فاطمة الركراكي تستغيث / أحمد سيجلماسي
تمر الممثلة القديرة فاطمة الركراكي (74 سنة)، منذ شهور، بظروف صحية صعبة لم تمكنها من حضور لحظة تكريمها بمسرح محمد الخامس بالرباط في اختتام الدورة السابعة لمهرجان المسرح العربي مساء يوم 16 يناير الجاري ، إلى جانب باقي المكرمين من رجال ونساء المسرح المغربي .
وفي حوار أجري معها نقف على جانب من معاناتها مع المرض ، الشيء الذي يستدعي تدخلا عاجلا من الجهات الوصية على الثقافة والفنون ببلادنا في انتظار أن تحظى هذه الفنانة الكبيرة برعاية ملك البلاد محمد السادس، نصره الله، شأنها في ذلك شأن فنانين آخرين …
وفي انتظار ذلك نعمم هذه الورقة، التي تسلط بعض الأضواء على مسيرتها الفنية الطويلة:
** ممثلة مغربية رائدة :
تعتبر القيدومة فاطمة الركراكي رائدة من رائدات التشخيص بالمغرب، قارب عمر تجربتها الفنية ستة عقود من العطاء المتواصل (1957 – 2015) في مجالات المسرح والإذاعة والسينما والتلفزيون. كان دخولها الأولي إلى عوالم المسرح بالصدفة وذلك بفضل المصور والممثل المسرحي عبد القادر بنسليمان، الذي اكتشفها واقترح عليها الانضمام إلى فرقة ” التجديد المسرحي ” سنة 957 ، وهي الفرقة التي كان من أعضائها آنذاك المرحوم العربي الدغمي وعبد القادر بنسليمان وآخرين. ومن المعروف آنذاك أن عدد الممثلات المغربيات كان محسوبا على رؤوس أصابع اليد الواحدة بفعل الطابع المحافظ جدا للأسر المغربية التي كانت تمنع بناتها من ممارسة التمثيل على خشبات المسرح، ومن بين الممثلات اللواتي سبقن الركراكي إلى التشخيص المسرحي والإذاعي والسينمائي نذكر بشكل خاص الرائدات خديجة جمال وأمينة رشيد والمرحومة حبيبة المذكوري.
لم يمر وقت طويل على فاطمة لتندمج مع أعضاء فرقة التجديد وتكتشف أن لها قدرات تشخيصية في حاجة إلى صقل ومزيد من التمرن، وبعد أن تمكن منها عشق أب الفنون وهي لم تكمل بعد عقدها الثاني شاركت في مباراة نظمتها وزارة الشبيبة والرياضة لاختيار ممثلين وممثلات من أجل تكوين فرقة للتمثيل. نجحت الركراكي في الاختبار وبعد عدة تداريب شاركت في مسرحية ” عمايل جحا ” التي يمكن اعتبارها بمثابة الانطلاقة الفعلية والحقيقية لمسيرتها في التشخيص .
اكتشفت فاطمة الركراكي المغرب بمدنه وقراه كما اكتشفت العديد من الدول الأوروبية والعربية وغيرها من خلال جولات فرقة التمثيل المسرحية في الداخل والخارج، وبعد توقف هذه الفرقة التحقت بفرقة المعمورة الشهيرة (1966 – 1974) وكان أول دور لها معها في مسرحية ” أهل الكهف ” لتوفيق الحكيم وتلته أدوار أخرى إلى جانب ممثلين ومخرجين كبار من عيار الطيب الصديقي والراحلين أحمد الطيب لعلج و محمد سعيد عفيفي وآخرين .
لم تعمر فرقة المعمورة طويلا رغم نجاح مسرحياتها وبعد تفككها وتشتت أعضائها التحقت الركراكي سنة 1975 بفرقة مسرح محمد الخامس بالرباط، مسقط رأسها يوم 14 فبراير 1941، واحتكت بممثلين وممثلات من عيار محمد الجم ومليكة العماري والهاشمي بنعمر ونزهة الركراكي وعزيز موهوب وغيرهم .
إن هذا الحضور المسرحي المستمر كان يوازيه حضور لا يقل عنه أهمية في أعمال إذاعية مع فرقة التمثيل التي كان يشرف عليها رائد المسرح الإذاعي بالمغرب الأستاذ عبد الله شقرون، وفي أعمال تلفزيونية نذكر منها أفلام ” آخر طلقة ” (1995) لعبد الرحمان ملين و ” أمواج البر ” (2001) من إخراج محمد إسماعيل و ” للأزواج فقط ” (2008) و ” يما ” (2013) لحسن بنجلون (فازت فاطمة الركراكي عن دورها في هذا الفيلم ، الذي يعتبر آخر أعمالها الفنية لحد الآن ، بجائزة أحسن ممثلة في الدورة الثانية لمهرجان مكناس للفيلم التلفزيوني) والسلسلة التلفزيونية الفرنسية البلجيكية ” أرض النور ” ( 2008 ) للمخرج الفرنسي من أصل أوكراني سطيفان كورك …
أما السينما فكان لفاطمة الركراكي أول لقاء معها سنة 1960 من خلال تشخيص دور البطولة إلى جانب الشاب الطيب الصديقي في الفيلم القصير ” من أجل لقمة عيش ” من إخراج الرائد العربي بناني ، وبعده ببضع سنوات شاركت إلى جانب المسرحي الراحل الدكتور محمد الكغاط في أول أعمالها الأجنبية وهو فيلم قصير كذلك من إنتاج ألماني فرنسي أخرجه جيمس هاستون سنة 1964 تحت عنوان ” شهر عسل بالمغرب ” .
بعد هذين الفيلمين القصيرين توالت الأفلام واختلفت الأدوار ، ومن مكونات الفيلموعرافيا السينمائية للممثلة فاطمة الركراكي نذكر العناوين التالية للأفلام المغربية والأجنبية الطويلة التي شاركت فيها : ” شمس الربيع ” ( 1969 ) للطيف لحلو و ” السراب ” ( 1979 ) لأحمد البوعناني و ” غراميات ” ( 1986 ) للطيف لحلو و ” كريستيان ” ( 1989 ) لغابريال آكسيل ، وهو فيلم درامي من إنتاج دانماركي إيطالي شارك فيه من الجانب المغربي عبد الله العمراني ونزهة الركراكي وعبد القادر مطاع وفاطمة الركراكي وآخرين ، و ” ياريت ” ( 1994 ) لحسن بنجلون و ” أنا الفنان ” (1978 – 1995) لعبد الله الزروالي و ” المقاوم المجهول ” ( 1995 ) للعربي بناني و ” وداعا أمهات ” ( 2007 ) لمحمد إسماعيل …
وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن أفضل تكريم لفاطمة الركراكي (التي حظيت بتكريمات في مناسبات مختلفة داخل المغرب وخارجه) وغيرها من الفنانين المغاربة هو توثيق تجاربهم الفنية في كتب أو عبر أفلام وثائقية ، وهم على قيد الحياة ، ما داموا غير عابئين أو غير قادرين على كتابة مذكراتهم بأنفسهم .