” حاجة تخوف”… فعلاً !! / محمد الروبي
” حاجة تخوف ” هو عنوان عرض ختامي لورشة مركز الإبداع بإشراف المخرج خالد جلال. سعدت بمشاهدته مؤخرا وخرجت منه مملوءا بطاقة ايجابية رغم عنوانه الخادع. وللعنوان دلالة سنتعرض لها لاحقا. لكن ما يهمني أن أبدأ به هنا هو تحديد الهدف من مثل هذه العروض، عروض ختام ورش التدريب على فن الأداء التمثيلي. فالبعض يتعامل معها بمقاييس العروض المسرحية المتكاملة ومن ثم يحاسبها على بناء درامي محكم، وشخوص مكتوبة بحنكة تتطور وفق تطور الحدث و.. و…وينسى أن الهدف الأول والأجدر بالتأمل هو الحكم على إمكانات المتدربين الذين قضوا شهورا طويلة يدرسون الدراما والحركة والإنفعال ومهارة الانتقال من شخصية إلى أخرى، إلى جانب التعبير بالجسد و الغناء و..وغيرها. وهو ما لا يعني أبدا التغاضي عن العناصر الأولية التي يقوم عليها العرض المسرحي. لكنها أولويات الحكم.
ووفقا لهذا الهدف يمكننا أن نقول أن خالد جلال نجح في تقديم أكثر من خمسين ممثل وممثلة قادرين وقادمين. بل إن منهم من يمارس هذا الفن لأول مرة ومنهم من مارسه عشرات المرات بل ودرسه في المعهد المتخصص. لكنه جاء إلى هذه المدرسة لسببين، الأول ليزيد من مهاراته والسبب الثاني أن تلك المدرسة صارت مع الزمن بوابة الدخول إلى عوالم النجومية أو على الأقل المشاركة في كثير من أعمال وبخاصة التلفزيونية النافذة الأوسع على عوالم الشهرة.
“حاجة تخوف” عنوان عريض لفرضية اتفق عليها المتدربون مع مدربهم وبعد نقاش أتصور أنه تعمق بالقدر الكافي، ليخرجوا بعدها يتحلقون في حلقات يبحثون فيها عن فرضيات درامية تبرز المعنى من الفرضية الأصل، فرضية الخوف (سببه، الأخطاء الناتجة عنه، كيفية مواجهته).
اتساقا مع هذا الهدف وذلك النهج، سيأتي عرض “حاجة تخوف” يتشكل من حلقات منفصلة متصلة. هي منفصلة لأن كل منها يحمل بداية ووسط ونهاية. وهي متصلة لأن جميعها يربطها ليس فقط الفكرة العامة ولكن أيضا وهو الأهم خيط درامي رفيع قوامه الأساسي هو إلتقاء مجموعة من البشر كل منهم لا يعرف الأخر. يواجهون بالمصادفة موقفا يكشف عن مكنون كل منهم عبر حكاية تخصه. وهي الفكرة التي صيغت كثيرا منذ الأمريكي جون شتاينبك في (موقف الأتوبيس) مرورا بسعد الدين وهبة في (سكة السلامة) وصولا إلى عدد لا نهائي لصياغات مختلفة في أعمال درامية مختلفة. بل ربما تذكرك بداية العرض وتفاصيله الداخلية وبخاصة المكان (القصر المهجور) وساكنيه (أب وثلاث بنات) ولعبهم مع القادمين الجدد، بفيلم (الآخرون The Others ).لتتسائل مع النهاية من كان الشبح ومن كان البشري.؟وهل هم حقيقة أم إنعكاس لخوف متجذر في كل نفس ألقى بها القدر في أتون تلك المغامرة؟
قبل الاستقرار التام على مقاعد المشاهدة، سيلفت نظرك بداية تمهيدية تؤهلك كمشاهد للدخول في أجواء العرض الذي يبدو أنه سيكون مرعبا، وتسمح في الوقت نفسه باستكمال الدخول والجلوس على المقاعد. ثلاث فتيات يرتدين الأسود تمارس كل منهن لعبة ما (نط حبل أو حجلة أو غيرها من لعبات الطفولة القديمة) لكن نظراتهن وأدائهن الميكانيكي سيعطيانك احساسا أوليا أنهن غير طبيعيات وهو ما ستكتشفه بعد لحظات من بداية العرض.
سيبدأ العرض بخالد جلال نفسه يروي لنا عن تلك الرحلة التي ألقت بأفرادها في صحراء واجههم فيها مسخ بشري قادهم إلى قصر مجهول. وهي بداية تحقق هدفين، الأول الدخول مباشرة في الموضوع عبر اجابة عن سؤال كانت ستطول كثيرا لو اعتمدت على التجسيد الدرامي، والثاني هو تذكير بأن ما سنراه هو لعبة هدفها أن نكتشف مهارات لاعبيها. وهنا مع دخول القصر ستبدأ اللعبة، لعبة الكشف عن مكنون النفوس عبر مرايا تكتظ بها حوائط القصر وأشار إليها الديكور بثلاث فقط في العمق حيث سيعتمد العرض على أن الشخص الناظر في مرآة العمق تتجسد لنا حكايته في مقدمة المسرح. وهكذا ستتوالى الحكايات حكاية بعد حكاية ليأتي من بينها المحكم تماما، و البسيط إلى حد السذاجة، بل والمكرر من حكايات أخرى. وهو أمر طبيعي إذا ما تذكرنا أن الحكايات هي من بنات أفكار وصياغة المتدربين، الذين يختلفون في درجة إجادة البناء والإحكام.
في الحكايات سيساعد البعض البعض. فمن كان شخصية رئيسية في حكايته سيكون مساعدا في حكايات الآخرين. وربما لذلك طال العرض إلى أكثر مما يجب، لكن ما الحيلة وأنت ترغب في إظهار كافة الكفاءات دون ظلم لأيهم. ومن هنا تحديدا جاء اقتراحي بأن يقسم الفريق إلى فريقين يتناوبان تقديم العرض – الذي يجب أن يختصر – إما في اليوم نفسه أو يوما بعد يوم. وهو مجرد إقتراح لا أوقن أن كانت إمكانية تحقيقه بالسهولة التي أتصورها.
والآن نعود إلى الهدف الأصل . وهو عرض إمكانات المتدربين، لأقول وبضمير مستريح أنني شاهدت عدداً كبير من الممثلين والممثلات القادرين والقادرات، المتحكمين والمتحكمات في انفعالات متغيرة، منتقلين ومنتقلات من شخصية إلى أخرى بسهولة وببساطة تشي بكم التدريب الذي مارسوه. وأمام نجاح ذلك الهدف تنزوي كل الملاحظات والإقتراحات.
مبروك للقادمين بقوة إلى ساحة التمثيل المصري عبر كافة وسائطه. ,,وإذا كان الشعب المصري أبدع في صياغات المدح بكلمات الذم فاسمحوا لي أن أقولها لكم ( أنتم حاجة تخوف فعلاً ).
وشكرا خالد جلال على جهد كنا نظن أنه طال في الزمن أكثر مما يجب.