (عايف يتحرك نحو شايف) لا تقترب (يسدد مسدسه نحو عايف) الأفضل أن تترك المكان (يتجه عايف نحو الحقيبة) اترك الحقيبة (شايف يأخذ الحقيبة) طلب أن أكون حارسا للمكان.. سيأتي.. ويتولى أمرك (يرتدي المعطف) الموضوع لم ينته بعد.. ستندم (يقف عايف عند الباب، وينظر باتجاه شايف الذي لايزال يحمل المسدس) الآن عرفت بمن أثق (يختفي عايف) المسألة لم تنته بعد.. ستعرف أنك على خطأ.. أخوك نايف سيتولى الأمر (يدخل نايف)

نايف: ما بك؟ مع من تتكلم؟

شايف: مع عايف

نايف: عايف غير موجود

شايف: غير موجود!؟ أخبرتُه.. بأنك تتولى أمره.. وأمر المكان..  وأخبرته أنك رجل عاقل وليس مثله

نايف: تقصد أخي عايف مجنون

شايف: لا.. لا.. أقصد عندك أفكار راقية .. وترغب إدارة المكان بطريقة أفضل.. وأنا الحارس

نايف: ما هو رد فعله على اختيارك حارسا للمكان؟

شايف: قال.. إنه يقيم هنا منذ زمن طويل

نايف: صحيح … هو يقيم هنا منذ زمن طويل

شايف: أهذا بيتُه أم بيتُك؟

نايف: هذا بيتي

شايف: انت سمحت له بالإقامة هنا؟

نايف: أنا سمحت له بالإقامة هنا

شايف: هذا ما أقوله … انت صاحب المكان

نايف: صحيح أنا المالك … لكن هو عنده إقامة دائمة.. وأن يُخلي المكان فهذه مسألة تتوقف على نظرتك أنت للمكان.. اقصد نظرتك عن امكانية العيش فيه أم لا؟

شايف: لا لا.. نعم.. نعم..

نايف: لا يعني لا.. ونعم يعني نعم.. حددّ.. الأثاث وهذه الأشياء التي تملأ المكان ما عدا السريرين.. ملكُه هـوَ

شايف: لا بد أن يعود من حيث أتى

نايف: (يركز نظره) من حيث أتى…!؟

شايف: من حيث أتى

نايف: من أين جاء؟

شايف: … جاء … جاء …

نايف: انتبه لكلامك.. لا تتجاوز حدودك.. قلت إنك مستعد للتعاون.. وتشتغل حارسا.. عليك أن تثبت كفاءتك

شايف: انت قبلت أن أعمل حارسا.. مقابل أجر.. أخوك عايف يعتقد بأنني شخص غير مناسب.. أخوك لا يتردد عن قول أي شيء.. إنه نصف مجنون

نايف: نصف مجنون!؟ عايف نصف مجنون؟ أخيرا ظهر معدنك.. منذ قدمت إلى البيت.. جاءت معك المتاعب.. والمشاكل! لا أفهم كلامك..كل كلمة لها وجوه عدّة.. انت شخص مراوغ.. وعنيف … وغير مأمون الجانب أين الوثائق وشهادات الخدمة؟ سوف تخطب خطبة طويلة عريضة عن صديقك في المدينة.. لم أرك تذهب للمدينة.. وأنت تلقلق ليل نهار بالوثائق الرسمية.. اسمي الحقيقي.. اسمي المستعار.. سأعطيك أجورك عن المدة التي عملت بها حارسا

شايف: (يبدو محبطا) هل تريد أن أغادر المكان؟

نايف: هذا بالضبط ما أريده (جانبا) ربما يعتقد الآخرون أن البيت هو الشيء الوحيد الذي يشغلني أمره.. عندي أشياء كثيرة تشغل تفكيري.. عليّ التفكير بكل شيء وبجميع الاتجاهات.. لن أقف مثل الحجر (يقذف بتمثال بوذا على الأرض) عندي مصالح.. عليّ أن أتحرك إلى الأمام … المضي نحو الأمام يعني التفكير بالمستقبل.. لا يشغلني البيت كثيرا … أخي عايف سيعمل على إصلاحه وتأهيله.. سوف يتصرف مثل ما يريد.. حسنا فعلت عندما سمحت له بالإقامة في البيت

شايف: وأنا؟

نايف: (يريد أن يقول شيئاً لكنه يتوقف عن الكلام مع دخول عايف.. ينظر كل منهما للآخر.. يخرج نايف)

شايف: (يتجه نحو تمثال بوذا المحطم) هل ستصلح هذا أيضا؟

عايف: أحاول

شايف: تحاول؟ ولـِم لا.. استمر.. المحاولة تتطلب جهدا وصبرا.. مع أنني لم أعش الأمل لكنني لن أفقد الأمل.. كنتَ طيبا معي.. وعطوفا عليّ.. استقبلتني هنا.. اعطيتني سريرا لأريح بدني عليه.. أعرف أنكَ عشتَ ظروفا قاسية وصعبة.. أخذوك.. فعلوا بك ما فعلوا.. أعرف تلك الأماكن.. في يوم ما أخذوني إليها.. وحلّ بي مثلما حلّ بك وبآخرين.. سأحرس هذا المكان لتأمين ساكنيه.. سأعمل على أمن المكان من أجلك … ما عليك إلا أن توافق

عايف: لا أرغب العمل معك.. أحب أن أعمل بمفردي.. لم أسمح لأحد أن ينام في الغرفة حتى أخي الأصغر نايف.. سمحت لك بأن تشاركني الغرفة.. وتنام على سرير.. سرير أخي نايف الذي هو سريرك فأنت ونايف واحد.. هو أخوك مثلما هو أخي

شايف: نايف أخي؟ كيف ذلك؟

عايف: أخوك مثلما هو أخي

شايف: لم أفهم!؟ نايف أخي … وأخوك!؟ …  يعني أنت أخي…!؟

عايف: نايف أخوك مثلما هو أخي

شايف: أهذه دعابة أم لعبة؟

عايف: أنا نصف مجنون أو كامل الجنون.. ليس مهما.. هو مهرج وخفيف.. كذلك ليس مهما.. المهم أن لديه نظرة مختلفة للأمور

شايف: وانا اختلطت عليّ الأمور

عايف: الأمور واضحة … هذا سريري.. وهو السرير الوحيد الذي أستطيع النوم عليه

شايف: وهذا؟

عايف: سرير أخي نايف … الذي هو أخوك.. وينام عليه أحيانا

شايف: (في حيرة) كيف ذلك!؟ كيف؟

عايف: هكذا هي الأمور.. منذ بدأت الحكاية.. حكايتُنا.. وحكايةُ هذا المكان.. هذا سريري.. وهذا سريره

شايف: وأنا أين سريري؟

عايف: نفس السرير… سرير نايف هو سرير شايف

شايف: لم أفهم … لماذا لا يوجد سرير خاص بي؟

عايف: كان هذا سريرك قبل الرحيل.. حينما طال غيابك صار السرير من نصيب أخي الأصغر نايف.. إنه سريرك بالأساس (يتجه نحو النافذة الوهمية) سأعمل على بناء الورشة.. فإذا لم أبنها الآن.. لن اتمكن من بنائها لاحقا.. سأنشغل بإصلاح البيت

شايف: يمكنني مساعدتك في الإصلاح.. انا على استعداد لفعل أي شيء

عايف: أستطيع إصلاحه وحدي

شايف: معا سيكون الإصلاح أسهل وأسرع

عايف: أستطيع العمل وحدي.. هذا ما أرغب بفعله

شايف: سأبقى هنا … أساعدك في بناء الورشة … نبنيها معا… نحافظ على المكان معا… أحرس المكان … أنا الحارس (تسمع أصوات رياح عاتية بعيدة)

عايف: لا

شايف: لما لا؟

عايف: لن أستطيع النوم … أنت تقلق نومي بأحلام مفزعة (تسمع أصوات رياح عاتية تقترب)

شايف: قلت لك نتبادل الأسّرَة والأدوار (عايف مولياً ظهره) لن تستطيع فعل شيء لوحدك.. صدقني.. تحتاج إلى مساعدة.. إذا لم تقبل بتبادل الأسّرَة.. يظل الحال على ما هو عليه.. انا انام بسريري … وانت تنام بسريرك (أصوات رياح عاتية قريبة)

عايف: لابد أن يتغير الحال … ليس من العدل أن يبقى هكذا.. لابد أن يتغير (تبدأ العاصفة، ويتحرك كل شيء في المكان، تتزايد شدة العاصفة مع حوار شايف حتى نهاية المسرحية.. كل فترة صمت في حوار شايف تزداد العاصفة)

شايف: احترز.. احذر المخاطر.. إنها العاصفة (صمت) ماذا ستفعل وحدك؟ (صمت) ماذا عليّ أن أفعل حتى تغيّر قناعتك؟؟ (صمت) دعنا نعمل معا.. نحن الثلاثة.. من أجل بيت جديد (صمت) إلى أين عليّ أن أذهب في هذه الأجواء؟ لن أستطيع الذهاب إلى المدينة.. المقهى ما عادت تستقبلني!!(صمت) أين أذهب بهذا الصندل المتهرئ والمتهالك الأعضاء.. ليس عندي “قندورة” مريحة حتى أمضي نحو المدينة.. حتى لو كان الرباط بني والقندورة سوداء (صمت) يمكننا بناء الورشة معا … حينما تطلب مني مغادرة البيت أرحل … كل ما مطلوب منك هو أن تقول “ارحل” … سأرحل (صمت) وإن كانت القندورة السوداء برباط بني … ما عليك إلا أن تقول “روح” … أروح.. سأذهب (يظل عايف بلا حراك) وإن ذهبت أنا.. قل إننيذهبت.. واستعدت الوثائق والشهادات.. يعني أنني أستطيع.. لكن عليّ البقاء.. وأنت عليك البقاء.. لنبقى معا.. الرحيل ليس هيّنا.. علينا أن نقبل بعضنا البعض.. نعمل معا.. الرحيل ليس هيّنا.. الرحيل ليس هيّنا (تستمر العاصفة حتى ظلام النهاية)

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت