الفن وأدواته الجديدة: قراءة في الدراسة الموسومة ” المسرح المدرسي الرقمي ومهارات ما وراء المعرفة” لهدى حدادي/ مولدي العنيزي
مقدمــــــــــــــــة:
لطالما ارتبطت الفنون بالذائقة الإنسانية والإبداع البشري في مختلف تجلياته الحسية والجسدية.
ومنذ القدم طرح ذاك السؤال المحوري: هل عندما صاغ الإنسان القديم حركات وانفعالات جسدية، كان قصده الرقص؟ أو عندما خط على الجدران والصخور مشاهد من معيشه اليومي، كان فعلا يرسم أو يقصد الرسم فعلا ويتمثله كمفهوم وإنتاج فني في تلك المرحلة؟ أو عندما صرخ الإنسان، هل كان بذلك يعبر مسرحيا أو موسيقيا أو شعريا عن شي ما أراد ايصاله غضبا كان أم فرحا أم ألما؟
ولعل صرخة الكاتارسيس لأرسطو قد كانت ربما أولى خطوات الإنسان لبداية تمثله وإنتاجه للفنون أو لفنون الأداء بشكل أدق.(1)
لقد أبدع الإنسان منذ الأزل وعبر العصور الحجرية بقديمها ووسيطها وحديثها، أشكالا تعبيرية مادية تمثلت خاصة في النقوش والزخارف والعمارة ومختلف الأدوات الحجرية وكان لكل حضارة إنسانية طابعها المميز لها والحمال لأشكال تعايش المجموعات البشرية فيها، ولذلك فقد اجتمع المؤرخون والباحثون على ما يمكن أن نسميه بوجود الفن البدائي الذي تبلور مع الإنسان البدائي اعتمادا على الرموز المحفورة أو ما يسمى بالترميز، فحتما ذاك البدائي قد كان في أوقات ما ذات مفكرة قادرة على الإبداع والتفكير بكل رمزية.
لقد ركب الإنسان منذ القدم كل أشكال المخاطر والأهوال في الغابات والصحاري والبحار وابتكر أدوات عيش لاستمرار وجوده، بداية من أساليب الصيد وصولا الى تقنيات الزراعة، وقد مر عبر كل هذا بأعمال العقل في كل ما تتطلبته ظروف وعناصر استمراه ككائن بشري مهمته الأولى اعمار الأرض، وقد عبر عن ملاحمه تلك بتلك الأثار المحسوسة التي لازال العلماء يكتشفونها ويتدارسونها الى اليوم، وفي هذا ربما كان تدوين اليومي يعد شكلا من أشكال نشوء الفن أو الفن المادي ان جاز التعبير.
ومع تطور المجتمعات وبداية تنظم المجموعات البشرية ضمن حدود وقوانين وتشاريع، تطورت التعبيرات اللامادية أو ما يمكن أن نطلق عليها الفنون الحية كالرقص والموسيقى والآداب والمسرح و ازدهرت لدى شعوب تلقتها و احترفتها في ان فالعصر العباسي قد شهد تطور مختلف تلك الفنون تزامنا مع تتطور حركة الترجمة و التدوين والنهضة الأوروبية قد نهضت بفعل تراكم وتتطور المدارس والأنساق الفنية في العمارة والرسم والتعبيرات الموسيقة وأما المسرح ومنذ الاغريق فقد بدأ يشكل طابعه الفني والحضاري الخاص الذي امن بأنسنة الإنسان ككائن أبدعه الخالق ليبدع بدوره في خلق مساحاته الفنية بكل تجرد وانعتاق عن ومن مختلف معيقات التصنيف كالعرق واللون والمعتقد.
ومع نهاية تسعينات القرن التاسع عشر، بدا شهد العالم يشهد ميلاد اختراعاته وابتكاراته الفنية التقنية الجديدة وهي السينما لتتطور بذلك الفنون البصرية والتي أخذت اليوم اشكالا وأبعادا مختلفة لعل أهمها فن الصورة وتقنيات التحريك ومجمل الفنون الرقمية.
ولعل مصطلح الفنون الرقمية قد أخذ حيزا مهما في زمننا الراهن تنظيرا ودراسة وممارسة وشكل المصطلح الى حد ما مبحثا جماعيا لطرح سؤال جوهري: هل يمكن للفنون أن تتطور وتستحدث لها أدوات جديدة خاصة على مستوى التقنية؟ فتكنولوجيات الاتصال قد أخرجت الفرد من فردانيته نحو فضاء عام ومجتمع أوسع -ولو الى حين- اعتبارا أن تلك التكنولوجيات قد أعادت في أوجه ما ترسيخ تلك الفردانية أو العزلة الاجتماعية والمجتمعية للفرد، ومهما يكن من تنسيب في منافعها وضررها فالثابت أن البشرية قد استفادت من هذا العصر التقني الجديد على مختلف الأصعدة الاقتصادية والخدماتية والصناعية والفلاحية وأيضا الثقافية.
في هذا الإطار واعتمادا على الأخذ بأسباب منافع التقنية، بدأت قطاعات الفنون على غرار المسرح والسينما تعتمد وتوظف التكنولوجيات الرقمية في إنتاج وتطوير مضامينها وإتاحتها للمشاهد في الفضاء العمومي الافتراضي الذي أضحى اليوم أكثر واقعية وملامسة وحضورا في المجتمعات بكل أشكالها واختلافاتها. وقد انتبهت المؤسسات التعليمية والثقافية الرسمية والخاصة لمحاسن هذا التطور وشجعت في عدة دول المختصين والباحثين والفاعلين الثقافيين والفنانين على إضفاء الطابع الرقمي على تعبيراتهم الفنية ورقمنة ما يمكن للإبداع البشري أن ينتجه فنيا و تربويا وثقافيا، و لم تكن الدول العربية بمعزل عن هذا الانتباه في سياساتها التعليمية والتربوية والثقافية ولذا وفي هذا السياق تتنزل قراءتنا أو محاولة قراءتنا المتواضعة في مقالنا موضوع البحث للدراسة الموسومة : “”المسرح المدرسي الرقمي ومهارات ما وراء المعرفة” للمربية والباحثة السعودية هدى حدادي.(2)
لقد صدر كتاب المسرح المدرسي الرقمي ومهارات ما وراء المعرفة عن مجموعة تكوين المتحدة للطباعة والنشر والتوزيع بجدة بالمملكة العربية السعودية سنة 2022 وهو في الأصل دراسة اكاديمية لمخرجات عمل ميداني في المسرح الرقمي تبلور ضمن ورش فنية تلمذية بالمدرسة الثانوية التسعون بجدة تحت اشراف الكاتبة. و قد جاء في مائة و سبعة و عشرون صفحة (127) من الحجم المتوسط تضمنت الى جانب الملاحق والمصادر والمراجع، تخطيطا بيداغوجيا ارتكز على فصلين اثنين : فأما الفصل الأول قد عنونته صاحبته ب : المسرح الرقمي ومهارات ما وراء المعرفة وضم مبحث المسرح الرقمي ومبحث مهارات ما وراء المعرفة، أما الفصل الثاني فقد ورد تحت عنوان: أثر المسرح الرقمي في بناء مهارات ما وراء المعرفة لدى طالبات المرحلة الثانوية وقد تضمن هذا الفصل أيضا مبحثين فالأول قد تناول خصائص المرحلة العمرية لطالبات المرحلة الثانوية واما الثاني فتناول اثر المسرح الرقمي في بناء مهارات ما وراء المعرفة لدى طالبات المرحلة الثانوية.
تاريخية المفاهيم في دراسة هدى حدادي:
ان التاريخ انما هو قارئ جيد للمفاهيم وتطورها وأيضا هو انعكاس لحركة البشر ولإبداعاتهم في مختلف الميادين والمجالات على غرار مجال الفن والفكر والابداع، فالفنون الحية لا تكون حية الا بالتجربة الإنسانية وأما الفنون الرقمية فلا تكون الا بالتجربة التكنولوجية والوساطة الرقمية المبتدعة بذاتها من قبل الانسان والفكر البشري.
في هذا الاطار يمكن اعتبار هذا الكتاب ضمن الدراسات الثقافية المعاصرة التي استعانت بأدوات تحليل تعتمدها في الغالب أقسام علوم التاريخ والاجتماع وعلوم التربية. وقد تناول بالبحث والتقييم والدرس مسألة فنية مسرحية استمدت من المدونة الفنية للمسرح السعودي المعاصر واعتمدت الاقتباس عن نص مسرحي للكاتب السعودي محمد العثيم وهو نص “شاهي حلو شاهي مر”. (3) وقد اعتمدت هذه الدراسة على انتهاج أسلوب البحث النوعي الميداني المرتكز أساسا على منجز مادي متاح (عينة مختارة) والذي يسهل بدوره رصد الدلالات والمعاني واستكشاف السلوك لاسيما سلوك المجموعة المشاركة في انتاج هذا العمل المسرحي الرقمي من طالبات مدرسة التسعون بجدة.
لقد تناولت الدراسة مبحثا راهنا ضمن المباحث الثقافية والتقنية في نفس الوقت، فمصطلح المسرح الرقمي لايزال ينتهج سبيل الوصول والرسوخ في الذهنية الثقافية لعدة مجتمعات ولدى الافراد والفاعلين الثقافيين. ومنذ ظهور المصطلح أول مرة سنة 1985 عندما أصدر شارل ديمر (Charles deemer) أول مسرحية تفاعلية معتمدا على برنامج iris (4) تتالت التجارب في انتاج المضامين الفنية الرقمية لتشهد الأقطار العربية بدورها تنامي وتتطور مثل هذه الإنتاجات ولعل المخرج والناقد المسرحي العراقي محمد حسين حبيب قد كان أول من دعا الى استثمار التقنيات الرقمية في المسرح وأطلق نظرية المسرح الرقمي في العالم العربي منذ سنة(5) 2004.
لقد ظهر المسرح الرقمي ضمن عدة فنون رقمية مختلفة بدأت تتبلور خاصة مع النصف الثاني من القرن العشرين حينما بدأت الصورة تعتمد أكثر على الكمبيوتر أو ما يمكن أن نطلق عليه فن تحريك الصورة، وقد ساعد تطور قطاع السينما وظهور آلات التصوير الجديدة والوسائط الرقمية في تطوير هذا الفن ومختلف التعبيرات الفنية الأخرى المرتكزة على التقنية ووسائطها. و في هذا يؤكد المفكر جي ديبور (Deport) في كتابه Society of the Spectacle على أهمية ثقافة الصورة في عصرنا بالقول “… فالصور هي الأداة التي يتم عبرها ومن خلالها توصيل العلاقات الاجتماعية بين البشر…كما يرى أنه لا يمكن فهم المشهد على أنه تشويه عمدي للعالم البصري أو نتاج لتكنولوجيا تشويه الصور، انه بالأحرى رؤيا للعالم تحققت وترجمت الى عالم مادي فهيا رؤية للعالم تحولت الى قوة موضوعية…”(6). والثابت حسب رأينا ومن خلال ما اطلعنا عليه ضمن كتابات تعلقت بالتاريخ الثقافي المعاصر، أن الفن التشكيلي والصورة التشكيلة كانت السباقة لإنتاج وبلورة مصطلح الفن الرقمي “…و ليس أدل على الصلة الوثيقة بين الفن والتكنولوجيا في ظهور ما يعرف بمصطلح الفن الرقمي وهو اسم يطلق على الحركة الفنية التشكيلية التي تستخدم تقنية الحاسوب والمؤثرات المتطورة وآلية التفاعل بين رؤيا الفنان الذهنية والرؤيا الرقمية على شاشة الحاسوب…”(7).
لقد تطرقت الباحثة هدى حدادي في دراستها هذه الى البحث في تاريخية ظهور مفاهيم الثقافة الرقمية والفنون الرقمية والمسرح الرقمي معتمدة في ذلك على عنصرين هامين: عنصر الدراسات السابقة التي ضمنتها الكاتبة في دراستها هذه ومن تلك الدراسات يمكن ذكر دراسة شيرين محمد حسن “خطاب المسرح الرقمي في ظل جائحة كورونا لتعزيز قيم المواطنة لدى الشباب الجامعي عام 2021 ودراسة هشام الجباس “صياغات مسرح المستقبل بين الرقمنة والوسائط التفاعلية في عام 2020 ودراسة ثامر علي “توظيف التقنية الرقمية في تشكيل فضاء العرض المسرحي عام 2019… وأما العنصر الثاني فقد تعلق بخوضها لتجربة ذاتية ضمن عمل المجموعة استلهمت منها تطور نسق البحث والإنتاج لكل ما هو ابداع رقمي خاصة مع الثورة التكنولوجية وتبني المجتمعات والحكومات الغربية والعربية على السواء في سياساتها التعليمية والثقافية دعم هذه الصيرورة التاريخية الحتمية. وقد ساهمت هذه الصيرورة في توليد ما يمكن أن نسميه اليوم بالأدوات الثقافية الجديدة أو الوسائط التقنية والتي تجاوزت دور الوسيط الرقمي لتنتج بدورها المادة الفنية والإبداعية وليتحرر الفن الرقمي ويكون من الفنون قائمة الذات.
انطلاقا من هذا، ومن خلال الدراسة موضوع البحث، ربما وجب علينا أن نعيد التفكر في مرتكزات هذه الأدوات الجديدة القادرة على صنع الفرجة وصياغة المشهد الدرامي وفقا لمهارات مخصوصة رافقت عمل المجموعة المنتجة للأثر المسرحي المذكور من جهة، ومن جهة أخرى كانت نتاجا حيا لعمل المجموعة التلمذية بعد تجربة جماعية امتدت على موسم دراسي كامل.
مهارات ما وراء المعرفة في دراسة هدى حدادي: أدوات أم نتائج أم كليهما معا؟:
يعتبر مفهوم ما وراء المعرفة مصطلحا مستحدثا أوجدته تطورات المنظومات التربوية والتعليمية بمختلف دول العالم وساهمت فيها حلقات الفكر والنقاش الجماعية وابتكار مفاهيم جديدة حول تطوير النفس والذات البشرية وتنمية القدرات الفكرية للأفراد والمجتمعات.
وفي هذا ومن وجهة نظر تاريخية يفيدنا الكاتب غسان محمد اخضير بالقول “…دخل مصطلح ما وراء المعرفة (métacognition) الى حقل التربية منذ منتصف السبعينات. ومن الناحية التاريخية ترجع الأبحاث غير المباشرة حول نشأة ما وراء المعرفة وتطورها الى اعمال قدماء الفلاسفة كأفلاطون وارسطو وكونفوشيوس وبوذا المتعلقة بالعمليات التأملية لدى الافراد…”(8) أيضا ومرة أخرى حسب رأي اخضير، أنه ومن وجهة نظر ديوي Dewey يمثل التأمل نوعا خاصا من التفكير الذي يشمل ترتيب الأفكار و الربط بينها، ويرجع الكاتب تطور مفهوم ما وراء المعرفة في جزء كبير منه الى أعمال وأبحاث فلافل الذي اعتمد على علم النفس النمائي عند جان بياجيه ليشتغل على ابراز مهارات التفكير العليا ولتشهد بذلك الساحة التربوية والمجتمع العلمي على السواء وتحديدا انطلاقا من منتصف سبعينات القرن الماضي تأصيلا وترسيخا لمصطلح ما وراء المعرفة الذي أصبح أكثر تداولا لدى عموم تلك الاوساط (9).
في هذا الاطار الموجز، اعتمدت الكاتبة هدى حدادي على عدة دراسات ونوعت مصادر البحث لديها ومقصدها في ذلك تقفي اثار مهارات ما بعد المعرفة على المسرح الرقمي وأثار هذا الأخير على تطوير مهارات ما بعد المعرفة، وقد اعتمدت على أعمال بحثية ذكرتها في كتابها ويمكن هنا -على سبيل الذكر لا الحصر- أن نعطي أمثلة على ذلك كدراسة رانية الشقاحين” الوعي بما وراء المعرفة وعلاقته بالفاعلية الذاتية ودافع الإنجاز لدى طلبة جامعة مؤتة عام 2014″ وأيضا دراسة ولاء الحلالمة “العلاقة بين تفكير ما وراء المعرفة وتفكير حل المشكلة لدى طلبة جامعة مؤتة عام 2014”.
لقد اعتمدت الكاتبة على رصد التحولات الذهنية والفكرية والحسية والحركية وتطور السلوك الفردي داخل عمل المجموعة من خلال التأثير والتأثر المتبادل وسرعة الاستجابة لحل المشكلات التي اعترضت فريق عمل المسرحية أثناء إنجازها فحين تظهر الأزمات أو المشكلات يصبح الابداع ضرورة وليس اختيارا على حد قول الكاتبة (10).
و في هذا و انطلاقا من الغايات الأساسية لهذه الدراسة، فقد استعانت الباحثة بنضج و تراكم تجربتها التربوية داخل صفوف المؤسسات التعليمية لتوظف حسن تمثلها لمفاهيم الفنون الرقمية والتفاعلية والمهارات و ما وراء المعرفة ولتنسج لنا خيطا وثيقا بين ما يمكن للفنون وللمسرح الرقمي أن يحدثه في سلوك وذهنية طالباتها باختلاف حساسيتهن الفكرية والجسدية والاجتماعية، فخشبة المسرح الحي وشاشة المسرح الرقمي ومختلف تقنيات الإنتاج الموظفة في هذا العمل كلها تصبح في تماه تام مع الابداع البشري لاسيما لدى هذه الشريحة العمرية الخاصة والحساسة. وتعطينا الكاتبة أمثلة حية على سرعة الاستجابة من قبل تلميذاتها لحل بعض المشكلات ومنها -على سبيل الذكر- الاستعانة بالتسجيل الصوتي المسبق الذي اعد كخطة بديلة في حال اعترض العرض أي عائق تقني، كذلك اشتغال المشاركات على اللهجة المحلية والاستعانة بالأهل وبسكان بعض المناطق لتفسير وتبسيط ونطق بعض الكلمات الواردة في لهجة النص الأصلي للمسرحية والتي طالما اعتمدها محمد العثيم في مقاربته الفكرية والفنية وسعيه المتواصل لربط الاصالة والتراث السعودي بالتوق والانفتاح نحو المستقبل.
من جهة أخرى لم تكتفي هدى حدادي برصد وتتبع أثر المسرح الرقمي على مهارات الطالبات فقط، بل تخطت ذلك لتقوم باستبيانات وجهتها لفئات معينة من الجمهور الذي واكب العرض الأول و اختارت عينات محددة تنوعت بين الفئة و العمر والمستوى العلمي والثقافي محاولة بذلك تأطير العمل وفتح أفاق جديدة له ولتجارب أخرى ممكنة بالإمكانات التقنية المتاحة للفنون الرقمية مستندة الى أراء الحضور خاصة منهم أصحاب الاختصاص التربوي والثقافي والفنانين والمبدعين، دون أن تهمل أراء الأولياء و منهم أولياء أمور الطالبات المشاركات في العمل .
في خاتمة هذه المقالة الموجزة التي أردنا من خلالها الخوض في مباحث واشتغالات مخصوصة تهم تاريخنا الثقافي المعاصر وخاصة الجانب الفني منه، وجدنا الرغبة كامنة فينا لتتبع مثل هذه الدراسات التي قامت بها الكاتبة والمربية هدى حدادي اعتبارا أن المدونة البحثية شحيحة الى حد ما في الاشتغال على مثل هذه المواضيع رغم رهانات الحضارة الإنسانية اليوم على التقنية والتكنولوجيا بكل أبعادها وتمظهراتها. فدراسة الحدادي قد ربطت حسب رأينا، بين فن راسخ في الذهنية البشرية منذ القدم الا وهو المسرح وتقنيات التواصل الحديثة التي يشهدها العالم تقريبا مع كل ولادة نفس بشرية جديدة.
وفي هذا ومن وجهة نظرنا الخاصة وما يمكن أن نستنتجه من هذه الدراسة، ان الفنون بدورها قد أبدعت لها أدوات جديدة ساهمت ولازالت في نسق نشرها واتاحتها للمتلقي بصور أخرى مختلفة عن المألوف.
ومن الجدير بالذكر ولأهمية صياغة توصيات ومخرجات حول الدراسات والبحوث بشكل عام، نجد أن دراسة هدى حدادي قد أوصت بدمج القطاع التعليمي والثقافي مع القطاع التكنولوجي لتحقيق الرؤية المستقبلية في التعليم وانتاج مسرح رقمي بصور إبداعية مختلفة اعتبارا أن محاسن التقنيات الجديدة قادرة على نشر وصياغة العملية الإبداعية والإنتاج الفني بغض النظر عن ذاك السؤال الكبير المتواتر خاصة لدى الأوساط الثقافية وهو: هل يمكن للتقنية أن تقتل الفعل الإنساني المنتج لقيم الجمال والخلق والابداع من خلال الفن؟
في نظرنا، يبقى هذا المبحث محل تطارح فكري بين الأفراد والمؤسسات وصناع الفرجة الحية والرقمية على السواء ومن القصور حسب رأينا ألا يوظف الانسان ما توصل اليه العلم الحديث من تقنيات واختراعات في مجالات اهتمامه، وأيضا من القصور أن تنتج لنا التقنية منجزا فنيا دون روح.
يقول هيغل: “ان الفن ليس محاكاة للطبيعة وانما هو إضافة الى الواقع والفن هو التصور الجميل للشي وليس تصور الشي الجميل، وعليه ربما يمكننا القول أن الانسان طالما التزم بعناصر خلق المادة الإبداعية وأطلق خياله المفكر وأحسن استعمال وتوظيف تلك الوسائط والأدوات التقنية الجديدة لأضاف أكثر جمالا على مختلف الفنون”.
ان الممارسة الفنية هي تجربة إنسانية بالأساس ارتبطت بالمهارة والخيال والابتكار ولن تكون تقنيات التواصل الحديث ومخرجات الثورة التكنولوجية بمعزل عن تلك الابتكارات، فالفن هو المبتدأ وهو المنتهى مهما تعددت الوسائل والادوات.
الإحــالات:
1/ انظر تعريف مصطلح الكاترسيس أو التطهير في كتاب ارسطو “فن الشعر”.
2/ حدادي (هدى) المسرح المدرسي الرقمي ومهارات ما وراء المعرفة، مجموعة تكوين المتحدة للطباعة والنشر والتوزيع، جدة، المملكة العربية السعودية، 2022
3/ انظر تعريف الكاتب، سامي (إيمان) سيرة الكاتب المسرحي محمد العثيم 2018/07/15، المرسال AL-mersal.com
4/ حدادي (هدى)، مرجع سابق، ص37.
5/ حسين حبيب(محمد)، قواعد المسرح المدرسي،23/02/2021، middle-east-online.com
6/ سباعي (السيد)، الدراما الرقمية والمسرح الرقمي: تجارب عربية وغربية، الهيئة العربية للمسرح ،2017، ص26.
7/ بخيت (سيد احمد)، تصنيف الفنون العربية والإسلامية: دراسة تحليلية نقدية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، هرندن، فرجينيا، الولايات المتحدة الامريكية،2011، ص74.
8/ انظر كتاب: محمد اخضير(غسان)، ما وراء المعرفة: النشأة والمفهوم والتطبيق، دار البيروني للنشر والتوزيع،2015.
9/ المرجع السابق
10/ حدادي (هدى) المرجع السابق، ص79.