البنية التعليمية والمعرفية للمسرح في دول مجلس التعاون.. برنامج إعلامي أم مسرحا أكاديميا؟/ د. علي العنزي

شملت المجتمعات الخليجية، المسرح ـ تدريجيا ـ بالرعاية والاهتمام، وما استدعاء المسرحيين الخليجيين ـ اليوم ـ إلى الرياض، إلا دليل قاطع على مبلغ اهتمام مختلف دول مجلس التعاون الخليجي، بأن يكون التوجيه ” الاجتماعي ـ الثقافي” فالإنسان الخليجي حضاريا، وأن يكون لدى دول المجلس الست، مسرحا خليجيا / عربيا يشاد بمآثره ويكون مجالا للبيان الخليجي، الذي لم تقو يد الزمان على سرقة عمره.

وكانت قد أثيرت في مهرجانات الفرق المسرحية الأهلية الخليجية السابقة، مسألة نقدية مسرحية هامة، تُركت من دون أن يجب على معطياتها أجد، وذلك حينما طُرح سؤال جوهري جدير بالاستحضار والتأمل، مؤداه: لماذا تراجع مسرحنا الخليجي ليصبح في منطقة ضيقة وخانقة في زمن لهاثي اختراقي في كل تفاصيل إيقاعاته الحياتية اليومية؟ وهل يمكن قبول الحديث عن العولمة والانفجار المعلوماتي والعنصرية وتجليات التحديث كتحديات ينبغي على مسرحنا مواجهتها وهو لا يزال غارقا في إشكاليات تفصل بينه وبين الغياب شعرة؟

وعلى الرغم من أهمية السؤال المثار بشأن المسرح كتراث ثقافي Cultural Heritage خليجي ـ في ظل التحولات الثقافية العالمية ـ ناهيك عن ارتباط القضية في عمق المسرح الخليجي، وتعسر ولادته في محيط عصر معرفي صارم، فقد تُركت الأسئلة مفتوحة على علاتها، من دون أن يستجلي جوهرها أحد، ولم تتدافع أية دراسة أو بحث جاد لتقريها؟

ولما كنت أستاذا في الحاضنة الأولى للبنية التعليمية والمعرفية للمسرح في دول مجلس التعاون، وأعني المعهد العالي للفنون المسرحية بدولة الكويت، فسأحاول عبر البحث هذا، تسجيل انطباعاتي فيما شاهدته خلال تجربتي التي تمتد 20 عاما، محاولا إعمال معارفي وتجاربي في الورقة هذه، بحيث انتهيت إلى تشخيص الوضع وخطط الحلول، التي أعتقد أنها تحقق رغبة دولنا، فيما تهتم به.

وسواء نظرنا إلى البنية التعليمية والمعرفة للمسرح في دول مجلس التعاون، والمسرح والعالم الافتراضي باعتبارهما حالة ثقافية أو إنتاج ثقافي جديد، أو ارتأيناهما تلك القوة التي ستساعد المسرح على التحرر من قيود النمطية الكتابية، وتقليدية المؤسسات الفكرية الراعية للثقافة، فإننا في كلتا الحالتين نجد أنفسنا منغمسين في البنية التعليمية والمعرفية للمسرح، ولن نستطيع أن نتحاشى آثاره على مسرحنا التي يمكن أن ننتقدها ويمكن أن نباركها، ولكن لا يمكن أن نتجاهلها.

والحق، أنه ستكون قراءة مغرضة، وادعاء أجوف، لو زعمنا أن هناك مخرجا مسرحيا واضحا يمكن أن نقدمه كما تقدم الوصفة الجاهزة لمأزق البنية التعليمية والمعرفية للمسرح، إن الإحساس بدرجة هذه الأزمة متباين، كما أن وجهات النظر تختلف حول تعليل الأسباب، ولكن معظم العاملين في الحقل الثقافي يتفقون حول التناسب الطردي بين المسرح خليجي وازدهار البنية التعليمية والمعرفية للمسرح في دول مجلس التعاون، وخصوصا في ضوء ما يطلق عليه في تاريخ مسرحنا، “تعسر ولادة تأصيل المسرح في دول الخليج العربي”، ذلك أن المسألة في ضوء عالم تفاعلي، اغتدت أكبر من تأصيل أو ما شابه، ولم يعد مجديا في غمرة الأسئلة التي تفرض نفسها بإلحاح، بعد أن انفجرت التكنولوجيا العالمية، وانزلق الشاب الخليجي إلى فضائها الإلكتروني، أن تُقلب الصيغ التعليمية والمعرفية المسرحية الروتينية، سعيا للتصدي للأزمة على أمل تخطيها.

والتحقيق أنه قد آن أوان التساؤل عن مستقبل البنية التعليمية والمعرفية الجادة للمسرح في دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك على أساس من الرصانة المنهجية المفضية إلى موضوعية أعظم، قراءة منتجة، تطرح أسئلة مؤجاة، وتفتح حوارا وبابا أمام متوالية الإجابات من دون أن تضيع في ركام التفاصيل، أو تهدر الوقت في هواجس وشكوك العاملين في الحقل، بدلا من السعي لفهم وتحليل الأمر.

تعتمد هذه الدراسة، أسلوب التركيز وتتقصد الإبانة، وتتخذ من الصراحة أرضية ومساقا في قراءتها، وأننا إن لم نبدأ من الوضوح والصدق، فسيستمر الوضع حلقة مفزعة على نفسها، ولن نوفي الموضوع حقه، وسنلفي متاهات لفظية قابلة للدحض.

 

* د. علي علي العنزي/ أستاذ مشارك ـ قسم النقد والأدب المسرحي / المعهد العالي للفنون المسرحية ( الكويت)

 

 

************************

* ملاحــظــة: هذا ملخص ورقة د. علي العنزي التي قدمها في الجلســة الأولى من اليوم الثاني التي ناقشت موضوع “البنية التعليمية والمعرفية للمسرح في دول مجلس التعاون بالندوة الفكرية: «البنية الأساسية للمسرح في دول مجلس التعاون الخليجي» ضمن فعاليات الدورة 14 لمهرجان المسرح الخليجي التي احتضنها مدينة الرياض (10 ـ 17 سبتمبر 2024) ، وذلك يوم الجمعة 13 سبتمبر 2024، بقاعة المؤتمرات (بإقامة المهرجان).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت