محاكمة القدر بين النص والإخراج… قراءة في تجربة مسرحية منير راضي/د. عماد هادي الخفاجي
تشكل المسرحيات المستوحاة من الأدب العالمي دائما تحدياّ أمام المخرجين والممثلين، إذ تتطلب إعادة قراءة النصوص الخالدة بمنظور جديد يتناسب مع الحاضر، وفي هذا السياق، تأتي مسرحية (لير يحاكم القدر) تأليفا وإخراجا للفنان منير راضي، لتقدم قراءة فلسفية معاصرة لمأساة الملك لير، محملة بإسقاطات على واقعنا الإنساني والاجتماعي الراهن.
استطاع منير راضي، المعروف بميوله نحو إعادة إحياء الموروث الأدبي العالمي، تقديم رؤية مختلفة تعمقت في الجانب الإنساني لشخصية لير، فركز على مأساة الأب المخدوع الذي يواجه قسوة عقوق أبنائه، ليكتشف متأخرا أن الحب لا يُمنح بسبب المكانة، بل بالمشاعر الحقيقية، هذه القراءة الفلسفية تجلت في الحوارات العميقة والنصوص الغنية بلغة عربية جزلة أضفت بعدا شعريا للمسرحية.
الأداء التمثيلي:
تميز الأداء التمثيلي بقيادة الممثلين جاسم محمد وأحمد محمد صالح، اللذين أظهرا قدرة عالية على ضبط الإيقاع والتنقل بين مشاعر الغضب والحكمة بحرفية لافتة، لذلك فكان أداؤهما المتقن عكس التزاما جادا بتجسيد اللغة العربية بأسلوب مسرحي مميز، ومن جانب آخر، قدمت وجوه شابة واعدة مثل زمن العبيدي، إسراء ياسين، وهاجر عماد أداء متماسكا رغم بعض التعثر في الإيقاع هذه الأسماء الشابة تُبشر بمستقبل مسرحي واعد في حال استمرار التدريب والتطوير.
السينوغرافيا:
قدمت السينوغرافيا التي صممها سهيل البياتي لمسات واقعية حملت نكهة مسرحية أصيلة، رغم أن المخرج لم يستثمرها بالكامل في تطوير السرد البصري، أما الموسيقى التي قدمها هشام عبد الرحمن وحسين زنكنة فكانت داعمة لروح العمل، في حين بقيت الإضاءة في مستوى تقليدي دون أي إضافات تذكر.
بالمجمل تثير تجربة (لير يحاكم القدر) مسألة إسناد الإخراج إلى المؤلف نفسه، وهو ما قد يؤدي إلى غياب (خيال العقل الآخر)، الذي يمكن أن يثري العمل برؤية مغايرة ولكن على الرغم من هذه الإشكالية، نجح منير راضي في الإمساك بخيوط العمل دون الوقوع في فخ الترهل أو الإطالة، مع تحقيق ختام فلسفي متفائل جسدته شخصية كورديليا في المشهد الأخير.
وأخيرا، يبقى العرض تجربة تستحق التقدير بما حمله من عمق فلسفي وأداء تمثيلي مميز، مع أمل في أن تتطور التجارب المستقبلية لتقدم رؤى أكثر إبداعا وجرأة على مستوى النص والإخراج، خدمةً للمسرح العراقي والعربي وقضاياهما الثقافية.