عايدة.. نسمة السعادة التي طفتها حرارة الصمايم
حالة من الحزن والصدمة خيمت على تركيزي واستيعابي لحظة توصلي بخبر الوفاة المفاجئة للصديقة الوفية والأخت الغالية والأم الحنون (د. عايدة علام)، شريط ذكراياتي معها مر بسرعة البرق تخللتها محطات عنوانها العطاء والحنان والابتسامة المشرقة.. رحيل لم يسبقه وداعا ولا انذارا فكان موجعا اهتزت أعماقي بالغصة وانهمرت الدموع التي لم ولن تكفكف.
“عيودة” ـ كما كان يحلو لي مناداتها ـ حجز زاوية بيت العيلة، الاسم الذي اطلقته على بيتها هي ورفيق دربها الراحل د. حسن عطية في أول زيارتي لهما سنة 2016. الذي اتقفل بوجههنا ولم يعد لنا بيت يلمنا نحن المسرحيون العرب بالقاهرة.
قبل هذا اللقاء، تعرفت على (د. عايدة) اسما تخللته صورة جميلة رسمتها في خيالي من حكايات رفقيها عنها. أثناء لقاءنا بمهرجان فاس للمسرح الجامعي ( دورة 2010) لينمو هذا التعارف ويصبر صداقة قوية وصلت لحد الأبوة كلينا كان في حاجة ماسة إليها. وبالطبع لازم اتعرف على نصفه الحلو ـ كما كنت أصفهما ـ فتطور مؤشر الاتصال والتواصل وهنا انطلقت شرارة الصداقة بيني وبين الراحلة نتبادل الأطراف الحديث عن المسرح، حينها كنت أنجز مشروع باسم ” مبدعات المسرح العربي” حيث وضعت أسئلة على شكل محاور ووزعتها على كذا مبدعة عربية. لكن للاسف حربت بشدة حتى اجهض. لكن كسبت (عيودتي). وبقينا على هذا المنوال لحد سنة 2016 بالمهرجان القاهرة للمسرح التجريبي.
أول ما التقيتها ارتميت في حضنها, وكأننا نعرف بعضنا منذ زمان، حضن يحسسك بدفء وحنان، ابتسامة قبس من الأمل يضيء ظلمة دهاليز الحياة. هل جربتم الحب بنكهة الأمان؟؟ هي تلك (عايدة) حبة مطر يجري بين الحقول فتسقي الطير والحجر والبشر. أول عطاء منها كان حفنة (البونبون bonbons) التي تمنحك عذوبة الطفولة مهما يبلغ عمرك. ثم دعوة كريمة لزيارة بيتهما..
لبيت الدعوة التي كانت على شرفي رفقة صديقاتي (نوال بن براهيم من المغرب، زهراء منصور من البحرين وآمنة الربيع من عمان) والتحق بنا العراقي د. محمد حسين حبيب و المصري د. محمد زعيمة. بعد وجبة الغداء أطلقنا على جلستنا (بيت العيلة) وصرنا نغني الأغنية المشهورة لفايزة أحمد. وأثناء انتهاءنا من الأكل، ارتأيت و البنات أن نقوم بمساعدة الراحلة، فكانت جد سعيدة بهذه الاجواء حيث قالت:” يا سلام يا بنات لو كنتن أربعتكن بناتي..ياه حسكن اعطي للبيت أجواء حلوة”، التفينا حولها وعانقنها، لحظة لا تنسى. فتحولنا لمكتب الراحل د. حسن والذي تزخر مكتبته بأم الكتب إلى جانب أكواما من الرسائل والمقالات والبحوث. هذا المنظر يجعل تتقمص دور إليس في بلاد العجائب… والغريب ان الراحلين (د. عايدة ود. حسن) يحفظا على ظهر قلب موضع كل قصاصة فيها..
وهنا تحولنا إلى أجواء الثقافة والمسرح، مواضيع تلو الآخرى تمنحك سفر ممتع بدون حواجز لاتحتاج فيه لا جواز مرور ولا تأشيرة.. ومع كل محطة تقوم د.عايدة :”يا جماعة عندي بن محوك يستاهل بوقكم..اوعوا تقولوا لا…” نقوم جميعا نجهز معها ونرجع نكمل الحديث مع د. حسن. لا نحس بمرور الوقت ولا نشعر باي ملل يتسرب إلينا. ثم تقاطعنا د. عايدة :” بصوا لازم من حاجة باردة … عندي عصير لكن أستأذنكم من عصير الجوفا ذا بتاع بشرى..بس انا كمان جايبة أيس كريم لابد تدوقوه وإلا حيزعل.. ذوقوه حتى لايبكي يا عيني”….كنا معها نحس أن أمنا التي تغمرنا باهتمامها وحبها وعطفها اضافة اننا نحس بطفولة متأخرة… نبقى على ا المنوال لغاية ما ندرك لحظة الغروب التي تطل علينا من شرفة البيت الذي يقع في الدور التاسع.
كانت زيارتي لبيت العيلة من التقاليد الأساسية أثناء زيارتي للقاهرة، حيث تواعدت معهما (هي و د. حسن) على ذلك وبقيت وفية لهذا العهد وكانت آخر زيارتي اليه هي السنة الماضية (2023) حيث قضينا وقتا ممتعا بكينا وضحكنا وفضفضنا لبعض. وآخر مرة شفتها كنا انا وهي في ضيافة بيت الصديق والأخ الاعلامي والمسرحي عبد الحميد السيد وأسرته الصغيرة.
لم يربطنا هذا الوعد الوحيد فقط، بل استطعت تحقيق رغبتها لزيارة المغرب، فبمساعدة صديقتي د. نزهة حيكون، رئيسة الملتقى الدولي لمبدعات المسرح بمراكش/ المغرب. بتقديم دعوة للراحلة (د.عايدة) للمشاركة في ماستر كلاس للاطلاع على تجربتها الغنية في مجال السينوغرافيا ضمن فعاليات الدورة 4 للملتقى. وكان اللقاء مفتوحا
للموت جلال أيها الراحلون، ولنا من بعدكم انتظار في محطات قد تطول وقد تقصر، وقد ترهق وقد تصفو، وقد تُضحك وقد تبكي… حتى يقدم بلا هيبة أو تردد، يختارنا واحدا اثر آخر … “لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون”.
اننا في الحقيقة لا نبكيهم لأنهم رحلوا، بل نبكي أنفسنا لأنهم تركونا وحدنا. إن كل الآمنا ودموعنا وفرقنا وقلقنا لأننا لن نراهم بعد اليوم في دنيانا، وقد كانوا بعض سلوتنا أو جزءا من حياتنا أو بقية من رفاقنا… إننا نبكي من أجلنا نحن، لا من أجلهم، لأنهم رحلوا، فلن يشعروا ببكائنا، ولن يستعيدوا شيئا مما مضى، ولن يكون بمقدورهم أن يصنعوا شيئا لأنفسهم أو لنا.
نحن إذن من يجزع لأن الراحلين انطفأت شموعهم في حياتنا، ولأن رحيلهم إعلان كبير بأن قطار العمر ماض، والأيام حبلى والقدر محتوم… وللموت جلال أيها الباقون.
وقد حدثتني نفسي وأنا الخبير بها، مالي أراك جزعا؟ ألم تكن أشد من اليوم تجلدا وصبرا..، مالي أراك اليوم ضعفا على ضعف حتى تكاد تتهاوى؟ وما برحت تلك النفس تؤنبني، وكأني خصمها إذا ترقرق الدمع، أو ارتج الأمر، أو تلعثمت الكلمات، أو انصرفت عن عالمي وكأني في ساعة المآل ولحظة النهايات التي لا ريب فيها.
- لن أنساك أبداً، سوف أتذكر كل ذكرياتنا الجميلة والوقت الذي قضيناه معاً، سوف تبقى بذاكرتي وقلبي دوماً، رحمك الله يا روحاً لا أقوى على العيش بدونها.
الصمايم هي فترة صيفيّة تمتدّ حوالي أربعون يوما، تبدأ يوم 25 يوليو ويكون فيها الطقس شديد الحرارة. تنقسم إلى 20 نار و20 نوار: الأولى حرارة قصوى والثانية متوسطة حيث تزرع بها الأشتال مثل الطماطم …. الخ.كما تهب في هذه الفترة رياح شهيلي
ﻧﻌﻴﺶ اليوم ﻓﻲ ﻓﺼﻞ ﺍﻟﺼﻴﻒ، ﻭﺑﺎلضبط ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﺔ (ﺍﻟﻄﺮﻓﺔ)، ﻭﻓﻴﻬﺎ ﺗﺄﺗﻲ (ﺍﻟﺴﻤﺎﺋﻢ) أو “الصمايم، ﻭﻳﻜﻮﻥ 25 يوليوز ﻫﻮ ﺃﻭﻝ ﺃﻳﺎﻡ ﺍﻟﺼﻤﺎﻳﻢ.
ﻭﺳﻤﻴﺖ كذلك (ﺍﻟﺴﻤﺎﺋﻢ) ﻷﻥ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﺗﺆﺛﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻛﺘﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﺴﻢ.