نص مسرحي: ” الشمر يحاكم من جديد” / اعداد : محمد محسن السيد
الشخصيــات:
الشمر – البشر – الهاجس صوت وهب الخادم + اصوات الشمر (مع مجموعة من رجال حرسه الشخصي يهيئون اجهزتهم: حاسوب، موبايل، كاميرا ، جهاز فيديو. CD يتشحون بملابس حديثة جدا ، يتوزعون باشارة من الشمر كل الى موقعه المحدد ).
الهاجس: لماذا؟ لماذا، لماذا؟
الشمر : كفً بلونِ القار فيها اصبع بيضاء لو كانت يدي لا فزعتني
صوت طفل: عطشان، عطشان .. عطشان .
الشمر : (متواصلا) هذا الصفاءُ المطمئنُ هذي النظرة البنيّةُ العينين اكرهها .
اصوات اطفال: النار ، النار، النار .
صوت امرآة: واحسيناه ، واحسيناه ، واحسيناه ، واحسيناه .
الشمر: (منتفضاً) مَنْ التي تندب؟! اسبوع وهذي الريح لا تهدأ ارسلوا رجلاً يتحرى .
صوت طفل: عطشان ، عطشان ، عطشان (بكاء طفل).
صوت طفل: عطشان ياحسين .. عطشان ياحسين .
الشمر: اسكتوا هذا الصوت
الهاجس: لماذا ، لماذا ، لماذا ، لماذا .
الشمر: ائمة، جميعهم ائمة. بعد غدٍ سيثقلون الارض بالتقوى .
الهاجس: لكنهم اطفال ما ذنبهم .
الشمر: ماذنبهم، اتراني أقطرّ هذي المرارة، اعصرها من حناجرهم بطراً؟! لا، وخسئتُ اذا كنت افعلها. انني بدماء حناجرهم سأكدّر هذا البياض. ارغم هذي الاصبعَ المريبة ان ترتدي لونَ اليد التي عليها نبتت. اجعلها سوداء حتى العظم. سوداء حتى العظم سوداء حتى ال…
(تظهر في افق المسرح كف سوداء سباتها بيضاء السبابة تشير الى الشمر).
الشمر: (ينتفض من مكانه مفزعا ، ويتجه الى الكف) ها انتِ ذي بيضاء حتى العظم تخترقين الباب والجدار وتملأين الدار، ترّوعين يَقظتي، ترّوعين نومي، ستنبتين بين عينيَّ الى القيامة بيضاء حتى العظم (مستمر وهو يحملق في الكف مرتعباً).أفزّ جميعي عيوناً ولكنني مكرَه. لو انّ اختفاءك مِرتهنٌَ بالعمى لأنشبت هذي الاظافر في محجريَّ الى ان يسيل، بياضهما كلّه في يدي، ولكنني مُكرَه، واحملقُ فيكِ، والاحقُ لونكِ. لا انهُ هو، لونك ظلَّ يلاحقني. (وكأنه يخاطب اناساً يراهم) كلُّ اصواتكم.. كلُّ آهاتكم. كلُّ اعينكم تتجمع حولي، تحاصرني، اريني وجهكِ ايتها الاعينُ اللستُ ابصرُ الا محاجرها افاحملُ اوزاركم كلَّها، وانا لستُ اعرفُ حتى ملامحكم؟! (وهو يلتفت في كل اتجاه). مَنْ انتما؟ مَنْ انتما؟ مَنْ انتَ؟! أنتَ؟ انتِ مَنْ؟؟ قتلتكم أنا جميعاً؟! ام تطالبونني بواحدٍ منكم؟! ألستم تملكون غير ان تحملقوا فيَّ؟! اذن فانفجروا غيظاً لقد قتلتُهُ يقهقه .. قتلته .. يقهقه .. قتلته (مواصلاً هياجه وكأنه يطارد اشخاصاً غير مرئيين) قتلته .. قتلته (للجمهور انتم تسمعون مااسمع؟ يضحك) انت ان شئتَ ان تسمع فابحث عن حسين آخر فاذبحهُ، ثم أنظر الى يديك. اتعير مثليَّ بالخوف؟ ضَعْ قِبَلي الموت افعى لها ألفُ رأسٍ اُقاتلها الان، جيشاً بعدد الحصى اقتحمه، ان تقاتل شيئاً تراه، شيئا تجرؤا ان تضربهُ ان ترهبهُ، لكن ان تُصبحُ تُمشي منهوباً، مأخوذا بعيونٍ دون محاجر، اصواتٍ اغلقُ اذنيَّ فتصرخُ من داخلِ جمجمتي، ان تتحدث عن موتك حتى تألفهُ؟ ان توهم نفسك أنك لست وحيداً؟ تودعُ خوفكَ عند صديقٍ .. جارٍ .. إنسان تعرفهُ؟!
مَنْ يفهمُ معنى هذا؟ مَنْ؟! (متواصلاً) تنفضُ الغيمةُ المدلهمةُ امطارها وأنا مثلما البير . البراكين تُفرغُ اجوافها ثم تهدأ وأنا مثلما البير كلما اخرجوا منه يزدادُ عمقاً . كلما اخرجوا منه يطفحُ بالماء، كل شيءٍ سيبرد وانا تتناسلُ في جوفيَّ النار، ازفرها ثم تنهض، ازفرها ثم تنهض، ازفرها … (طرق على الباب)
(صوت من الخارج): شيخاً يسأل معروفاً .
الشمر: ادخله يا وهب ، اسرع .
صوت وهب: أمرُ مولاي .
الشمر: (مواصلاً) شهرٌ ولا يقربنا احد ، شهرٌ وهذي الباب لا تطرقها إلا كفٌُ الريح .
(يدخل شيخ بأديء عليه الاعياء).
الشيخ: السلام عليكم .
الشمر: وعليك السلام ، حياكَ الله .
الشيخ: (وهو يجلس) وحيّا هذي الدار وصاحبها .
الشمر: لو يسمعُ مِنكَ الله دعاؤكَ هذا .
الشيخ: (بشيء من الاستغراب) ان الله سميعٌ ياولدي .
الشمر:(بلهفة) ومجيب .
الشيخ: (باستغراب) ماكانت نفسُ السائلِ مخلصةً .
الشمر: (مع نفسه وهو مطرق) ما كانت نفس السائل مخلصةً (منادياً) .. يا وهب .. يا وهب .
وهب: (وهو داخل) لبيك يامولاي .
الشمر: احضرْ الطعامَ ، واصلحوا للشيخِ موضعاً ينامُ فيه .
وهب: امرك .
الشيخ: لو شربهةَ ماءٍ عافاك الله، إني عطشان، عطشان.
(اصداء كلمة عطشان تتردد من جميع جوانب المسرح وتتضخم تدريجيا بينما وهب يخرج).
صوت طفل: عطشان (بكاء طفل).
صوت اخر: عطشان ياحسين .. عطشان ياحسين .
الشمر: (لنفسه) ايُّ داعٍ احرُّ واوجعُ منكَ دعاءً؟ أيُّ داعٍ به بعضُ مابكَ من حاجةٍ لطمأنينة الروح. تتمرغُ مثل اللديغُ يضجُّ به السُمّ. ياحرقةً ليس تهدأ، يا هلعاً ينتهي ثم يبدأ ، ينتهي ثم يبدأ، ينتهي. كنتُ احوجَ ان اتقي الله ساعتها، غير أنّي كابرت. لا لم يَكُ الكَبر ، أذكره، كنت أنضح بالخوف حتى لقد كان في وسعِ خوفي ان يذبح الارض اجمعها. كان ورائي ثلاثون الفاً ، كلهم احجموا، وهو فردٌ يجود بأنفاسه، وتقدمت، كنتُ ضحيتهم، وضحية خستهم كلها، كنتُ محاصراً بهم، كانوا جميعاً يندبونني لقتل خوفهم .
(يحضر وهب حاملاً جره ماء وقدحاً .. يصب للشيخ الماء).
الشمر : (مواصلا) وحملت مخاوفهم كلها، كنت فرداً تحمل خوف ثلاثين الفاً ، وتحمل جين ثلاثين الفاً، وبهذا قتلته؟!.
الشيخ : (وهو يرد الماء مجفلاً ) انت ابن ذي الجوشن. اذن؟ !.
الشمر: (ملتقنا اليه) اجل، فهل ادخل شكلي الروع في قلبك؟ !.
الشيخ : كلا .
الشمر: اذن فيما رددت الماء؟
الشيخ : كان غيري اولى به.
الشمر: فاذا فات غيرك، ترفضه انت؟ !
الشيخ : لي اسوة.
الشمر: (بعد ا طراقة قصيرة) لو احسنت الينا والى نفسك في هذا الماء؟
الشيخ: (متعجبا) ااصدق انك تلحف كي تسقي عطشاناً؟ !
الشمر: اشرب لتصدق.
الشيخ: ياعجباً .
الشمر: ماذا على مثلي ان يفعل؟ ااحمل الفرات فوق ظهري؟ اطوف في الناس انادي: ايها الناس اصنعوا بالشمر معروفاً فقد جاء وفوق ظهره الفرات ؟!
الشيخ: اتكابر؟ ام تتندر؟ وهيك فعلت الذي قتلته صادقاً من سيقرب ماءك؟ !.
الشمر: او افسدت حتى مرؤة ماء الفرات؟
الشيخ: انت سوغت للناس ان يلعنوا الماء.
الشمر: شهر وجسمي كله يضج بالورم، شهر وجرحي يضمدونه على الصديد، اريد ان اسمع صوتا واحد يفتح وهذا الجرح وليك ما يكون.
الشيخ: لاتلم احدا. واما انا .. فلست بمغنيك شيئا.
الشمر: انت تسمعني صوت نفسي.
الشيخ: فنفسك تغنيك. (وهو ينهض) معذرة، اتقي الله فيك، وفي نفسي الان.
الشمر: يا هذا، بت ليلك لا تطعم ان شئت ولا تشرب شيئا.
الشيخ: اطعم ان بت هنا ندما ياشمر فأعتقي من احسانك هذا، اانا لم ار وجه قتيلك، لكني احسست الساعة اني ابصره ( يخطو نحو الباب) .
الشمر: وكيف احساسك يا شيخ به؟
الشيخ : (يقف ويلتفت اليه) كأنني ممتليء بالماء، كأنني ممتليء بالماء (الشيخ يبلغ الباب ثم يلتفت) اتعلم ماذا حل بالفرات يابن ذي الجوشن؟
الشمر: (متهكماً) هل جف؟ !.
الشيخ: لا، لكنني سمعت ان صائحاً ينهض من مياهه في الليل.
الشمر: منذ متى؟ !
الشيخ: مذ قتل الحسين وهو ينادي كل ليلة بهذا الصوت (يسمع صوت تلاطم امواح) .
صوت الفرات: ايها النيام هذا انا الفرات، مفازة العطش، رواسبي دماء، ورغوتي دماء، وانت كل الماء ياحسين (صوت تلاطم امواج) واصغري لديك ياحسين. واعطشي اليك ياحسين. كل مياهي لاتندي شفة ضمائ وسوف تسقي بك الاف منه السنين عطشاها فأجعل لمائي حصة في مائك القادم، اجعل لمائي حصة في مائك القادم لعلني ابرا ياحسين .. لعلني ابرا ياحسين . الانسان بنيان الله ملعون من هدم ذلك البنيان (يكررها عدة مرات) .
(ينقطع الصوت ويكون الشيخ قد اختفى … يبقى صوت تلاطم الموج الذي يهدأ تدريجياً حتى يتلاشى)
الشمر: (مذهولا) هل ذهب الشيخ؟! كأنما جاء به الليل نذيرا عاجلا وابتلعه (يطرق .. ثم وكأنه يحدث نفسه) سوف يجي ماؤه القادم ليبري الفرات.
الشمر: (ينتبه لنفسه وحيدا) صرت اشحذ حتى الشتيمة حتى الشتيمة اشحذها. شهر وما ازال، ارى بعيني جسدا لا رأس له، ينهض كل ليلة، يطوف في الشوارع. ابصرُ كل ليلة رأسا عظيما يتدلى، يعبر السطوح، يلصق بالابواب والنوافذ، يبحث عن أكتافه، اراهما يقتربان حد ان يلتقيا، حتى اذا كادا يموج الدم في الارجاء، ثم أرى سيفي وكفي وقد علتهما الدماء. اكرهه.. اكرهه.. اكرهه. رأيته ممزقاً ، ملقى على الرمال، وكان في مفازة العطش، كأن في عينيه غيمتين تمطران. اكرهه.. اكرهه. لم ارى قطّ احتجاجا كعينيه، لحظة لم نكن غير هذين: قاتلاً خائفاً وقتيلاً يلاحقه محض عينين. لم يكن خائفا قدر ما كان مستنكرا، للحظة احسست ان كل مافي الارض من سيوف تعجز ان تقطع رأسه. نظرت بين عينيه سليبا مفزعاً . وبدون وعي هكذا.. قلت له: لأنني اكرهك هذا الصفاء المطمئن، هذه النظرة النبية العينين اكرهها. قلت له: انك عبء من الطهر تكرهك الارض ، إذ أنت تفضحها، انما محنتي بك أضعاف محنتك الآن بي. انا من شاء لي سوء حظي أن ابتلى بازالة كل المروءة عن كاهل الارض .
(لحظة صمت).
أشحت بوجهي عن وجهه، وبكلتا يدي شددت على السيف، كان خوفي يكبر، يكبر حتى غدا ضعف حجم توجعه، فتمكنت منه، انهيت الآمه، واحتفظت بخوفي يكبر من يومها.
(لحظة صمت)
ثم رافقني رأسه، رافقتني عيون الصغار واصواتهم، وشعور النساء واصواتهن، الصراخ، والعويل، وقد كنت وحدي غريبا عن الجيش أجمعه، حاملاً رأسه فوق رمحي. وتبينت في اوجه الجند. أني شيء يخافونه، يتحاشونه، كنت احس كراهية الجند لي.
(مشهد من المسيرة برأس الحسين).
صوت: تعجل .. تعجل .
صوت: علامَ حماسك .
صوت: نشهد كيف لقاء الخليفة للشمر، لا شك يثقله ذهبا .
صوت: أراهن أن يزيد سيثقله ذهبا (يختفي).
الشمر: (وهو يضحك ضحكا هستيريا) اثقلني يزيد بالذهب .. اثقلني يزيد بالذهب (وهو يواصل الضحك بصورة هستيرية) اثقلني يزيد بالذهب. اثقلني يزيد بالذهب (تتحول ضحكته الى مايشبه العويل) اثقلني يزيد بالفقر والجريمة، اثقلني يزيد بالفقر والجريمة، بالفقر والجريمة، متبوذ كالجمل الاجرب، منبوذ لا يقربني ألا من لا يعرفني والشامت والمشفق منبوذ. منبوذ .
يستمر الشمر في هذيانه . ينهض الى اشباح (لايراها احد) .
الشمر: تعالي، تعالي، يا عيون الذين تمرغت في دمائهم ويا شخير حناجرهم، يا بكاء الصغار ويا صرخات الثكالى، بددي وحشة الصمت حولي فاني وحيد وحيد .. وحيد. لكن لا .. لا .فانا من سلالة قابيل (يفتح ازرار قميصه فنراه متدرعا بحزام ناسف) لا زالت بقيتي فيكم تتناسل. حقداً كراهية .. دماء (ينفجر ضاحكاً بهستيرية شديدة…يكرر بعض حواراته السابقه).
ستـــــــــــــــــــــــــــار
محمد محسن السيد (تم الانتهاء من اعدادها في 7 كانون الثاني 2007م الموافق 18 ذي الحجة 1428هـ)