الفنان سمير السفي الذي ورث المواهب كلها / مجيد عبد الواحد النجار

من الممكن ان تتابع سيرة فنان تعلم الفن بالفطرة او تأثر بأحد الفنانين، او سُقلت موهبته في مرحلة ما من طفولته، على يد احد المتطوعين، ولكن كيف تتخيل ان يولد انسان في بيت يحب الفن، كيف تتخيل ان يولد انسان ووالده فنان. عادة ما يرث الفرد من والده، او اهله امور اجتماعية، اوسايكلوجية عديده، فمن الممكن ان يرث الشجاعة، او الكرم، او يرث العيون السود مثلا، او الطول، او الشعر الاشقر، فهل من الممكن ان يرث مواهب هله الفنية كذلك؟ .

في التراث العراقي توجد مقولة يكررها ابنائها دائما، وهذه المقولة تعود لاحد ملوك العراق(يا مسعدة وبيتك على الشط). كم كان سعيدا سمير السيفي المولود في محافظة ميسان قضاء قلعة صالح عام 1947، عندما ولد قرب نهر دجلة، كم كان سعيدا عندما ولد والنخيل تحيط به من كل جانب، انها الارضية الصالحة التي يتمكن فيها من زراعة افكاره، وطموحاته، ومواهبة، التي اكتسبها من والده الفنان، الذي كان ممثلا بالفطرة، وكان يتمتع بصوت جميل، وكان يحب الغناء كثيرا، كم كان السيفي سعيدا وهو يتعلم من والده الفن، منذ طفولته، بل من الممكن ان يكون انه ينام على صوت الغناء، ويصحو على زقزقة العصافير في الصباح، ويذهب مساءا لنهر دجلة ليرتوي منه ماءا عذبا انه ما (دهلة) كما يطلق عليه عشاقه.

لم يتمم السيفي طفولته كلها في قلعة صالح، فالمحطة التي تنتظره محطة لصناعة الفن، فكل ما سمعه من والده سيتطور وينمو في محطته الجديدة، انها محطة الفن والابداع والجمال، محطة سيسقى فيها من ماء اختلط بعضه ببعض وتكون شط العرب، نعم سيشرب نتيجة ما اختلط من نهر دجلة، والفرات، لتمتد جذوره عميقا ويتمسك بالمدينة الجميلة.

لقد رحل السيفي مع اهلة الى البصرة، وسكن محلة الفيصلية (الجمهورية حاليا) وعند اكتماله السادسة من عمره دخل مدرسة الفيصلية الابتدائية، وصادف ان يكون معلمه سميع رشود الذي كان ممثلا، ويتمتع بصوت جميل، مما جعله وزملائه يتاثرون به ويقلدون حركاته، ومن هنا كانت انطلاقته الاولى بفن التمثيل، كون استاذه احد رواد المسرح في البصرة، فاحب التمثيل واحب المسرح، وبدا يبحث عن مسارح البصرة لكي يتابع العروض المسرحية التي تقام عليها.

لم يسعفه عمرة على المتابعة، فقرر ان يؤجل حلمه بالصعود على خشبات المسرح الى ان يصل الى مرحلة تمكنه من ذلك، فكانت دراسته في المرحلة المتوسطة الانطلاقة الى احلامه، فبدا هنا في متوسطة الجمهورية، عندما التقى زملائه من محبين الفن ومنهم صلاح جياد وفيصل العيبي.

يقول سمير السيفي عندما تعرفت على هؤلاء لم افارقهم يوما التصقت بهم، واصبحوا اصدقائي المقربين لي كثيران، واصبحت بيننا لغة واحدة خصوصا بعد ان تعلمت فن الرسم  والغناء على ايديهم، كنا نخرج معن ونرسم ونغني معن، ونتحاور في  امكانية تطوير اعمالنا، كانوا بالنسبة لي بمثابة المعلمين، لانهم هم الذين أنطقوا الطفل الصغير الذي يحب الفن في داخلي، وبدأت اتابع الافلام السينمائية، وكنت لا افارق التلفزيون، لكي اصقل موهبتي واطور من امكانياتي الفنية

انفتح الطريق امام السيفي وراح يتجول في المدينة الجميلة، ويتعرف على فنانيها، في كل الاختصاصات، فاصبع له شغف في ممارسة اي فن من الفنون، كان همه ان يكون فنانا يشار له بالبنان فأخذه هذا الحب، وهذا الشغف يوما الى نادي الاتحاد الرياضي لمشاهدة احد العروض المسرحية التي تقام هناك، وهنا في هذا المكان الذي كان منبعا للفن المسرحي ومنطلقا لأغلب المسرحيين، تعرف على الفنان عزيز الكعبي، الذي كان مديرا لفرقة الاتحاد المسرحية، وعرض عليه استعداده بالعمل معه بعد ان عرفة بنفسه، وعرض عليه مواهبه، فما كان من الكعبي الا ان وافق على مشاركته في احد اعماله المسرحية.

لقد وضع السيفي قدمه في المكان الصحيح، هكذا جاءت الاقدار ليتعلم فنون المسرح من معلم تخرج على يديه الكثير من الفنانين المسرحين، وكان لهم الشرف في العمل معه، بدا السفي يعمل مع الفنان الكعبي ويتعلم منه، كان تلميذا نبيها اراد ان يتعلم ولا يضيع الفرصة التي مهدتها له الاقدار، وان يحافظ على الارث الذي اكتسبه من والده، احب المسرح كثيرا، وادمن على متابعة العروض المسرحية من اجل كسب المعرفة لإرضاء معلمه الكعبي.

ومن خلال اتصاله الدائم بفرقة الفنان عزيز الكعبي ومتابعة العروض المسرحية تعرف على العديد من فناني البصرة الذين يعملون في هذا المجال، وكان من بينهم حطاب العبادي، واسعد عبدالحسين، ومحمد وهيب، وسعيد الربيعي، وعبدالصاحب شوكت، وموسى جاسب، وفالح حسن، ومحسن عبد الزهرة…… واخرين.

تمسك السيفي بأصدقائه ولم يفارقهم، كانوا يعملون بجد واخلاص دون مقابل، كانوا ينتجون اعمالهم من مصروفاتهم اليومية، كان حبهم للمسرح كسّر كل المعوقات التي كانت تقف في طريقهم، وكانوا يحلمون بغد افضل بغد يصعدون به على خشبات مسارح كبيرة، وان تنتج اعمالهم من قبل منتجين.

استمرت احلام السيفي معه الى اعدادية العشار، لم تنقطع، بل زادت هذه الاحلام، بان يخرج وزملائه من الاعمال الشعبية الى ان يختاروا اعمالا عالمية او عربية ويقدموها في احد قاعات المسارح المنتشرة في محافظة البصرة، ولكن عدم تمكنه وزملائه من ان يقدموا هذه الاعمال لم يوقفهم عن تقديم اعمال مسرحية استحسن الجمهور تقديمها وراقت لهم، فقدموا اعمالا كوميدية طرحوا من خلالها القضايا التي تهم المجتمع، وكانت مطعمة بقضايا سياسية كانت مطروحة في واقع المجتمع.

تخرج السيفي من الإعدادية ودخل معهد اعداد المعلمين في البصرة عام 1966 الفرع العام، وكان من ضمن الدروس المقررة درس التربية الفنية، الذي كان له اهتمام خاص يتابعه بشغف ولا يتركه يوما، حيث لم يتغيب يوما عنه، وقدم اعمالا مسرحية عديده مع زملائه في القسم او مع زملائه في الاقسام الاخرى المحبين للمسرح، فكان معه في هذا الهم صديقة وزميل الدراسة منعم شاكر، الذين توحد معه في الهم والتفكير بتقديم اعمالا مسرحية جيدة.

بعد تخرجه من معهد اعداد المعلمين، وبعد ان اصبح له اصدقاء في كل مكان وزملاء في الهم المسرحي، اشترك بأعمال مسرحية عديده في مديرية النشاط المدرسي، كما شارك مع فرق مسرحية اخرى، ومن ضمن هذه المشاركات كانت له مشاركة في افلام سينمائية واوبريتات، واشترك مع الفنان عزيز الكعبي في اعمالا مسرحية عديده، كما اتاحت له فرصة المشاركة مع الفنان طالب جبار في تصميم وتنفيذ الديكورات لبعض اعماله التي قدمها للفرقة القومية، وأتيحت له فرصة المشاركة مع الاستاذ والمخرج حميد صابر في احد اعماله للفرقة القومية.

كما اتاح له العمل كمشرف فني في مديرية تربية محافظة البصرة العمل بحرية كبيرة، وتمكن من الاشراف على الاعمال المسرحية والنشاطات الفنية التي تقام داخل المدارس او خارجها.

أحب سمير المسرح مما جعله يشرك عائلته معه، فقد شارك اولاده سرمد وسامر في مسرحية (السفير الغبي) التي قدمت على قاعة التربية (عتبة ابن غزوان حاليا) وكذلك كانت لهم مشاركة معه في مسرحي (مقامة الحسام والفتى الهمام).

ليس دائما تسير الرياح بما تشتهي السفن فقد اختلف الوضع في العراق، واصبح العيش بالنسبة للسيفي صعب، فكان حريصا على عائلته، فهاجر الى السويد، حاملا معه حبه وعشقة للفن، وكان يحمل في داخله مواهب لم يسمح له الزمن من اكتشافها، ولم تأتي الفرصة المناسبة لاكتشافها.

في السويد لم يكن الطريق سالكا امامه لتقديم عروضا مسرحية، او ان يتشارك مع احد هناك، فراح ينبش في مواهبة الفنية، ومنها الحرف اليدوية، فوجد نفسه قادرا على ان يقوم بأعمال حياكة السجاد، كونها تحتوي على رسومات والوان، يكون قريبا بها من الرسم،  فبدا العمل بها وطور نفسه كثيرا من خلال ممارسة للحياكة، وتمكنه بعد ذلك من المشاركة في معارض تشكيلية تقام لهذا الغرض، فمن بين المعارض التي شارك فيها معرض استوكهولم في السويد.

وهذا هو الواقع الذي يقول: “من شب على شيء شاب عليه” لقد ولد السيفي في احضان الفن، وسمع الفن عندما كان في لفة القماط، ونما وترعرع في احضان الفن وصناعة، لذلك لم يتمكن من خلع ثوبه وارتداء ثوب غير ثوب الفن الذي كان يليق به.

ببلو غرافيا اعمال سمير لطيف السيفي