جمالية اللغة العامية في نص “كان.. في” لشوقي كريم حسن / علي حسين الخباز

من أهم مميزات النص لغته، وغنى حواراته، والقوة التعبيرية من بلاغة ودلالة وتكثيف والكاتب المسرحي شوقي كريم حسن له امكانية تعبيرية ترتكز على التكثيف والشعرية وتحمل الروح الفكرية والطابع الفلسفي في جميع نصوصه وفي نصه المسرحي “كان… في” مزج لغته ببعض الجمل العامية، اللغة اليومية المحكية حيث بدأ النص في أغنية شعبية

(امرأة :ـ (تغني ) خيه …خيه أوصي المار ما يسمع وصية ( تبكي)

الولوج إلى النص من خلال الاستهلالية بأغنية بهذا الوجع سهلت له أن يقرن الأغنية ببكاء المرأة لينفتح الحوار على صلاحية الغناء في الحرب؟ وأن تكون الأغنية ملاذًا يمنح الروح العراقية أصالتها ومعناها وهويتها في المحكي اليومي لزيادة الكم التأثيري على المتلقي وبعدها يأخذ أغنية (فوق النخل فوق) هوية مرور يعتبرها رائعة.

المرأة ترى حين تئن الشوارع وجعًا، أما أن تنصت لوقع أقدام حية أو لصوت يمنحها البهجة تسأل الإنسان حينها كيف يغني

فوق النخل فوق يابا فوق النخل فوق ما أدري لمع خده مدري القمر فوق …باليني بلوه ما عنده مروه

ومثل هذه اللغة الترفة تضيف إلى النص قيمة عاطفية وكذلك قيمة تأويلية تفسيرية لتوظف حوارات نصوص الكاتب شوقي كريم حسن فهي دلالية ايحائية تعتمد على الأحاسيس والأفكار، وقد تميز هذا الكاتب بلغة متقدة من النثر المركز، ورغم لغة التغريبة الا أنها لا تبتعد عن تمثيل الواقع المعاش فقد يرتبط بهموم الإنسان وبمعاناتهم، ويعبر عنها برؤية معاصرة لتفهم فلسفة الوجع و ليجعل النص أكثر حميمية مع روح المتلقي وله مقدرة لغوية قادرة على استيعاب شمولية المجتمع، أراه في جميع نصوصه شاعرًا يكتب النص المسرحي ويهيم في لغة تغريبية عالية من أجل أن يمثل الواقع الحياتي ويسمو بآفاقه، كي لا يصبح الوجع انكسارًا بل الحزن لديه ثورة وله طاقة احتجاج وانتفاضة روحية يعيشها في كل حوار، هو ابن الواقع له ميانة كبيرة مع قلب وعقل متلقيه. صار لا يستأذن ليدخل إلى معناه فهو يعيش حياته، انسانيته، ويحمل اللغة اليومية في سرديته، يصل بها حد القاع الشعبي قاع المجتمع ليتنفس وجع الحرب لحد المأساة وهذه هي هوية أدب الحروب التي تكتب بعد الحرب.

(يا ماما طبي جوا لا تروح تجيج شضيه تايهه ، ولج لا تعاندين مو القناص كل ساعه ضاربله واحد كمنه ما نعرف عدونا من صديقنه، أولي يمه راحوا شبابنه ما بقه أحد بس الدخان والنار ( تصرخ) العتمة لمت أرواحنا لترمي بها إلى نفايات الحروب.

تنهش الحرب في قلب شوقي كريم حسن، الحرب التي هدت الكيان الثقافي، وهدمت صروح الفكر والثقافة وضيعت الانسانية، وصار الضمير الانساني غريب عن يومياتنا، فعلى الكاتب الحر أن يبحث عن الموقف.

يدخل بلغته الشعرية العالية إلى عالم الفلسفة و يقتحم بلغته الشعبية عوالم الجذر وغالبًا ما يسخر بلغته الدارجة من الواقع.

سألت المرأة معلمتها ما معنى الأبدية؟ ما معنى أن نردد أشياء لا نفهمها؟ ست ما معنى الأبدية؟ (تضحك) ثم تجلس آخذة بكتاب آخر إلى صدرها تتأمله ثم تغني:

(احنه يمن چنه وچنت جينة و كعدنه ببابك ولف الصغر ما ينسي شمالك نسيت أحبابك) صفعتني، آخ ست الله يخليج، انجبي ولج تشكين بالله، شنو أبدية ولج استغفري الله صفعتني بنت ال….. كافره شنو أبديه ولج هذا كلام مال ناس مخابيل والله لأثرم على اذانج بصل ولج بس لا كمتي تقرين كتب مالت الكفار)

اللغة الدارجة لغة لها ألفة مع القلق والخوف مع منظومة الحوار التي تكشف عن خبايا الشعور وتصبح حينها اللغة مؤثرة تعمق بماساوية المشهد

( يمه أنت شلك بهل الشغله الحكومه تقول الكتب مو زينه ما يصير واحد يقرأ غير كتاب)

اللغة العامية هي لغة الحديث التي نستخدمها في حياتنا العادية في البيت في الشارع وتعد لغة الحس و الانفعالية والتلقائية وهي لغة و جدانية تكون هي الأقرب إلى المتلقي كونها جاذبة وسهلة الفهم ولها وقع في النفس

(بابا احنا عندنا عمق تاريخي 6000 سنة من يقدر لنه عمق تاريخي مجيد و حضاره اي حضاره كلش مهمه)

لو لم يكن نص عاميًا لما أعطانا هذا الجمال الذي ينبع وسط الكتابة الفصحى والنهج الفلسفي المعقد فقد وظف شوقي كريم حسن نصه ليلبسه عراقيته، وأرى أن تطعيم النص في اللهجة الدارجة شغل شعراء أكثر من المسرحيين كونه يعطي نفسًا قريبًا من الناس يحمل الإثارة والحبكة لاحتوائها على أساس قادر على رسم صور تعبيرية مؤثرة

(الكاتب :ـ (يقلد رجل ثمل ) الدنيا خوش دنيا بس أولي علينا أشوف كل شيء موجود عرق ومرق و نسوان بعد ليش نتفلسف ، عونج يا لبيتج على الشط منين ما ملتي تغرفين) لك اغرف والزين اللي يدبر أموره لا لك يا رقي يا سكله السالفة بيها بنوك وروحات وجيات ثم يغني.

يستخدم أيضًا بعض المفردات الشعبية التي لا وجود لها في الفصحى ولها أثر قوي في روحية متلقيه مثل (مليوصه عيوني اقبض اغاتي/ ايباخ/ بوري/ والأغنية الشعبية وبعض الأدعية التي تلفظ بالعامية وبعض (الطقطوقات ) الشعبية لتي كانت مخصصه للأطفال ( حنونه يا حنونه يا حلوه يا صغيرونه أنت الصبر وأنا الصبر)

وفي الفصيح أو الشعبي لا يستغني شوقي كريم عن شاعريته العالية فالمرأة تصرخ

(رحم الله والديه اللي لكه روح تايهه بين شوارع الموت / رحم الله والديه الشاف حلم مخبل يركض بالشارع ما يعرف وين يروح عمي الله عليك ما شفت حلم صغيرون خايف ويعتمد على أسلوب الصدمة أيضًا ( لموا أحلامكم لا تدوسهه الهمرات)

ومن هذه المزاوجة منح نصوصه القوة والشعرية العالية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت